صفحات كونيّة (6) دور طبيعة ألفكر في تقويم ألخيال:

صفحات كونيّة (6) دور طبيعة ألفكر في تقويم ألخيال:
بقلم ألعارف الحكيم : عزيز حميد مجيد
ألسؤال الأهم الذي ورد في هذا الفصل ضمن الموضوعات الأساسيّة ألمطروحة كقضية (الخيال بين آلحقيقة و الوهم) و غيرها من التي تتعلق بمستقبل الخلق هو:
[[ما هي الأدلة القرآنية و البراهين ألتجريبيّة التي تؤكد أنّ الواقع وحدهُ بما فيه آلغيب كأساس لظهوره؛ مصدر معرفة حقيقية للسنن ألألهية و لواقع و مصير الإنسان و المجتمع كجماعة مشتركة تحصل لها الوقائع و الأحداث و الوعود الإلهيّة بحسب دورها و أن مصداقيّة و صحّة أيّ شيء هي أن تحصل و تتحقق على أرض الواقع بعد تجسيده في الخيال ألمرشّح من العقل الباطن لا الظاهر، و أن حقائق (الإنسان و المجتمع) موجودة في الواقع، لا في تصورات العقل ألظاهر، أو تصورات الناس ألمجرّدة عنك؟]].

نحن نسعى إلى طرح نظريّة جديدة يدعم منهج الأبداع, فما طُرح للآن لم يكن مفيداً و متكاملاً لعلاج أزمات الأنسان المادية و الرّوحية وآلأجتماعية, و كما قلنا: يجب أن يعرف الباحثون بأنه (لا يُمكننا حلّ مشكلة، باستخدام نفس العقلية التي أوجدت المشكلة), لذلك فأنّ أكثر القوانين و في معظم المجالات بجانب التأريخ المؤدلج الذي خطّه الحاكمون يجب أن تحذف أو تصحّح من الجذور على الأقل, لأن إجراء إصلاحات ظاهرية لا تنهي المشكلة لأن الخلل في الجذور و القوانيين.

وهذه الدراسة في الحقيقة تُشكل نظرية جديدة باسم (نظرية الخيال) التي تُمهّد بشكل منطقي لأنتاج العلم بحسب الفلسفة الكونية.

إبتداءاً ألفكر الكونيّ و لكي يكون مُنتجاً يحتاج لمقومات ترافقه كآلبحث و آلتأمل و آلتّدبر و التفقه و النظر وغيرها؛ لكون العقل الباطن ألذي ينتج الفكر الكوني؛ هو المناخ المطلوب لوعي الوجود و الخلق عبر حقائق آلكتب السّماوية و آلأحداث و الوقائع و القصص التي تكرّرت بعضها في القرآن لدورها الحيوي في بناء و تقويم الفكر و إحياء العقل و إنضاج الخيال لتخصيب الأنتاج و تحقيق فلسفة الوجود بشرط التعمق في المعرفة و أسرار الأنفس و الآفاق, أمّا النصوص ألمقدسة إلى جانب تقريرات الفلاسفة العظام فهي آلمَعين ألذين لا ينضب لإحياء وتجديد و إدامة الحياة ألطيّبة بدل ألماديّة الميّتة التي ليست فيها روح و جمال و قيم تتناغم مع حركة و موسيقى الوجود, لذا يجب المواظبة على دراستها و كشف المجاهيل و الأسرار للأستفادة منها بعد ترتيبها و شرحها بحسب متطلبات العصر و حيثيات ذلك المشروع ألذي يحتاج الفن و الموسيقى و الشعر لتلطيف أجوائه و مرافقته و بغيرها يستحيل إدامة الحياة المعاصرة ألمعقدة مع هذا البشر الظالم, و سنشير لبعض آلنّصوص ألمُقدّسة لكونها دقيقة و تناسب الرّوح ألعصرية الأنسانيّة, لأنها بآلنتيجة صادرة من خالق الروح و العقل و الحكمة و العشق, ليمكننا التركيز على تحقيق الهدف ألمنشود عبر الأنتاج العلمي و الفني بطاقة الفكر المُولّدة للخيال – نقصد الفكر الباطن – للطبابة الكونيّة, و ألفكر ألباطن يُمثل الحركة آلأنتقاليّة للذهن من المجهولات(الخام) إلى فلاتر العقل الباطن لتحليل تلك المعلومات بعد الدراسات و المقارنات لتحقيق المقاصد التي ترتبط من جانب بآلنية و من الجانب الآخر تنتهي بآلكمال, و لا بدّ من تكريرها بواسطة العقل الباطن لتقويمها و إستعمالها بشكل أنفع و أجمل وأوفر, ليتحقق على أتمّ وجه, و هذه هي [عملية سير الباطن من المبادئ(المقدمات) إلى المقاصد(ألأهداف) و هو قريب من النظر و لا يرتقى أحدٌ من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير التفاعلي](1) , و لنا في قصص العرفاء و الأولياء عبرة و كما بيّنا ذلك سابقاً, حيث لا يدرك ولا يكتمل معاني و أسرار الوجود و تحقق الوصال مع ا لمعشوق إلا بآلفكر و التفكر الباطني – القلبي ألذي يتأتى بآلعبادة و خلوص النّية و العمل الصّالح ألذي يتطلب التضحية بدون مقابل .. بحسب أوامر المعشوق ألذي قال في حديث قدسي:
[مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ], حديث متفق عليه و قد ورد ضمن الأحاديث القدسية, و أداء النوافل يكون بعد طهارة القلب الذي وحده يربط العبد بربه لا العقل الذي يفيد للحساب و الكتاب فقط.
يقول الباري تعالى: [أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور](2), و قوله تعالى؛ [و نزّلنا إليك الذِّكر لتُبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم و لعلّهم يتفكّرون](3).
وعن عليّ(ع) ؛ [فكر المرء مرآة تُريه حُسن عمله من قُبحه](4).
و قال(ع) ؛ [مَنْ كثرت فكرته حسنت عاقبته, و الفكر مرآة صافية و ا لفكر ينير اللبو الفكر جلاء العقول](5).
و عنه(ع) ؛ [فكر ساعة قصيرة خير من عبادة طويلة](6).
و عنه(ع) ؛ [أصل العقل ألفكرو ثمرته السلامة](7).
و عنه(ع) ؛ [ألفكر في غير الحكمة هوس](8).
و عنه(ع) ؛ [ من ترك الإستماع من ذوي العقول مات عقله](9).
و عنه(ع) ؛ [إضربوا بعض الرأي ببعض يتوّلد منه الصّواب](10).
و عن عيسى(ع) ؛ [كونوا نُقّاد الكلام](11).
و عن عليّ(ع) ؛ [من شاور الرّجال شاركها في عقولها], أو [ما خاب مَنْ إستشار](12).
و عنه(ع) ؛ [لا سُنّة أفضل من التحقيق], و جاء أيضا ؛ [ لا عمل كآلتحقيق](13).
و عنه(ع) ؛ [من طالت فكرته حسنت بصيرته](14).
و عنه (ع) ؛ [لا يحرز العلم إلا من يطيل درسه](15).

