نيجيرفان بارزاني رجل المرحلة الجديدة

جواد ملكشاهي
منذ انتصار انتفاضة الشعب الكوردي في جنوب كوردستان وتشكيل حكومة وبرلمان الأقليم في عام 1992،كان لرئيس الأقليم الحالي نيجيرفان بارزاني دوراً مهما في  أعداد وتنفيذ خطط متكاملة رئيسية ورسم خارطة عمرانية عصرية جديدة متعددة الجوانب لبناء ما دمرته الحروب وجرائم البعث المباد رغم حصارين مفروضين على الشعب الكوردي من قبل المجتمع الدولي والنظام السابق.
وكان لابد لأكمال مشروعه الطموح تشكيل فريق عمل حكومي منسجم رغم الصراعات السياسية التي كانت وماتزال تؤثر على تنفيذ خطط وبرامج الحكومة، لكن بحكمته وعقلانيته وايمانه بمشاركة جميع القوى السياسية في مشروعه البنيوي هيأة الاجواء اللازمة لوزراء جميع الاحزاب المشاركة في حكومته فرصة الأسهام في انجاز المشاريع وتمكن من اعمار البنى التحتية المدمرة وتوفير الخدمات العامة للمواطنين بفترة قياسية.
لست بصدد شخصنة الأنجازات وادعي ان السيد البارزاني وحده حول الاقليم من خربة الى واحة خضراء عصرية، الا ان من البديهي نجاح اي خطة او مشروع ستراتيجي ومتكامل يعتمد بالدرجة الاساس على مدى قدرة رأس الهرم على التخطيط وتوفير البيئة المناسبة للعمل ومتابعة مراحل التنفيذ من قبل الوزارات والاجهزة المعنية والعمل بروح وطنية وشعور عال بالمسؤولية تجاه شعبه.
وبشهادة الكثير من المختصين في مجال الأعمار والأقتصاد تمكن نيجيروان بارزاني وفريق عمله في الحكومة من تحقيق نجاحات باهرة في زمن قياسي في بناء المدن العصرية والمدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والجسور والمرافق الخدمية الاخرى وحول المدن الكبرى في اقليم كوردستان الى مدن تضاهي المدن الكبيرة في الدول المتطورة والمستقرة سياسيا واقتصاديا فضلا على العمل لحفظ الامن والاستقرار في الاقليم من خلال بناء علاقات سليمة مع بغداد ودول الجوار والعالم.
بعد اجراء الأستفتاء ومارافقه من احداث في المناطق المشمولة بالمادة 140 الدستورية وفرض عقوبات محلية واقليمية صارمة على اقليم كوردستان وحتى عزلة دولية كان لابد من ايجاد مخرج من تلك الازمة، فكانت مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون بدعوة رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني لزيارة باريس مطلع كانون الاول 2017  مفتاحاً لفك العزلة والعقوبات، اذ كانت تلك الزيارة بمثابة بدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية في اقليم كوردستان.
لم يمر شهر واحد على زيارة باريس قام رئيس حكومة اقليم كوردستان بزيارة للعاصمة الالمانية برلين بدعوة رسمية من الحكومة والتقى كبار المسؤولين فيها وعلى رأسهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل و وزيرا خارجيتها ودفاعها وتمركزت المباحثات على كيفية كسب الدعم الاوربي وفتح آفاق جديدة لرفع العقوبات المفروضة من قبل بغداد التي وضعت شرطين اساسيين لعودة العلاقات الثنائية وهما الاعلان عن لغو نتيجة الأستفتاء وتسليم المطارات والمنافذ الحدودية للحكومة الاتحادية.
في الحقيقة تمكن رئيس حكومة اقليم كوردستان من خلال الزيارتين والتعامل بحكمة وعقلانية مع الاوضاع الجديدة من فتح باب الحوار مع بغداد وحل العقد الرئيسة في العلاقات بين اربيل وبغداد من دون تنفيذ شرطي حكومة العبادي واعادة المياه الى مجاريها الطبيعية عدا استمرار قطع حصة الاقليم ورواتب الموظفين من الموازنة الاتحادية والتي تم حلها بشكل مؤقت مع حكومة عادل عبدالمهدي  وتوجت في شهر اذارمن العام الجاري 2021 بعد اتفاق الجانبين على صيغة جديدة بشأن تصدير النفط وحصة الاقليم من الموازنة وتصديقها من قبل مجلس النواب.
الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس اقليم كوردستان الى باريس في 29 آذار من العام الجاري بدعوة من الرئاسة الفرنسية كانت لها اهمية قصوى من حيث التوقيت وفحوى الحوارات التي جرت مع الجانب الفرنسي، ويبدوا من خلال التصريحات لوسائل الاعلام وبعض التسريبات ان الرئيس بارزاني اعد بالاستشارة مع الجانب الفرنسي مشروعا سياسيا لحلحلة المشاكل والعقد بين اربيل وبغداد من جهة وبين القوى الكوردستانية في الاقليم من جهة اخرى.
زيارة السيد رئيس اقليم كوردستان الى بغداد بعد فترة وجيزة من عودته من باريس ولقائه وحواراته مع الزعماءوالقادة السياسيين العراقيين اظهرت بشكل واضح ان الرئيس يحمل مشروعا سياسيا لأعادة بناء العلاقات مع الحكومة في بغداد والقوى السياسية العراقية بمختلف توجهاتها،حيث كما تناقلت وكالات الانباء كانت نتائج المباحثات ناجحة بجميع المقاييس وحققت الزيارة اهدافها.
قبل وصول اول وفد رفيع المستوى من الادارة الامريكية الجديدة الى اربيل بيوم واحد فقط قام رئيس الاقليم ببدأ جولة من المباحثات مع زعماء القوى الكوردستانية في الاقليم كما اعلن عنها مسبقا حيث كانت زيارته لمدينة السليمانية ولقائه وحواراته مع قادة الاحزاب والقوى السياسية ايجابية وطيبة، وتمكن من ترطيب الاجواء وخلق ارضية مناسبة لجولة جديدة مستقبلية من الحوارات لتوحيد البيت والخطاب الكورديين في ظل الظروف والمستجدات الحالية والمستقبلية في العراق والمنطقة.
من مجموع ماتم سرده يمكن استخلاص الآتي
-ان العراق امام مفترق طرق ومتغيرات جديدة بعد فشل الطبقة السياسية الحالية من تحقيق الامن والاستقرار في البلاد وحل المشاكل المستعصية بين المكونات و وتوفير حياة حرة كريمة للمواطن العراقي بعد 18 عاما من تغيير نظام حكم الحزب الواحد الدكتاتوري الى نظام سمي بالديمقراطي، وهذا مايستدعي قيادة الاقليم اعادة بناء علاقاته مع بغداد على اسس جديدة تنسجم مع الواقع الجديد كما اشار اليها السيد البارزاني في لقائه مع فضائية الشرقية في شهر رمضان المبارك عندما اكد ان اربيل وبغداد ارتكبتا اخطاءاً في الماضي اضرت بهما، ولابد من تصحيح المسار.
 ويعتقد المراقبون السياسيون ان الرئيس بارزاني سيقوم بجولة اقليمية لدول المنطقة ربما تشمل ايران والسعودية ايضا استكمالا لمساعيه على مستوى الأقليم والعراق وماالدعوة التي وجهها ولي عهد ابو ظبي ونائب القائد العام للقوات المسلحة محمد بن زايد آل نهيان الى الرئيس نجيرفان بارزاني في الثالث من ايار عبر قنصلها في اربيل لزيارة الامارات العربية المتحدة الا المحطة الاولى لجولته الأقليمية للتشاور مع زعمائها بشأن المتغيرات الجديدة في المنطقة.
مساع الرئيس نيجيرفان بارزاني لترتيب البيت الكوردي ولعب دوراً محوريا في العراق بعد الانتخابات المقبلة مؤشر واضح على ان رئيس الاقليم بصدد قيادة المرحلة الجديدة على مستوى الاقليم والعراق.

 

في الثلاثاء، ٢٧ نيسان، ٢٠٢١ ١٢:١٢ م Jawad Kadem <[email protected]> كتب:

 

مساعي التقارب بين طهران والرياض،ارادة حقيقية ام واقع حال؟

جواد ملكشاهي

لايختلف اثنان بأن العداء العربي الفارسي ذات الجذور الطائفية يمتد لقرون عديدة ،وبالتحديد منذ فتح ايران الساسانية الذي بدأ في عهد الخليفة ابي بكر الصديق(رض) حيث تم فتح بلاد فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في السنة 21 للهجرة، والصراع السعودي الايراني هو جزء من ذلك الصراع الطائفي الذي يمتد الى فترات طويلة وقد اتسم هذا الصراع بالمد والجزرفي فترات مختلفة.

 بعد تغيير النظام في ايران في عام 1979 اشتدت وتيرة الخلافات بين العالم العربي وطهران وبالاخص مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية التي ترى نفسها راعية لمصالح الدول الخليجية او بالاحرى قائدها، لذلك منذ قيام الجمهورية الاسلامية ولحد اليوم الخلافات السعودية الايرانية على اوجها،حيث اعلنت الدولتان الحرب بالنيابة من خلال اذرعهما في المنطقة التي تمثلها الاحزاب والقوى التي تدور في الفلكين الايراني والخليجي.

