هل العرب مسلمون ؟

هل العرب مسلمون ؟ (*) بقلم د. رضا العطار

عندما جاء الاسلام الى العرب قبل اربعة عشر قرنا، كان العرب في اشد الحاجة اليه. ولولا خوفهم من ان الدين الجديد سوف يهدد امنهم ويقضي على تجارتهم، ويثور عليهم العبيد والمعذبون في الارض، وهو ما عبر عنه القرآن بقوله :

( وقالوا ان نتبع معك الهدى نتخطف من ارضنا ) القصص، لدخلوا في دين الله افواجا منذ اللحظة الاولى لظهور الاسلام، ولما بقي الرسول يدعوهم في مكة طيلة ثلاث عشرة سنة دون ان يستطيع ادخال اكثر من 150 مسلما فقط في الاسلام، وخاصة ان قبيلة قريش كانت هي المستفيدة الوحيدة من الاسلام – كما لم تستفد اية طائفة اخرى في التاريخ من ايديولوجية ارضية او سماوية. وهي التي عبّات خزائنها بفضل الغزو الديني المسلح بمال وفير لا حصر له، وامتلأت بيوتها وشوارعها وتجارتها بالعبيد والجواري والغلمان والسبايا، الذين بلغ عددهم اضعاف اضعاف ما كان عليه قبل الاسلام، وحكمت امبراطورية تمتد من الشرق الى الغرب طوال ستة قرون متوالية (632 – 1258) من ابي بكر الى اخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله.

ولكن قريشا والعرب من ورائها استفادوا من الاسلام حضاريا وثقافيا، رغم هذه المظاهر المادية التي استفادت منها قريش واستفاد منها العرب من بعدهم على وجه الخصوص، حيث لم يحكم الامبراطورية الاسلامية طوال ستة قرون غير حكام عرب مسلمين. علما بانها كانت امبراطورية اسلامية وليست عربية فقط. اي يحق لكل مسلم غير عربي ان يحكمها فيما لو كان صالحا للحكم، ولكن يبدو ان لا حاكم صالحا من غير قريش كان صالحا للحكم، وهو ما ينطبق الان على العالم العربي حيث لا حاكم صالحا غير ما هو ظاهر على الشاشة يحكم عشرات السنين دون نائب منظور، ثم يفاجئ القوم بان النائب كان في كُم الحاكم الساحر وهو الابن الشاطر.

دخلت الاسلام حضارات مزدهرة، لها عمرانها وادابها وفنونها و ثقافاتها وعلومها، وتشكلت فيما بعد ما يُعرف بالحضارة الاسلامية، وما كان الاسلام غير قشرة رقيقة ذهبية طُليت بها هذه الحضارة التي كانت قائمة قبل الاسلام، كالحضارة اليونانية والفارسية والهندية وغيرها، كما لم يكن الاسلام غير عنوان جديد لهذه الحضارات التي تخلّت عن اسمائها ورضيت بالامر الواقع الذي فرضته الظروف العسكرية المعروفة. وعاشت تحت اسم جديد وهو (الحضارة الاسلامية) التي قاد مسيرتها فيما بعد علماء واطباء ومفكرون وشعراء وفلاسفة ولغويون من غير العرب.

لقد انتفع العرب بالاسلام ورحبوا وتمسكوا به طيلة ستة قرون متوالية، لانه كان (الكنز) و (مفتاح الثراء) ومصدر السلطة في الحياة. فهو الذي مكّنهم من الجاه والمال – وكان عليهم ان يتشبثوا به، والا تشردوا في صحرائهم القاحلة وماتوا جوعا – حيث لا صناعة لهم تغنيهم، ولا زراعة لهم تطعمهم، ولا ثروة طبيعية في ارضهم تسعدهم، وليس لهم من مصدر رزق غير الجزية وغير ما يكسبونه في الغزوات من مال وارض ونساء وعبيد. وكان الاقتصاد الاسلامي يجري على هذا النحو، هو بحق (اقتصاد حرب) طيلة 600 سنة من حياة الامبراطورية الاسلامية. لذا. كان يتوجب على العرب طوال هذه الفترة الزمنية ان يكونوا تحت السلاح دائما، وفي حالة حرب دائمة وغزو مستمر. تاكيدا لقول الرسول : ( جُعل رزقي تحت ظل رمحي ) اي لا عيش ولا حياة الا للمحاربين !