طبعا هناك تعاريف عديدة .. لكنني إستخلصت تلك التعاريف لتطابقه مع حقيقة الفكر الذي يؤدي إلى تكوين ثقافة ذاتيّة معينة بحسب مراجعها, تُجدّد و تُحدّد مسير الأنسان و سعادته بواسطة القوة الباطنية التي تدفع و تُحرك آلذّهن بإتّجاه كشف معلومات جديدة و بآلتالي التخلص من الجمود و الركود لإيجاد حضارة راقية تحدّد ملامح المدنيّة.
و يوعز سيجموند فرويد نشأة الحضارة التي هي نتاج الفكر .. ثمّ الخيال؛ بكونها :

[بدأت عندما قام رجل غاضب لأوّل مرّة بإلقاء كلمة بدلاً من حجر].

و [الثقافة هو ما يبقى في آلفكر بعد ما ينسى آلأنسان كلّ شيئ](16).

فآلفكر الواعي و التأمل و التدبر ألعميق يُولّد ألخيال ألّذي يؤدي إلى آلمعرفة ثمّ الأيمان بوجود خالق عظيم يستحق أكثر من مجرد الأيمان و هو العشق بتطبيق أوامره!

فإما ثقافة إجتماعيّة – إقتصادية – سياسية – تربوية ضمن منظومة أخلاقية كونية متحضرة على أساس الأيمان و الأدب بإتجاه بناء الأنسان داخلياً لدفعه و المجتمع نحو الخير و العمل الصالح لتحقيق العدالة و الرّفاه؟

أو ثقافة و دِين طقوسي~ – شكليّ مبتذل بإتجاه دفع الأنسان نحو الطمع و الشهوة و التسلط و آلرّذيلة, و كما هو حال الأنسان المعاصر الذي لا يستسيغ سوى الحرام و الجشع و الطمع و التكبر و النهب, بعكس المفاهيم العلوية التي كانت وحدها تمثل الثقافة الكونيّة.

لهذا نطلق صفة الفيلسوف الكونيّ و العارف و آلحكيم(17) – كآخر صفة للمسافر ألكوني – على المميّزين الذين يقتلون ذاتهم و يصمدون أمام المغريبات و يُشغلون أذهانهم على الدوام بمسائل فلسفيّة و حكميّة هامّة تُحدّد بآلنتيجة القوانين المدنية و التكنولوجية و الاقتصادية والسياسيّة والتربويّة والأجتماعيّة والحقوقيّة والقضائية وغيرها لتحقيق الوصال مع المعشوق.

و الجدير ذكره أنّ ألذي يُسرع و يُفعّل عمليّة التفكير ثم التخيّل ثمّ الأنتقال إلى مرحلة الأنتاج العلمي المفيد لتحقيق ألوصال؛ هي التقوى و الورع لأسباب كونيّة بحثها القرآن في منظومته العقائدية الأيمانية و الأخلاقية .. أهمها؛

إبعاد العقل عن الأصابة بآلأمراض و عن الأجواء العنيفة لتمكينه من السفر الكوني لأستحالة السفر حتى الأرضي للمريض الذي يعاني القهر و حفظ مقادير كبيرة من الذاكرة لتعبئتها بآلأشياء المفيدة التي تفيد و تنقذ البشر من محنتها و مما إبتليت به من آلشّر و الشهوات, بعد تحصين العقل من الصور و المناظر و الأحاديث و الأفلام الفاسدة التي لا تغني و لا تنفع سوى آلظواهر وآللذات ألطارئة ألتي سرعان ما تزول و تترك ورائها آلآلام و الحسرة و حساب عسير في الدارين.

لذلك أوجب الله تعالى التفكير على المؤمنين و بشّرَ المتقين لأنه تعالى سيُريهم آياته العظام في الآفاق و في أنفسهم(18)؛ يعني فيما يخصّ الأسرار الخفية في الأنسان و آفاق الوجود في حال تحقق الأيمان بآلله تعالى والسلامة من الأمراض و حلول و ترسيخ الرحمة فيما بينهم كشرط للسفر الكوني ألذي لا يناله إلا ذو حظ عظيم.

يقول الباري تعالى : [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ](19).

و بذلك يكون العكس هو آلصحيح تماماً.

و لعل تلك الآية التي طبقها قوم سلمان المحمدي بعد الثورة ألأسلامية بدقة و ذكاء و إخلاص ؛ هي السّبب في نصرهم و تخطيّهم و إختزالهم لقرون و مراحل عديدة تحققت خلالها نهضة أوربا؛ ليتمّ إخترالها بعقود قليلة ما جاوزت الأربعة عقود إستطاعوا خلالها تحقيق ما حقّقه الغرب كلّه بأربعة قرون كتخصيب الذّرة و التقدم في الفضاء و الصناعة و الزراعة و غيرها!

