العدالة في عالم الحيوان !

العدالة في عالم الحيوان ! ـ (*) د. رضا العطار

لقد ظلت الحياة العاطفية للحيوانات نقطة ضعف التي تعاني منها ابحاث السلوك الحيواني وقد افترض ان الحيوانات لا تختبر العاطفة، او ان حياتها العاطفية ابسط من ان تلفت الانتباه. وحتى الى وقت قريب كانت العواطف لدى الحيوانات تصنف باعتبارها ردود افعال سلوكية تختزل في تفاعلات كيميائية في العقل والجسم. على سبيل المثال كان الخوف يوصف بانه مجرد حدث فسيولوجي تصف استجابة (القتال او الهروب) افراز هورمون الكاتيكولاين الذي يؤدي الى انقباض الاوعية الدموية وزيادة ضربات القلب ومعدل التنفس وما الى ذلك. لكن اغلب الناس يرون ان هذه صورة قاصرة لما يعنيه الشعور بالخوف، وان للخوف اوجه كثيرة، ومن حسن الحظ ان وجهة نظر هذه تشهد تغيرا في الوقت الراهن، وقد صرنا على يقين ان الحياة العاطفية للحيوانات لا تقل ثراءا عن حياة الانسان.

هناك اهتمام واسع بالعاطفة الحيوانية ! انظر كتاب (الحياة العاطفية للحيوانات) وكتاب (المملكة الممتعة) اللذان افسحا المجال الى التركيز على عواطف (سلبية) مثل الخوف والالم والعدوان، والى اهتمام متزايد بالعواطف (الايجابية) مثل الحب والسعادة والمتعة والغفران. تعد الحياة العاطفية للحيوانات في صلب المنظومة الاخلاقية المطلوبة مما ستعطي دفعة لهذا العلم الجديد.

ان القصص التي يرويها لنا العلماء تقدم تفاسير مبنية عن خبراتهم حول انواع متنوعة من السلوك العاطفي التي تحفل بمختلف انواع الحيوان تتسم بالسياق واوجه التميز الفردية كما نلاحطه مثلا عند كلب التسماني الذي يتشاطر وجبته الغذائية مع كلب آخر.

او ما نشاهده من روح الوفاء والتضامن لدى الافيال، او التعاطف الشامل والملموس عند معظم انواع الحيتان. واللعب النظيف عن افراد قطيع الذئاب، وكذلك عن طيبة قرد الشمبانزي مع بقية افراد مجموعته . . . مصدر هذه المعلومات علماء اخلاق وخبراء احياء كرسوا سنوات حياتهم لدراسة سلوك هذه الاجناس.

ان السلوكيات المنصفة والايثارية والتعاونية والتعاطفية في مجملها تمثل نظاما اخلاقيا يسري في مجتمعات حيوانية بعينها سريانه نفسه في مجتمعات بشرية. عادة ما يعول عليها الاخلاق على التعاونية التي تعتمد على الاستدلال بانه اذا تشابهت الاشياء في بعض جوانبها فلا بد ان تتشابه في جوانب اخرى، فعلى سبيل المثال انهم يقارون بين البشر و الحيوانات ويبحثون اوجه الشبه والاختلاف في عدد من السمات بما في ذلك بنية الدماغ والهورمونات ووظائف الاعضاء والفسيولوجيا والوراثيات علاوة على السلوك وتعبيرات الوجه وطريقة النطق وما الى ذلك. . اننا نزعم بان البشر لديهم مشاعر اخلاقية مرتبطة ببنى دماغية معينة ونظرا لان للحيوانات بنى دماغية مشابهة، فربما كانت ايضا تختبر عواطف مماثلة.

لقد كشف العلماء مؤخرا منطقة في دماغ الانسان تعرف باسم النواة الذنبية Caudate Nucleus تنشط عندما يتخذ البشر قرارات قائمة على الثقة، وقد لاحظ عالم الاعصاب Reed Montague ان النواة الذنبية تتلقى معلومات عن عدالة قرار الشريك الاجتماعي ونيته ومدى حيازة هذا القرار بالثقة. واستنادا الى الاستقلال القياسي، بان هناك منطقة في الدماغ مكرسة للثقة لدى الحيوانات مثلما هي الحالة عليه عند البشر.

فحياة الحيوانات العاطفية والاخلاقية في الواقع عامة شفافة الى حد مذهل. وان ما يتجلى في الظاهر ينبئنا بالكثير عما يحدث داخل عقول وقلوب هذه المخلوقات.

ونظرا الى ان الابحاث التي اجريت على الحيوانات لمدة عقود طويلة كان الهدف منها خدمة وحاجات واغراض البشر. فهناك نزعة تصل الى حد الادمان لتعميم ما نتعلمه عن الحيوانات على البشر. لكن من الممكن ان تؤدي هذه النزعة العقلية الى علم حافل بالثغرات والمآخذ.

* مقتبس من كتاب (العدالة في عالم الحيوان) لمارك بيكون وجيسيكا بيرس، هيئة

ابو ظبي للثقافة والتراث والكلمة ترجمة فاطمة غانم ط 1، 2010

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here