وكان كل ذلك في ظل عدم وجود ايديولوجيات تتحداهم، ودون وجود قوى سياسية وعسكرية عظمى تتحدى الامبراطورية الاسلامية، تهددها وتنتزع منها السلطة والمال.

في العصر الحديث لم يعد الاسلام – كدين للعرب – قادرا على ان يُستخدم كسلاح لغزو الاخرين في ظل وجود ايديولوجيات ارضية جديدة وقوية – وفي ظل وجود قوى عظمى متفوقة على العرب ليس بالدين ولكن بالقوة العسكرية وبالعلم والصناعة والفكر والمعلومات والاعلام – الخ – – – كما ان العرب المسلمين لم يعودوا قادرين على تجهيز الجيوش لغزو الاخرين والاستيلاء على اراضيهم ونهب ثرواتهم وسبي نسائهم، وتعيين الولاة عليها بحجة نشر الدين، بل هم غير قادرين على استرجاع ما انتزع منهم من اراضي من قبل دول اسلامية كتركيا وايران، ومن قبل دول اوربية كاسبانيا واسرائيل.

وفي العصر الحديث هبطت مكانة العرب ليس بالشعارات والخطب فقط ولكن بالحقائق العلمية والتاريخية و الثقافية والاقتصادية والاجتماعية واصبحت قيمهم قيما غاباتية ليست انسانية ولا رحمانية، ولم يُصدق العرب وجههم القبيح في مرآة تقرير التنمية البشرية الصادر عن الامم المتحدة عام 2003 ليروا الارقام المفزعة عن مدى تخلفهم ! فرفضوا وانكروا واستكبروا وكابروا واتهموا معدي التقرير بانهم من عملاء المخابرات الامريكية.

منذ زمن طويل والعرب كانوا امة حاكمة غير محكومة، سيدة غير مسودة، غازية غير مغزية، مرسلة غير متلقية، هادية غير مهدية، قاضية غير متهمة، ظالمة غير مظلومة، ولها الصدر دون العالمين ام القبر- – ولكنها وجدت نفسها في العصر الحديث على عكس ذلك، وانها في الدرك الاسفل من حضارة الامم، ليس تحتها في قائمة العالم غير الصحراء الافريقية الجنوبية – – فما العمل لكي تحاول امة العرب ولو في الخيال والاحلام ان تعيد مجد الماضي وتصبح شغل الشاغل والسيف المهاب، قاطعة الرقاب ؟

عليها ان تخطف الاسلام اولا، وهو كل ما تملكه في دنياها، ثم تاسره بعيدا في جبال افغانستان وكهوفه، كما عملته حفنة من المفترين على الدين، حيث احالته الى موجات من العنف والارهاب باسم الاسلام العربي، لا يمثل العرب اكثر من 19 % من العالم الاسلامي – واسلام العرب الان هذا له فرسانه الملثمون الظاهرون على شاشات الفضائيات، وله فضائياته وصحفه وكتبه وفقهاؤه المعممون ذوو الوجوه الثلاثة : وجه للعرب ووجه للغرب ووجه ثالث للتراجع – وله فقهاء الفتاوى، فقهاء سفك الدماء وله اصوليون المقنعون بقناع الدين المخطوف والمزور. – – – فماذا يفعل باقي العرب من المسلمين وهم الاغلبية الصامتة لكي ينقذوا الاسلام مما هو فيه من محنة على يد الفقهاء السارقين له والمنتفعين به.

لكي تبقى الحقيقة ساطعة وهي ان العرب هم الارهابيون وليس الاسلام الذي لم يعرف الارهاب – – – فالمسلمون من غير العرب ليسو ارهابيين – فالاتراك ليسو ارهابيين وكذلك الباكستانيون والاندونيسيون والماليزيون والبنغلاديشيون وسائر مسلمي العالم – – وما يجري في هذه الدول من عمليات ارهابية ليس من قبل المسلمين الاسيويين ولكنه من فعل العرب المسلمين وباموالهم وتخطيطهم – – فتركيا لم تعرف الارهاب قبل ظهور (القاعدة) وانتشار العربان الافغان في العالم.

ان الجرائم الارهابية الفظيعة التي ارتكبت في بلدان متفرقة من العالم الاسلامي كانت من تدبير عرب مسلمين وليس من تدبير مسلمين من غير العرب – وان هذه البلاد التي ابتليت بالارهاب الدموي، لم تعرف الارهاب المتأسلم، قبل ان يخطف العرب الاسلام الصحيح ويكوّنوا التنظيمات السرية ويهربوا به الى كوهوف تورا بورا الافغانية وسراديب الفلوجة قرب بغداد .

لا يُغرّنك هذا العدد الكبير من المساجد في العالم العربي، ولا يغرنك هذا العدد الهائل من رجال الدين، ولا يغرنك هذه الملايين من المسلمين التي تملأ المساجد كل يوم جمعة ولا هذه الملايين التي تفد الى الحج كل عام. ولا يغرنك هذا العدد الكبير من كتب اجترار الدين الجديد والتي يتغرغر بها (المسلمون) دون تفكير او تأمل او تدبّر. – – لقد تحول الاسلام عند هؤلاء من قيم اخلاقية وعقل ودراية وتبصر وقبول ورضى بالفكر الاخر الى تعاويذ وسحر وشعوذة وفتاوي سياسية مدفوعة الثمن والى دين شعائر وطقوس، تؤدى كما تؤدى الالعاب الرياضية.كل صباح في مدارس الاطفال.

نحن نعلم ان محمد كان خاتم الانبياء والمرسلين وكان ذلك الختام ذا مغزى كبير، وهو ان البشرية قد شبت عن الطوق بعد ذلك وبلغت سن الرشد ولم تعد بحاجة الى انبياء، وانها بهذا الختام مدعوة لان تتولى امرها بنفسها، ولكننا اكتشفنا نحن العرب الان باننا ما زلنا قُصّر ولم نبلغ سن الرشد بعد، وباننا رُددنا الى ارذل العمر، وهو اما الشيخوخة او الطفولة، واننا بحاجة الى رحمة من الله لانقاذ دينه من سوء ما فعلنا به – – – فهل يبعث الله فينا محمدا من جديد لكي يحارب هذه الجاهلية التي نحن فيها كما حاربها من قبل ؟ – – – وهل يبعث الله فينا محمدا من جديد لكي يحارب اصنامنا الجديدة امثال ابن لادن والظواهري والقرضاوي والزرقاوي وغيرهم ؟

هل يبعث الله فينا من يجدد له دينه ويعيده من مختطفيه ومشوهيه ومن فقهائه المرتزقة، اصحاب الفتاوى التي تحرض على الارهاب – – – فيا محمد الهادي، انهض لتر ماذا فعل الفقهاء باسلامك – لقد شرّعوا ما لم يات به قرآنك، وقالوا ما لم تقله، وفعلوا ما لم تفعله، وجاءونا باسلام جديد هو اسلامهم وليس اسلامك. – – قم ايها الرسول لكي تخلصنا وتعيد هذا الدين الى دنيانا بعد ان سجنه الفقهاء في الماضي بين مكة والمدينة – – تعال لترى ماذا فعل رجال الدين باهل الكتاب في هذا الزمان، لترد هذا الدين من غربته ومن مختطفيه في الجبال والكهوف والسراديب وتعقد صلحا حضاريا جديدا بشجاعتك المعهودة مع (الكفار)، كما عقدت (صلح الحديبية) مع مشركي قريش من قبل – وسوف تسخر ممن يريدون رفع راية الاسلام فوق قصر برمنكهام في لندن وفوق البيت الابيض في واشنطن واقامة الخلافة الاسلامية هناك.

تعال ايها الحبيب وانظر ماذا فعل المسلمون باسلامك منذ ان رحلت عن دنيانا الى اليوم – لقد اصبحوا مسلمين بلا اسلامك، بل هم بدون اسلام ايا كان.

* مقتبس من كتاب اسئلة الحمقى لشاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here