إن هذا النوع من الفكر ألمرتكز على القواعد العلويّة – الكونيّة أفقياً من شأنه تحقيق المعجزات أفقياً بسبب السّعة و القابليّة و الشمولية و الخيال اللامحدود و الخصب المنتج الذي يمنحه العقل(الفكر السليم) لا (الفكر المريض) لحامله , و و على باقي المسلمين ألأنتباه لمسالة هامّة و هي ألتفريق بين آلخيال الحقيقيّ ألذي منبعه ذلك الذي يتصف بالرّحمانيّة و الرّحيميّة و صفة التواضع و المحبة التي تدلّل على(الحقّ) و حامله و تؤدي إلى الوحدة و التآلف و المحبة بين الناس من جهة؛ و بين (الوهم) الذي منبعه وسوسة النفس و الشيطان ألرّجيم الذي يُريد زرع العداوة و الفرقة و الكراهية و الفتن و الغيبة لتحريف الناس عن عبادة الله لغيره من الآلهة, لهذا حين تشهد عائلة أو جماعة أو أمّة موحدة مسالمة متحابّة رحيمة أسعارها رخيصة تنبذ الغيبة و الكذب و النفاق و زرع العداوات؛ فإعلم بأنها من أهل الرّحمن يقودهم أولياء الله, و إذا رأيت العكس فإعلم بأنها من أهل الشيطان و يقودهم أعداء الله من الكفار و المنافقين, و هذا وضع معظم دول و مجتمعات العالم اليوم بقيادة حكومات و قيادات همّها الأول و الأخير سرقة الفقراء بكافة الأساليب و الوسائل الممكنة, و سنبيّن لكم الفرق بين [(الخيال الخصب) و بين (الوهم)] أو [ألخيال بين الحقيقة و الوهم] ألذي يصيب الكثير من الناس بسبب الأمراض العقلية و القلبية و الغيبة و الفتن و حب الدنيا بشكل جنوني في هذا الزمن!

ألخيال بين آلحقيقة و آلوهم :

يجب ألتّفريق بين (الحقائق) التي هي نتاج الخيال ألمبنيّ على الفكر ألكونيّ(20) ألمُتّصل بآلحقّ و بين (التّصورات) ألمبنيّة على الوهم, و السؤآل المطروح هو:
كيف نُفرّق بين الحقيقة والوهم في وجودنا و حياتنا؟
و هل كلّ ما نُعانيه الآن حقيقة أم وهم؟
و مدى تأثير الحقيقة و الوهم بالأحداث و مجريات حياتنا و عواقبنا؟

الكائن البشري حُشر بين (الحقيقة و الوهم) لحكمةٍ عميقة تتعلّق بمسألة القضاء و القدر و السُّنن الكونيّة التي يجهلها من جهة و بالتأمل و الأدراك و التّفكر و الخيال الذي أكدّ عليها النصوص و التي يجهلها أيضاً أو يجهل القسم الأعظم و الأهم منها, لأنّ الأنسان بدون آلخيال و التصورات الأيجابيّة و الأندماج مع نغمة الوجود ينشغل بنفسه و يملّ من الحياة و يتحول إلى كائن هجومي كقطة (جام) مكسورة يجرح كل من يصادفه و لا يقاوم الوجود و ضروب الحياة و محنها التي لا تُعَدّ و لا تحصى منذ الولادة و حتى الممات للتأثير فيها إيجابياً، ذلك أنّ الذهن يُقيم في العالم الذاتي للأفكار و المفاهيم التي تنعكس من الحواس, و إن إبداعه و تغيير أحواله يتم بفعل التفكر و الخيال، و الانسان يُوجد و يعيش فيزيائيّاً في عالم الواقع ألماديّ – الموضوعيّ الذي لا يُمكن فهمه كليّا و بعمق و بشكل مباشر إلا بآلتّفكر و التّصور من خلال العقل الباطن الذي تحدثنا عنه سابقاً.

و فهم الحياة و الوجود كونيّاً تتعقد أكثر بتفعيل و استعمال (العقل الباطن) و (المنطق ألكونيّ) ليس سهلاً معرفته وإتقانه لإرشاد الذّهن و قوى الروح الخمسة لإعمال نتاجه بعد معرفة الحقيقة و ماهيّة الواقع و سبل التقدم لتحقيق فلسفة الوجود و الحياة السعيدة .. إلا أنّ تحقق ذلك الفهم الكونيّ في نفس الوقت رغم صعوبته؛ لكنه السّبيل الوحيد للوصول و التوحد مع آلأصل و التناغم مع نغمة الوجود بدل التكثّر و الإنغلاق و العيش السلبي الذي يصيب الجّميع فيفقد قلبه و يموت وجدانه، لأنهما(أي العقل الباطن و المنطق الكونيّ) لا يكتفيان ولا يثقان كثيراً باللغة التي هي غير كافية لبيان حقيقة معنى الخلق و الوجود, أو وصف الواقع و الصّمت و التعبير عن الحقائق بشكل واضح و عميق, لذلك و بمجرد ترك فهم الحياة كونياً ؛ يتسبب عادّة مّا الى آلتيه و إلىأزمات و مفارقات و حيرة حتى يفقد الأنسان ألأختيار أو (الحرية) التي تمثل عمق الكرامة, و التي بدونها – أي بدون الأختيار – يستحيل تحقق الفناء بعد طي ألأسفار الكونيّة التي حدّدناها سابقا, راجع (ألأسفار الكونية السبعة) و (محنة الفكر الأنساني) و (فلسفة الفلسفة الكونية).

لا يوجد .. بل لا نحصل على جواب مُحدّد للسؤال عن ماهيّة الواقع, لأنهُ أساساً في حالة تغيير و توسّع و تبدّل (نانوي) و المادّة أساساً وُلدت من غير المادة .. بعبارة واضحة يمكن للمرء تعريف الواقع باعتباره كلّ ما موجود بصرف النظر عن امكانيّة او عدم امكانية ملاحظته وفهمه بدقة و كما هي من حيث وجود التغيير المستمر لطبيعة ألوجود و الذي فرض على بعض العلماء ألبحث لأيجاد معادلة كونية تضم أبعادا أخرى للقياسات و الأحجام كآلنظرية النسبية و نظرية (الكَوانتوم) و غيرها.

