انتخابات كاتم الصوت
فرات المحسن
في جميع حالات القتل العمد والاغتيالات التي طالت المنتفضين أو المعترضين على أداء الأحزاب السياسية التي تقود السلطة في العراق،لم تفعل الحكومة غير الإعلان عن تشكيل لجان تحقيقيه وإطلاق الوعود بالكشف عن القتلة. ورغم توفر الكثير من الأدلة في تلك الجرائم البشعة، التي اقترفت في وضح النهار وبالقرب أو تحت أنظار قوى الأمن وجهاز الشرطة والجيش، وتم في البعض منها معرفة الجهات التي نفذتها. ولكن السلطات الأمنية والمؤسسات القضائية ومثلها رئاسة الوزراء، لازالت تمتنع عن كشف الجهات الفاعلة أو اتخاذ إجراء بحقها، بل الأسوأ من هذا قيام الجهات الرسمية بحجب نتائج التحقيق وطمس معالم الجريمة، وتحصر القضية وتوضع في أدراج النسيان،اعتمادا على تقادم الزمن واختفاء الأدلة ومن ثم يأس أصحاب الحق الشخصي.
جميع الوقائع تشير لكون مصطفى الكاظمي كان أحد أهم أقطاب عمليات الاغتيال حين وجوده على رأس جهاز المخابرات العراقي، وكانت المعلومة تصله كاملة، ويعرف جيدا الجهات المنفذة لتلك الاغتيالات. ولذا وبناء على هذا تم اختياره لرئاسة الوزارة. ووضعت خطة تكليفه برئاسة الوزراء في دهاليز المخابرات الإيرانية والقوى الموالية لها. وكلف الكاظمي بمهام الإعداد والإشراف على تفتيت الانتفاضة شيئا فشيئا، ويتقدم خطته بالتغاضي عن هدر دم المنتفضين ومن ثم تمييع قضايا اغتيالهم، لحين الوصول إلى انتخابات مفبركة يعاد فيها تدوير ذات السياسات الحزبية والشخصية العقيمة والمريضة والملوثة بمختلف الموبقات.
تلك المهام الحكومية باتت مكشوفة للعيان وعرتها الوقائع والأحداث اليومية، إن كانت على مستوى العنف اليومي والسلاح المنفلت أو بسرقة المال العام أم السياسات الاقتصادية الهزيلة ومثلها حملات التهريج الإعلامي المخادع التي يمارسها رئيس الوزراء وباقي شلته، أو مظاهر استعراضات القوة السافرة المليشياوية المسلحة المرتبطة بإيران، وضغط الأحزاب الحاكمة الساعي لفرض خيار أجواء الإرهاب والفوضى والتهديد بخنق أي صوت ينادي بالتغيير وإجراء انتخابات نزيهة.عند ذلك ستكون هذه المليشيات سيدة الوقائع الانتخابية بكامل مراحلها، وسوف تعمل بجد وقسوة لتامين بيئة سياسية وأمنية تقطع الطريق على القوى الوطنية الديمقراطية حتى وإن كانت تلك القوى صغيرة وبسيطة.
مقدمات هذا الخبث الانتخابي لا تخفى على الجميع فأحزاب السلطة ترفض بشكل قاطع إشراف ومراقبة الأمم المتحدة على الانتخابات. وسبق لهذه القوى المتنفذه أن سوفت ومنعت سن قانون عادل ومنصف وحضاري للأحزاب، تتقدم أولى بنوده منع مشاركة القوى المسلحة بالانتخاب، وكشف مصادر تمويلها وإبعاد من يثبت استخدامه للمال السياسي كسلاح لكسب الأصوات.وعملت هذه الأحزاب على تشكيل مفوضية لإدارة العملية الانتخابية وزع أعضاؤها حسب الحصص الحزبية ووضع على رأسها قاضي له ارتباط قوي بالمالكي.
كل ذلك الخبث والتسويف والمماطلة تقف وراءه الأحزاب الممثلة بالبرلمان والمتحاصصة في مؤسسات الدولة ويشاركها في ذلك مجلس الوزراء، وتتواطأ معها في هذا التسويف والمماطلة، السلطة القضائية التي باتت جزءً مكملا وذراعا للأحزاب والمليشيات قبل أي جهة أخرى.
وبعد أن تعرت نوايا السلطة وأحزابها وافتضحت طبيعة تبادلها للأدوار والمهام التسويفية والترقيعية، لذا ما عاد يخفى على الشعب سياقات ومناهج العمل التكاملي والأداء المفبرك بين السلطة ممثلة بمجلس الوزراء والمليشيات بمختلف تلاوينها.
فحين تقوم تلك المليشيات باستعراضاتها المسلحة في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى ويترافق ذلك وتصريحات وبيانات تهديد ووعيد وشتائم لسلطة رئيس الوزراء ولقوى الأمن والشرطة وأيضا للجيش الوطني. عندها يصدر عن القيادات الأمنية ما يسوف الموقف ويقدم صورة مغايرة للحدث،رغم ما تحمله من ذل وهوان، ليكون ذلك إثباتا لقدرتها المتهالكة وحرصها على ابتلاع الخوف والشتائم والتهديد، لا بل الأدهى من ذلك لجؤوها وعلى رأسها القائد العام ممثلا برئيس الوزراء، إلى خيار العطوات أي وساطة رؤساء بعض الكتل أو رؤساء عشائر لأبعاد أذى المليشيات عن السلطة ومؤسساتها. وهنا يقفز السؤال الأكثر إيلاما أمام هذا الهزال والخنوع السلطوي.
كيف يتسنى للقائد العام للقوات المسلحة وأذرعه الأمنية الوقوف بوجه تلك المليشيات وردعها عن التلاعب بنتائج الانتخابات؟ وقبلها، كيف يتسنى له تأمين بيئة مناسبة سلمية وديمقراطية وآمنة مثلما يدعي. وهو الخانع والمرتعد أمام جبروت المليشيات وقبلها سطوة الأحزاب.
في مثل هذه الأجواء الملتبسة ما عادت الانتخابات غير مشروع لإعادة تدوير ذات الشخصيات والقوى التي سيطرت على مقاليد الحكم في العراق منذ 18 عاما ودفعت بالشعب العراقي نحو الجوع والفقر والخراب والمصائب الموجعات، ولن تكون الانتخابات المقبلة غير باب جديد لوصول قوى قديمة بوجوه وثياب مهلهلة تمثل الفاشيين الفاشلين القتلة من حملة السلاح ومرشحي المكاتب الاقتصادية لأحزاب الخراب.
ومن كل هذا وأمام خبث هذه القوى مجتمعة وبمختلف تشكيلاتها. فليس أمام الشعب العراقي غير الاحتكام للمقاطعة الشاملة للانتخابات المقبلة، وتقديم درس واعٍ وأكيد لعزيمة الناس وقدرتها على إفشال مسرحيات الأحزاب الإسلامية والقومية والطائفية ومليشياتها القذرة ومكاتبها الاقتصادية الناهبة، وتنبيه العالم وأممه المتحدة لما يجري في العراق من قتل وسرقات وخراب عام باسم خدعة كبيرة سميت انتخابات. ولإثبات استمرار عدم شرعية السلطة المنبثقة عن الدورات الانتخابية السابقة ومثلها القادمة، إن لم يتم تأمين بيئة سلمية ديمقراطية سليمة وحقيقية بعيدة عن تهديدات المليشيات وسلاحها المنفلت وأذرع المكاتب الاقتصادية ذات المال المنهوب من قوت الشعب والمستغل لشراء الأصوات والذمم.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط