مراحل النضوج لدى الانسان !

مراحل النضوج لدى الانسان ! * د. رضا العطار

قد يعني النضج في اللغة، الاستواء وبلوغ حد الكمال من النمو : تقول انضج الرأي اي احكمه صاحبه، ونضجت الفاكهة اي استوت وطابت. والنضج في علم النفس عملية ارتقائية تصاحب النمو الذي يكون على اطوار يمر بها كل كائن حي فتتغير بها ابنيته الجسمية ووظائفها، ويشمل التغير الكائن الحي كله من كافة نواحيه الفسيولوجية والعصبية والادراكية والنفسية والجنسية.

ومعنى قولنا ان النضج عملية تنامي ارتقائي في التغيرات التي يستحدثها النمو ترتبط ارتباطا منتظما بالمراحل الزمنية التي يعبرها الكائن الحي، ابتداء من تخلقه وانتهاء بوفاته، وانها تغيرات تناسب هذه المراحل وبها تتغير انماط سلوكه فيسلك بالطريقة التي يتكيف بها مع هذه التغييرات والتي بها يتوافق معها ومع بيئته وعندئذ نقول ان هذا الكائن قد نضج للمرحلة.

فالطفل مثلا لا يتعلم المشي الاّ اذا صار له الاستعداد البنيوي للمشي ولا يستطيع ان يتعلم الكلام الا اذا نضج جهاز الكلام عنده واصبح مستعدا لان يتدرب على الكلام ويمارسه. فكأن التعلم يلحق النضج. ومن مظاهر النضج ان التعلم يجدي معه وتكون له نتيجة ايجابية ومثلما يعني النضج تحسنا وتقدما في كل مرحلة من العمر عن المرحلة السابقة فانه يعني ايضا النكوص والتنكس.

ففي الانسان مثلا يكون الارتقاء من الطفولة الى الصبا الى الفتوة الى الشباب الى الرجولة وكلها مراحل فيها التقدم ، الا ان خاتمة هذه المراحل هي الشيخوخة وفيها يبلغ الانسان حد النضج لها اذا تهيأت لبنيته الجسمية ووظائفها وحالته النفسية والعقلية لهذه المرحلة ومتطلباتها. فاذا لم يستحدث هذا التهيؤ والاستعداد في اية مرحلة من العمر فان ذلك من شأنه ان يؤخر النضج واحيانا قد يبكر النضج بمعنى ان يكون العمر الزمني للفرد اقل مما عليه حالته الجسمية والنفسية والعقلية.

والنضج المبكر حالة من الحالات غير المألوفة والتي قد نلاحظ الفرق فيها بين النمو الجسمي والعمر الزمني. ومن دأب الناضج نضوجا مبكرا ان يسلك كالكبار وينمو الى التفكير وتكون له اهتمامات تجريدية وقد يتجه اتجاهات دينية.

وهناك حالات اسثنائية من النضج المبكر، كأن تظهر لدى الفتيات بوادر الحيض ويحملن ايضا في هذه السن.

ورغم ان النضج الجنسي يتأخر في النوع الانساني حتى الثامنة عشرة الا ان البلوغ الجنسي يكون في نحو الثانية عشرة. ومع ذلك فان الشاب او الفتاة لا يتهيا للنضج الاجتماعي الا في نحو الواحد والعشرين وفي بعض المجتمعات لا يكون النضج الاجتماعي الا في الرابعة والعشرين وفي بعضها يؤخر هذا السن الى الثامنة والعشرين. وهي السن التي ينضج فيها الشاب او الشابة جنسيا ويتحول اهتمامه من الجنس كنشاط لذيذ الى الجنس كنشاط الى هدف تناسلي ويقصد به الانجاب ويكون عن طريق الزواج وتكوين الاسرة، وذلك يقتضي الشاب او الشابة ان يستقل بامر نفسه عن ابويه وتكون له مهنته التي يتكسب منها ويعول بها اسرته. واحيانا قد يتعسف سن النضج الاجتماعي في سن الثامنة عشرة التي حددتها الحكومات كسن مؤهلة للزواج.

وارتباط النضج بالتعلم يؤكد ان التدريب على المهارات قبل السن المناسب لا يفيد الطفل.

وهناك من الشواهد ما يثبت ان التعلم في حينه هو التعلم المجدي. وياتي في السن الذي ينضج فيها الطفل بدنيا ونفسيا وعقليا للدرجة التي تكون فيها مستعدا لتطبيق ما تعلمه.

ومع النضوج للتعلم تقل مدة التمرين اللازمة لاتيان السلوك. ولا يؤدي التمرين المبكر قبل اكتمال الاستعداد له الى اي تحسن في التعلم، كما ان التمرين الذي يمارس في حينه يقبل عليه الطفل وياتيه عن طواعية في حين انه يعزف عن اي تمرين في غير وقته.

واذا اجبر عليه فانه قد يتسبب عنده في صراعات نفسية مبكرة ويستحدث الاحباط والشعور المبكر بالفشل.

هناك تجربة مشهورة للباحث – جيزل – عن التوائم المتحدة. حيث قد بكر في تعليم احدى البنات صعود السلم في عمر 46 اسبوعا ولمدة 6 اسابيع. وبعد اسبوع آخر بدأ في تعليم اختها التوأم لمدة اسبوعين فاستطاعت ان تلحق بأختها في هذه المدة البسيطة وتفوقت عليها ، وذلك لسبب واحد هو ان تمرينها جاء في الوقت المناسب عندما استعدت له وكانت به انضج من أختها.

* مقتبس من كتاب الموسوعة النفسية لعبد المنعم الحنفي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here