يمكن للفرد التمييز بين الواقع الظاهر و الواقع النهائيّ وكذلك بين الواقع الفيزيقي المستقل عن الانسان و الواقع الذهني المتشكل إنسانياً, الواقع الفيزيقي يُعرّف كتمدد في المكان، له صفات فيزيائية و يوجد بشكل مستقل عن المراقب .. اما الواقع الذهني يفتقر للتمدّد في المكان و يوجد فقط في ذهن الفرد و بشكل مستقل عن المراقب, ولكن اذا كان الافراد يفكرون بأشياء مثل الاشجار او الصخور او الجزيئات الذريّة او الموجات الكهربائية أو الفوتونات الضوئيّة، فان واقعهم يبدو للمراقب الانساني كتمثيل جزئي للواقع النهائي.

الحياة أحداث و قضايا تُسبّبها مجموعة مُؤثرات وعوامل قد تلتقي بعضها مع البعض لتُشكل صميم حياتنا و مصيرنا على أرض الواقع، و تلك الأحداث تشمل كلّ مجالات الحياة الإنسانيّة (الاجتماعيّة، والأسريّة، والعمليّة، والتطوعيّة) و حتى المخلوقات و الجمادات و الأكوان باعتبارها تتداخل بنسب معينة بحسب طاقتها و أهميتها مدى قرب أو بُعد تلك الموجودات و المخلوقات من تأثيرات تلك الحوادث, وهناك نوعان من الأحداث في الوجود: أحداث يتحكم بها الأنسان، وأحداث كونية خارجة عن إرادة الأنسان ويتم التحكم بها من خلال إنعكاسات العمل الجمعي و ليس إنسان واحد و تدخل ضمن السنن الإلهية و القضاء و القدر!

النوع الأول؛ هو الحدث الإنساني مثل التفاعلات التي حصلت بين سيدنا يوسف وإخوته، عندما حاولوا أن يمكروا به ليقتلوه بهدف الحصول على حُبّ أبيهم لهم، و لكنهم مكروا بالشر ليقتلوه، ثم يخفوا الحقيقة، و مكر الله بالخير ليكشف الحقيقة فإرادة الله فوق الجميع، فنجى يوسف، وجازى الله يوسف بالمُلك و الكرامة و العزة، والتمكين في الأرض باعتبارها نتيجة لأفعاله؛ هذه القصة تسمى حدثًا إنسانيًا و إن تداخلت لأستكماله بعض المكونات الطبيعية ، بدليل أن الله سماها في القرآن قصة أو حديثًا؛ أيّ حدث إنساني [لقد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ما كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَ لَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ](21), وفي قصة فرعون و موسى، يسمي الله أفعال فرعون و ثمود والعقاب الإلهي لهم بحدث إنساني؛ حصل لفرعون و ثمود وهذا واضح في قوله تعالى [هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ](22).

النوع الثانيّ هو الحدث الكونيّ الذي يحصل للمخلوقات الكونيّة مثل حركة الشمس و الأرض و أختلاف الفصول و الليل و النهار بتعاقبهما فيأتي هذا و يذهب الآخر بينما المكان واحد و هي حقائق تقع وليست وهماً، إنزال الماء من السماء باعتباره رزقًا لإحياء الأرض و الهزات الأرضية و الشهب و النيازك وغيرها، فكل هذه الأمثلة تسمى أحداثًا كونية تحصل يوميًا في الكون بأقدار و بقوانين خلقها الله، تضبط حركتها وعملها، وهذا واضح في قوله تعالى مخاطبًا جميع الإنسانية بأن اختلاف الليل والنهار ونزول الماء بأنها حدث، أي أحداث كونية يشارك فيها للإنسان بحسب دوره السلبي – المصلحي – الأناني بآلنسبة للأحداث الرهيبة التي تواجه المخلوقات, أما الخير فمن الله تعالى؛ [ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك](23), و قوله تعالى؛ [إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ](24).

فالإنسان العاديّ يحصل له يوميًا أحداث و إبتلاآت إنسانيّة في مجالات عديدة و مصيرية، مثلما حصلت للأنبياء و الأئمة و الصالحين, فهذا سيدنا نوح و إبراهيم و إسماعيل و يوسف و موسى و عيسى و محمد خاتمهم عليهم أفضل الصلاة و السلام قد حصل لهم الكثير من المحن لكنها لم ترتقى لما حدث للخاتم(ص) حتى قال:[ما أوذي نبيّ مثلما ما أوذيت]، وقد تحصل أحداث كونية للبعض كرؤية كسوف الشمس وخسوف القمر، و تعاقب الليل والنهار، ونزول المطر، و آلثلج وغيرها و شق القمر كما أنبئنا القرآن!

والسؤال هنا يعيد نفسه: أين تحصل تلك الأحداث الكونيّة والإنسانيّة بعضها في زمكاني واحد, هذا و يجب علينا متابعتها لمعرفة أسرارها و غاياتها بآلعقل و الفكر و الخيال؟ و كيفيّة معرفتها و تفعيلها في الواقع و الأستفادة منها في حياتنا العملية؟

و الأهم ؛ كيف نفرّق بين الحقيقة التي نشهدها بآلحواس في الواقع و بين الوهم .. و الحقيقة موجودة في الواقع و لها دلالات تبدأ من المُخيّلة و قد وصفها الباري بـ علم اليقين و مركزها الفكر ثم (عين اليقين) حين يراها بآلعين, و أخيراً حقّ اليقين حين يعيشها كواقع بجوارحه و من قرب و كما جاء وصفها في القرآن الكريم(25)، و الوهم موجود في تصورات العقل النظري و تصورات الناس عنك. كي لا تلتبس علينا الأمور في الحياة فآلعالم بزمانه لا تلتبس عليه الأمور!؟

و الحقيقة هي إنعكاس للواقع الذي نتلمسه بكل حوارحنا فحين يقال: [وقع الشيء وقوعًا فهو واقع, و مواقع الغيث: مكانسقوطه, و توقعت الشيء: أي انتظرته متى يقع](26) , فالنتيجة أن مكان سقوط و حصول الأحداث اليومية (الإنسانية والكونيّة) بما فيها الأكتشافات و الأختراعات و الصناعات المختلفة هو الواقع و ليس الخيال أو السراب أو الفراغ، ما يعني أنّ مكان وجود أفعالك كحقيقة هو الواقع، و ليس ما يصوره لك ظنونك فقط فيعتبر حينئذ وهم لا وجود له في الواقع ولا دليل عليه من العقل.