وقامت ايران منذ الاشهر الاولى من انتصار ثورتها بدعم الاحزاب والجماعات الشيعية وحتى السنية المناهضة لدول الخليج وبالمقابل قامت الدول الخليجية وعلى راسها الرياض دعم قوى المعارضة الايرانية في الداخل فضلا على تشكيل تنظيمات اسلامية سنية في معظم الدول العربية والاسلامية لأحتواء المد الايراني التي رفع شعار تصدير الثورة.

ومنذ اندلاع الحرب العراقية الايرانية في بداية ثمانينات القرن الماضي  ومن ثم احتلال الكويت من قبل نظام صدام في اب اغسطس1990 ومن ثم نهاية حقبة البعث في العراق اشتد الصراع بين الدولتين وبالاخص بعد الحرب الاهلية في اليمن والعراق وسوريا جراء التدخل الايراني والسعودي ودعم القوى الموالية لها في تلك الدول التي ادت الى سقوط مئات الالاف من الضحايا فضلا على خسائر مادية كبيرة  وتدميرعلى الاقل اربع دول في المنطقة وهي العراق وسوريا واليمن ولبنان.

 

وخلال السنوات الثماني عشر التي مضت على سقوط نظام البعث في العراق على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة اشتد الصراع والحرب بالنيابة بين الرياض وطهران في معظم مناطق نفوذ الدولتين وبالاخص في العراق ولبنان واليمن وسوريا التي اتخدت طابعا دمويا وتمكنت طهران من فرض هيمنتها على العراق واليمن بشكل كامل والحفاظ على نظام البعث في سوريا وتقويض التواجد والدور السعودي في العراق واليمن وسوريا.

الهجمات الاخيرة للحوثيين على المنشآة النفطية والمصانع الحيوية السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة الأيرانية ارغمت السعودية على اعادة النظر في حساباتها والسعي لأيجاد نوع من التفاهم على الاقل للحفاظ على ماء وجهها بسبب خسارتها في الأقتتال الداخلي في كل من سوريا واليمن.

وفي المقابل العقوبات الأقتصادية الخانقة التي فرضتها الولايات المتحدة وحليفاتها ضد ايران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 والتي شلت الأقتصاد الايراني بالكامل فضلا على تهاوي عملتها المحلية امام العملات الاجنبية وبالاخص الدولار الامريكي وتأخر طهران عن ركب التطور التكنولوجي العالمي وتفاقم الازمة الداخلية فيها ارغمت طهران على البحث عن مخرج على الاقل في الحرب بالنيابة التي تكلفها مليارات الدولارات.

اما بالنسبة لأقليم كوردستان وتأثيراته على مجمل الاوضاع في المنطقة وبالاخص ايران وتركيا والعراق ومحاولة ايران لفتح معبراً ستراتيجياً فيه للوصول الى سوريا ولبنان ودور وتأثير اربيل المستقبلي على مشروع طريق الحرير الذي تعمل الصين جاهدة لأحيائه والذي يمر من اراض الاقليم نحو تركيا ومنها الى اروبا ،يشكل اهمية قصوى لجميع دول المنطقة وبالاخص ايران، لذلك تسعى كل من ايران والسعودية الى ايجاد علاقات متوازنة مع اربيل.

 الموضوع الاخر الذي يهم البلدين في العراق هو مساعي بعض الاقطاب السنية الى انشاء الاقليم السني الذي يقلق ايران بسبب تداعياته على وضعها الداخلي واوضاع الدول التي تتصارع فيها مع الرياض، السعودية والامارات وقطر تدعم وبقوة مشروع انشاء الاقليم السني في المرحلة المقبلة، بغية تقويض الدور الايراني في المحافظات السنية من خلال ابعاد الحشد الشعبي منها فضلا على اهمية تلك المحافظات بالنسبة لأيران لأستخدامها منفذاً الى كل من سوريا ولبنان لدعم القوى الموالية لها والحفاظ على توازن القوى فيها.

 

 

 

الزيارة الحالية التي يقوم بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى كل بغداد واربيل وبالاخص لقائه امس مع خميس الخنجر القطب السني الأكثر تأثيراً في العراق نظرا لعلاقاته الوطيدة مع الرياض ومعظم الدول الخليجية يشير الى ان كل من طهران والرياض يسعيان  الى التقارب بينهما والتفاهم على مناطق الصراع والنفوذ في المنطقة لأعادة ترتيب اوراقهما.

نستخلص من كل تلك المعطيات أن طهران والرياض ليست لديهما ارادة حقيقية لأنهاء الصراع بينهما لكنهما مرغمتان في هذه المرحلة الى التقارب والتفاهم على مناطق النفوذ والحفاظ على توازن القوى والاستعداد لمرحلة اخرى ربما ستشكل استقراراً نسبياً في المنطقة لكنها لن تكون نهاية للصراع بينهما.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here