الحقيقة النهائية لا يمكن تعريفها بواسطة المفاهيم او الكلمات. انها ربما لاتتغير ولكن من الصعب وجود اي شيء في الكون بشكل دائم. لا ضمان هناك ببقاء حتى القوانين الفيزيائية مع تطور الكون. الحقيقة النهائية ربما لا وجود لها. كذلك، هي لا يمكن الوصول اليها، لانه من غير المؤكد مقدار الحقيقة التي هي غير معروفة كليا او لايمكن فهمها بواسطة العقل الانساني. الكائن الانساني الفرد يبرز في العالم في عصر ومكان محددين، ولديه حياة قصيرة نسبيا في ظل الموت واللاّيقين المستمر خلال هذا الوجود المحدود، على الفرد ان يتكيف مع العالم الخارجي في صراع لا ينتهي ضد المجهول. حدود الوجود، التفكير المتحيز، وحدود الفهم كلها تؤدي الى الاوهام والتي يمكن تصورها كحقيقة. هذه هي اوهام المعرفة والفهم، اوهام الايمان واليقين، اوهام الزمن والابدية، الحرية، الرغبة الحرة، ومعنى الحياة. الاوهام يمكن ايضا ان تبرز من تصورات لاتدعمها الحقائق. الاوهام توفر راحة وجودية لكنها يمكن ايضا ان تؤدي الى عدم الرغبة لرؤية الاشياء كما هي وبدون أوهام, لكي يعترف المرء بالطبيعة الاسطورية للواقع، هو يصارع للتمييز بين الاوهام والحقيقة. ولكن ليس واضحا دائما ما اذا كان المرء يصل الى فهم عميق للواقع ام انه فقط ينتقل من وهم الى آخر. يميل الانسان بمعرفة او بدونها، لتشويه او تحريف الواقع لكي يجعله اكثر قبولا. الذهن الانساني يتم ارشاده نحو الاوهام التي يمكن تكييفها لحاجات الانسان ورغباته. من الصعب القول اين ينتهي الواقع واين تبدأ الأوهام لأن الانتقال بينهما عادة غير واضح وملتبس. ان تصوّر الانسان للعالم يتشكل باللغة. ولكن كل من اللغة وفهم الواقع عبر شكل من اللغة هما محدودان من حيث الاساس. السؤال هو حول ما اذا كانت الكلمات تمثل الواقع، او مفهوم للواقع، او تمثيل مختزل للواقع، وما اذا كانت الكلمات واللغة تخلقان حقائق منفصلة؟

حدود التصور، التفسير، الادراك لا تسمح بفهم كامل للحقيقة. تصورات الانسان للعالم ومفاهيمه للتفسير لافكاك منها وغير قابلة للفصل. وهكذا ولمدى أبعد، تكون الحقيقة المتصورة قد نُسجت بشكل معقد مع اوهام الملاحظة وتفسيراتها. من الصعب اختزال وصف الحقيقة بحقيقة واحدة او بأقل عدد من العناصر الاساسية. الذهن الانساني منحصر بالدماغ الذي هو مليء بالمحددات والتي تمنعه من اتخاذ منظور منفصل. ليس للذهن اتصال مباشر بالواقع، القيود المفروضة على حواس الانسان والادوات التي يستعملها تسمح له بتصور جزء صغير فقط من الواقع. حتى تلك التي تُنسب الى الكون المُلاحظ والمتوفرة للحواس والوسائل العلمية يمكن ان تتشوه بالغربلة والتفكير المتحيز.

وهكذا، يكون الذهن الانساني مقيّد فيزيقياً و مفاهيميا بمحدداته و برمجته. و بالتالي، فان الحالة الفيزيقية والذهنية للكائن هي التي تقرّر ما يفكر به و طريقة تصوره وتفسيره للواقع, وبما ان دماغ الانسان يقتصر على عالم بثلاثة أبعاد، فان الذهن ايضا مقيد بهذه الظروف, التعلم الرياضي يوفر تمدداً الى ما وراء الحدود الطبيعية للتفكير. غير ان الذهن غير قادر على تصور الاشياء وراء حدود المنطق او التفكير الرياضي الى ما وراء الحدود المفاهيمية. حواس الانسان محدودة، انها تقرر حدود العالم الملاحظ. مع ذلك، فانه في وعي الحاضر، يبرز الوهم بان المرء يتصور العالم ككل بدلا من جزء منه.

ذكر الله تعالى في كتابه العزيز العديد من الأحداث التي تحصل في المستقبل، كآلموت و عالم القبر والبرزخ وعالم الآخرة، و لقد ذُكرت باعتبارها أنباءاً و وعودًا غيبيّة أنزلها الله عبر الوحي إلى النبي (ص)، ثمّ وضّح أنّ كل الأحداث والوعود الغيبية التي ذكرت في القرآن ستحصل في الواقع (سواء الحاضر المنظور، أو المستقبل القريب أو نهاية الأرض و السماوات) فيشاهدها و يسمعها الأحياء ويحسها الأموات بدليل ما قاله أصدق القائلين من خلال ألآيات القرآنية التالية:
[قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ, إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ, وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ](27).
وقوله بصراحة واضحة: [إنما توعدون لواقع] (28).

و لعلّ ما ورد في قضّية هزيمة الرّوم ثم إنتصارهم الثاني ثم هزيمتهم مرة أخرى في المستقبل على أيدي المؤمنين بحسب المؤشرات الدالة بعد إنتصار ثورة الأسلام؛ له المثال الواقعي الأبرز في قضية اتنبأ بآلمستقبل, فقد اخبرنا تعالى بهزيمة الروم على أيدي المسلمين قبل الهجرة في سورة الروم و هي مكية ما عدا آية 17 , بينما وقع الفتح ألأسلامي (هزيمة الروم) بعد أكثر من 10سنوات أي (13 هـ) بآلفعل(29), حيث جاء في سورة الروم قوله تعالى نصاً: [الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ](30).

بما أن الواقع هو مصداق حصول الأحداث (الكونية والإنسانية)، فالنتيجة أن مصداقية و صحة أي (قول؛ إدعاء؛ حلم؛ التزام؛ طموح؛ أمنية؛ تفسير أو تحليل؛ قرار؛ أحكام مسبقة؛ وعد؛ أحتمال؛ إعلان؛هدف، تأويل؛ اجتهاد فكري) هي حقائق تحصل في الواقع .. فإذا لم تحصل في الواقع، فهي مجرّد (وهم) يتوهمه الإنسان أو حتى المخلوقات الأخرى في عقولها بحسب مقدار دركها و ليست حقيقة بذاتها؛ أي أن الحقيقة هي ما يحصل في الواقع بدلالات و أفعال وجزاء و إنعكاسات مثل تخطيط و إنجاز شارع أو مشروع كبير أو مخطط بياني بعد ما تمّ تصوّره ثم تخيله ثم تخطيطه ثم تنفيذه على أرض الواقع.

أما الوهم فهو ما لا يحصل في الواقع مثل (تصور لحد ما يتحقق فعله؛ قول؛ ادعاء؛ حلم؛ التزام؛ طموح؛ أمنية؛ تفسير؛ قرار؛ أحكام مسبقة، وعد؛ كلمة؛ هدف؛ تأويل؛ اجتهاد فكري).

و إليكم مثالاً بسيطاً, فلو كان لديك حلم، موجود في العقل – ألباطن – طبعاً لأن العقل الظاهر لا يُمكنه صناعة الأحلام لإيمانه بمنطق الرياضيات و الحساب و الكتاب، فلو كنت تريد أن تكون رجل أعمال، و لم تكن قد أعددت خطة أوّلية و مقدمات على الأقل تتبعها أنشطة فعالة يومياً مع برنامج شامل و محكم و مكتب و مستشارين لتحويل ذلك الحلم ألمُتخيّل إلى واقع؛ فسيكون هذا الحلم فقط وهمًا (ألوهم يعني آلباطل في القرآن), و (الحقّ له مصداقيّة في آلواقع).

مثال آخر؛ لو كنت تعتقد بذاتك في العقل ألباطن الذي هو أقرب شيئ للذات يمكن إعتباره كتوأم له؛ لو كنت تعتقد بأنّ إعتقاد الناس عنك أنك كريم .. و لكن في الواقع عندما يأتيك يتيم سائلًا العون الماديّ تسخط في وجهه و ترفض، هذا يعني أنّ حقيقتك في الواقع بخيل، و تصورك عن نفسك مع تصورك عن تصور الناس عنك بكونك كريم مجرد وَهمْ؛ و هذا يؤكد أن مصداقية أي إعتقاد تتصوره لا بدّ أن يحصل في الواقع عمليًّا, أو له إنعكاسات عملية أو سلوكية, و بذلك يعني أنّ كل ما يحصل في الواقع هي الحقيقة .. و كل ما لم يحصل هو الوهم؛ أي أن الواقع هو مخزن مصداق حقائق الإنسان و حقائق و ذخيرة المجتمعات الإنسانية, و هذه القاعدة تنطبق على المجال التربوي و السلوكي و الأخلاقيّ لأنسان أو لمجتمع ما قد يتصف بأخلاق عالية أو متدنية في تعامله على المستوى العملي يتقدمها صدق الحديث و المعاملة.

فالفرق بين الحقيقة والوهم؛ أن الحقيقة تحصل في الواقع المادي أو السلوك، و الوهم لا يحدث في الواقع بل يدور في عقل و خيال الإنسان (من أحلام، و أماني، و تصورات ذاتية عن نفسه، وطموحات)؛ وهذا ما تؤكده الآية التالية:

[قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ, قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ, وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ, فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](31).

فهنا السحرة ألقوا عصيهم فتحولت لحيات، فعندما ألقى موسى عصاه إبتلعتها جميعا، فوصف الله هذه الحادثة بـ (وقع الحق) أيّ الحقيقة ألمتمثلة بعصا موسى التي إبتلعت عصيهم في الواقع و ليس في الخيال، لكنه تعالى وصف عمل السحرة (بالباطل)؛ أي (وهم) لم يحدث في الواقع، بل العقل خُيِّل لموسى و للناس أن عصيهم تحولت لحيات سحرت العيون الظاهرية المجردة, و في الحقيقة كانت تلك معجزة كونية أراها الله تعالى للناس, كي يستوطنوا على الحق المبين الواقع.

و أن آلسِّحر يكون حصرًا في العينين المجردتين و قد يُؤثر في روح الأنسان آلطيب لا الشرير، ولا يكون في الجسد المادي بدليل قوله تعالى : [قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ](32), و السّحر يصوّر للعقل ألظاهر أوهاماً فيتخيلها العقل حقيقة في الواقع فتراها العين، و الوهم هو زاهق و غير موجود أصلاً و أبداً في الواقع، بل موجود في العقل البشري كأحلام و تصورات، و أماني ذاتية عن نفسه، و طموحات، و لكن بمجرد تقييم الإنسان للواقع بآلتعمق فيه يجد الحقيقة فاقعة, بدليل قوله تعالى: [وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا](33).

بما أن حقائق الإنسان و المجتمع الإنسانيّ و ما يحيط به من أفلاك و مكوناتلها هي في الواقع؛ فالنتيجة :
أن الواقع يعتبر مصدراً لمعرفة حقائق الإنسان أو حقائق المجتمع أو الحقائق الكونية من خلال التحقق في آلأفعال الفردية و آلأفعال الجماعية، و هذا بدليل قوله تعالى؛ [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَ فِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ](34), أىّ أن الآيات الإلهية سيراها و يتحقق منها الإنسان عبر آفاق خياله و تصوراته التي تُبان في سلوكه و عمله ألذى سيظهر في البيئة و المحيط ألذي يعيش فيه.

طبيعة الحقيقة ببساطة و وضوح هي أنها إبتداءاً تتشكل كخيال في العقل ثمّ تترجم كأفعال في الواقع؛ و بالتالي تكون النتيجة أن حقيقة الفرد والمجتمع مكنونة و موجودة في الواقع، أما الوهم فيركبه العقل، فما تحسّ به و تعانيه الآن هو حقيقتك وهو ما تستحقه بسبب أفعالك التي تعملها، وما يعانيه المجتمع الآن هو حقيقته وهو ما يستحقونه باعتبارهم جماعة بسبب أفعالهم اليومية الجماعية؛ فالنتيجية حقيقية أحادية واحدة، وهي في الواقع قابلة للتغيير بتغير إرادة (الهدف والنية)، وفعل الإنسان (الأسباب التي يعرفها و يطبقها).

وهذا ينفي ما يفعله العامة من أفعال كثيرة تقودهم للفقر و المرض و إبتلائهم بآلحكومات الجائرة و الفساد، ثمّ ينسبون ذلك تارة لفساد الحكومة، و تارة لظروف المعيشة و البيئة أو لعوامل خارجيّة و تدخلات إقليمية، و تارة ينسبوها للقدر والجبروت الإلهي و القسمة، و تارة للشيطان و ضره، كأنهم يقولون إنهم لا يستحقون الواقع الحالي لأنهم أبرياء و طيبين ..

ولا يستحقون هذا الوباء أو ذاك و آلأمراض و آلفقر و الجهل و العنف و الإبتلاآت، و يعتبرونها وهماً، بينما يعتقدون بأن الحقّ هو أن يكونوا أغنياء وأصحاء و مرفهين, فآلذي يعتقد بأنه يستحق أن يكون غنياً مرفّهاً كتصور في عقله, إنّما ضلّ طريق الهداية و رضى على نفسه الأمارة بآلسوء التي فعلت أفعالًا تضيق الرّزق و تمنعه مثل ظلم الناس و قطع صلة الرحم و نكران الجميل و عدم القراءة و الأطلاع على الأقل على أحوال المسلمين و الناس، وعدم التفكير في إنشاء مشروع، أو البحث عن شركاء، والنوم على التوظيف و الراتب لكونه موظفً أو متقاعد أو ناهب مع الناهبين، فهذه أفعال تضيق الرزق بل و تقتل روح الأنسانية في وجود فاعليه، فتكون الحقيقة؛ المعاناة من ضيق في الرزق إلى أن تموت، بينما الوهم هو أن يتوسع رزقك بلا عمل.

أخيراً .. نصل إلى أستنتاج هامّ للغاية تُجسدّها المعادلة الحقيقية التالية:

سلوكك و أفعالك في الواقع + ما تُعانيه (خيراً أو شراً) = حقيقتك (الإستحقاق الحالي).
و الأبتلاء و المصائب التي تصيب ألمؤمنين فقط – و هم النوادر في هذه الدنيا – تكون لتطهيرهم أو إختبارهم أو إمتحانهم لزيادة رصيدهم في آلآخرة.

و بناءاً على الوعود الإلهية التي تحققت عبر التأريخ كقضية الروم و القضايا التي وقعت زمن النبي و بعده و قد ذكرنا بعضها؛ فإنّ وعد الله في غيرها كالآخرة واقع, بحسب آلآية القرآنيّة الصريحة: [إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ](35).

وقوله تعالى ؛[الم () أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ () وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ () أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ[ (36).

و وعده تعالى بقوله: [أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ () فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡكَرِيمِ () وَمَن يَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرۡهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ () وَ قُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَ ٱرۡحَمۡ وَ أَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ () ](37).

و هذا الوعد كما الوعود الأخرى حقائق ستقع بناءاً على ما تقدم.
و هذه الآية تحثّنا أيضاً على دراسة علّة الخلق و الوجود بدقة و تأن, ليكون برهاناً قاطعاً على وجود حقيقة الحقائق التي على أساسها وجد الوجود و الخلق و هي محبّة الله التي بها ننال سعادة الدنيا و الآخرة.

و إليكم أدلة أخرى على وقوع ما وعدنا به في المستقبل .. و بآلذات في عالم الآخرة:
[قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ](38), هنا تنص الآية على أن المجرمين يستعجلون بالعذاب، بينما العذاب ينزل على المجرمين إما نهارًا أو ليلًا كقانون طبيعي محدّد ضمن قوانين الكون، ثمّ يشير إلى أن مكان حصول ونزول العذاب هو في واقع المجرمين حيث يعيشون.
[إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ](39), هذه الآية ذكرت نصًا في القرآن ونزلت على رسول الله (ص) قبل 1400 عام، حيث أكّدَ الله فيها؛ على أن العذاب (واقع) أيّ أنهُ سيحصل في المستقبل بحق الكفار و المنافقين و كل من تعدى على حقوق الآخرين حيث لا شفاعة فيها مطلقاً و هي حقيقة واقعة, بعد سير الجّبال، و تشقق الأرض و تبدّل السموات تمهيداً للجزاء؛ وهذا يؤكد أن جميع الوعود الإلهية ستحصل في الواقع .. في المستقبل كما حصلت بعضها خلال القرون الماضية بعد النزول.
وقوله تعالى يؤكد ذلك ؛ [إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ](40), حيث ذكر الله تعالى أن الواقعة (أي يوم وقوع القيامة) سيحصل في الواقع، ثم أكد أن وعده بحصوله ليس كذبًا، و مصداقيته أنه عندما يقع سيخفض الذين كانوا من أهل الاستكبار و السيئات و الفساد في أدنى الدرجات في جهنم، و سيرفع الذين كانوا من أهل التوبة و الفقراء والإحسان والإصلاح في قوله ؛ (خافضة رافعة)؛ ففي الدّنيا ترى الملوك والرؤساء في أعلى الدرجات يفسدون في الأرض وحولهم حاشية تطبل لهم وتمدحهم و تؤيدهم (بآلروح ؛ بآلدم نفديك يا …)، بينما بوقوع الواقعة سينخفضون في أدنى الدرجات و يفرّ منهم حاشيتهم؛ يوم يفرّ المرء من أخيه و أمه و أبيه, لكن الشيطان هو ا لآخر يستهزأ بهم : [أنتم إستجبتم للباطل]و كما ورد في كثيرة.
الحقيقة موجودة في الواقع، بينما الوهم موجود في تصورات العقل النظري و تصورات الناس عنك.
أفعال الواقع هي حقيقة الإنسان و تُمثّل سلوكه و أخلاقه، أفعال المجتمع الجماعية هي حقائقه, و على أساسها يحاسب الله.
أفعالك في الواقع + ما تعانيه الآن (الجزاء الحالي) = حقيقتك (الاستحقاق الحالي).

وهكذا نصل الحقيقة التالية من خلال المؤشرات المعروضة؛ يكون الذهن الإنساني الكائن في (ألعقل الظاهر) مُقيّد فيزيائياً و مفاهيمياً بمحدداته و برمجته.

و بالتالي، فانّ الحالة الفيزيائيّة والذهنيّة للكائن(المخلوق) هي التي تُقرّر ما يُفكر به و طريقة تصوره و تفسيره للواقع, و بما ان دماغ الانسان(ألعقل الظاهر) يقتصر و يستند على عالم بثلاثة أبعاد؛ فإنّ الذهن أيضا مُقيّد بتلك الظروف, و التعلم الرياضي يُوفّر تمدّداً الى ما وراء الحدود الطبيعية للتفكير الذي يمكن أن يصل المدى الكونيّ فيما لو إستند إلى العقل الباطن, لان الذهن ألموجود في العقل الظاهر غير قادر على تصور الاشياء وراء حدود المنطق او التفكير الرياضي الى ما وراء الحدود المفاهيمية التي ترتبط بحواس الانسان ألمحدودة بإدارة العقل الظاهر، انها تقرر حدود العالم الملاحظ. مع ذلك، فانه في وعي الحاضر، يبرز الوهم بان المرء يتصور العالم ككل بدلا من جزء منه.

و يُمكننا القول أيضاً بناءاً على ذلك؛ أنّ (الحقائق) و الوحدة المستندة على الأدلة ألكونيّة من الله تعالى ألذي يزيدنا قوة و إلهاماً إلى قوانا في حال خلوص نياتنا و صدقنا مع أنفسنا لوجه الله, و (الأوهام) و التّكثّر و الخيلاء و التكبر و الفتنة و التفرقة من الشيطان و هي التي تسبّب ألركود الفكري, بينما الأيمان بآلحقّ يسبّب الإزدهار الحضاري و المدني و السعادة.
و سنبحث عوامل الرّكود الفكريّ في الفصل القادم لتجنّبها إن شاء الله.
بقلم: ألعارف ألحكيم عزيز حميد مجيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (مجلسي, محمد باقر), بحار الأنوار, مؤسسة الوفاء, لبنان – بيروت, ج68, ص319 ط1.
(2) سورة الحج/46.
(3) (النحل/44).
(4) غرر الحكم و درر ألكلم آمدي, شرح و ترجمة سيد هاشم رسولي محلاتي, دفتر نشر فرهنك إسلامي, مجلد2, ط2.
(5) نفس المصدر السابق, حديث 7955/9.
(6) نفس المصدر السابق, ص295, حديث 7997/51.
(7) نفس المصدر السابق, ص 293, حديث 7969/26.
(8) نفس المصدر السابق.
(9) المجلسي, بحار الأنوار, ج1, ص 60.
(10) غرر الحكم و درر الكلم آمدي, ص 254, حديث 3466/3.
(11) عن الأنجيل _ العهد الجديد.
(12) غرر الحكم و درر الكلم آمدي؛ ج1, ص 589, حديث 4630/41 ط2.
(13) نفس المصدر السابق؛ ج1, ص 283, حديث 2044/3.
(14) نفس المصدر السابق, ص 297, حديث 8013/67.
(15) نفس المصدر السابق, ص 358, حديث 2729/5.
(16) بحسب تعبير تايلور.
(17) ألقيمة آلكونيّة للأنسان في فلسفتنا هي: قارئ – مثقّف – كاتب – مُفكّر – فيلسوف – فيلسوف كوني – عارف حكيم.
(18) [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ …] سورة فصّلت/52.
(19) سورة الأعراف/ 96.
(20) راجع ؛ [فلسفة الفلسفة الكونية], و كذلك؛ [نظرية الفلسفة الكونية], و كذلك [محنة الفكر الأنساني], و غيرها
(21) (يوسف: 111).
(22) (البروج: 17-18).
(23) (النساء/79).
(24) (الجاثية: 3-6).
(25) كما أشرنا لذلك في الفصول السابقة بكون رؤية الدخان من مكان بعيد يدلل على وجود النار بحسب التحليل الوصفي للعقل, و حين نقترب أكثر من جهة الدخان, نرى النار التي تسبب الدخان بعيوننا و هنا يكون عين اليقين, و حين نلمس النار يتحقق حقّ اليقين و هي أعلى درجة مصداقية في الوجود.
(26) (معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، الجزء السادس، باب الواو، صفحة 133-134),
(27) (سورة ص/86).
(28) (المرسلات /7).
(29) وقعت المعركة في 28 ذي القعدة سنة 13 هـ, (23 يناير 634م)، و كان جيش المسلمين حوالي 32,000 مقابل حوالي 80,000 من الروم، وانتصر المسلمون نصراً كبيراً، وقال ابن الأثير عن المعركة؛ “فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ، فأصيب الروم وهم ثمانون ألفاً لم يفلت منهم إلا الشريد”.
(30) (سورة الروم/1-7).
(31) (سورة الأعراف: 115-118).
(32) (الأعراف: 116).
(33) (الإسراء: 81).
(34) (سورة فصلت: 53).
(35) (سورة القصص: 85).
(36) (سورة العنكبوت:1-4).
(37) (المؤمنون : 115 – 119).
(38) (سورة يونس: 50-51).
(39) (سورة الطور: 7).
(40) (سورة الواقعة: 1-3).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here