إنسان الغاب وإنسان الحضارة

إنسان الغاب وإنسان الحضارة : بقلم ( كامل سلمان )

إذا شبع ينتقم وإذا جاع تسمع صريخه وإذا مرض يطالب الناس بالدعاء له ، فرحته إيذاء للآخرين وحزنه بلاء على الآخرين ، مر في المصاحبة ، يحسد الناس ويتمنى لهم البؤس ، يحب الشر ويكره الخير ، تواق للفتنة ، اينما يحل تحل معه المشاكل ، سريع الغضب ، عديم الرضا ، كثير التشكي وكثير الطعن بالناس ، لا يسلم من لسانه أحد ، متواضع للأقوياء وشديد البأس على الضعفاء ، متعجرف أناني ، مغرور ، كاذب وكذاب ، مستأنس بنفسه ، مغال في كلامه ، بخيل ، عنيد ، أحمق ، هو الشيطان وليس بشيطان ، لا أدري كيف حملته ووضعته أمه ، إذا أحصينا كل هذه الصفات في انسان فسيكون إنسان نادر ، للأسف هذا النادر أصبح اليوم متوفر وبكثرة وكل يوم يتكاثر وأصبح هذا النوع من البشر يزداد الطلب عليه خاصة من أصحاب النفوذ والقوة لإنهم بهذه النماذج تستقيم لهم الأمور وتتناثر عليهم الأموال والنقود ويستمر لهم البقاء ، هؤلاء البشر كانوا لهم مثيل بدائي في التأريخ ، فقصة الحجاج ابن يوسف الثقفي والي العراق في زمن الدولة الأموية تبين لنا جانب منها ، يقال في احد الايام خرج الحجاج للصيد في قلب الصحراء فوجد خيمة لمفردها فقال لرجاله ابتعدوا عني لأرى قصة هذه الخيمة فتنكر ودخل عليها ، وجد رجلا لوحده يسكن الخيمة فسأله الحجاج عن قصته وسبب وحدانيته في هذه الخيمة المعزولة عن الناس وعن الديرة ، فأجاب الرجل لقد هربت من ظلم الحجاج وزبانيته ، فدار حديث طويل بينهما كان الرجل يشرح فيها للحجاج المتنكر مساوىء الحجاج وسوء ادارته لكل شيء معتمدا على قوة وشراسة جنوده ، ولما طال الحديث دخل حماية الحجاج المسلحون الى الخيمة عندها نظر الرجل الى عيون المتنكر فأدرك إنه الحجاج والي العراق وهؤلاء هم جنوده ، فسكت قليلا ثم همس في أذن الحجاج قائلا مولاي أسألك بالله ان لا تخبر هؤلاء الرجال بما قلت لك ، ، ، هؤلاء الناس الذين أستخدمهم الحجاج ويستخدمهم اليوم أصحاب النفوذ والقوة ليسوا بنبات بري ظهرت للوجود بالصدفة بل نسخة مطورة من انسان الغاب ذوات الصفات المذكورة بداية تم تدجينهم بسهر الليالي والكلام الناعم ، فالنسخة الواحدة ممكن استنساخ العشرات منها بصور ثلاثية الابعاد وطبق للأصل وحسب الطلب ويتم تطعيمها بما لا يخطر على بال أحد من مواصفات اضافية قذرة لتنطلق كالكلاب السائبة تنهش من يعترض سبيلها دون رحمة ، فهم رهان غير خاسر وان اية مواجهة او تحدي لهؤلاء انما هو ضرب من الجنون خاصة إذا كان من يتورط بالمواجهة ويتحدى أعزل لا حيلة له ، فسرعان ما يصبح لقمة سائغة بين انياب تلك الكلاب المتوحشة ، هذا هو الواقع وعندما نتحدث بالواقع لا نقصد ثبط العزيمة لمن سعى بالمطالبة بحقوقه المنهوبة انما نحاول ان نكون في تمام الوضوح مع أنفسنا بعيدين عن كل هيجان عاطفي او تصرف غير محسوب كي نجنب أنفسنا والآخرين الفوضى والانهزام مع ضياع الحقوق ، اليوم علينا ان نعترف بإن العقول الشريرة تفوقت بشكل كبير وملفت للنظر على العقول الخيرة في أماكن كثيرة من الأرض فنجد في كل مساحة من الأرض أصحاب النفوذ لا ينافسهم فيه أحد بفضل النماذج البشرية الممسوخة المستنسخة ، فهل من الحكمة ان يلقي الإنسان بنفسه بالتهلكة لمجرد اندفاع عاطفي وبتحريض ممن يسترخص دماء الآخرين ، نحن لا نعطي الحق للظالم ولا نبرر له سوء أفعاله ولا يصح ان نسمح له فعل ما يشاء بأرواح الناس وخيراتهم ولا نسمح للفساد ان يتسيد حياتنا فهؤلاء يجب إزاحتهم ولكن ليس بنفس الأسلوب الدموي الذي اعتادت المجتمعات اتباعها في السابق ، فهؤلاء قد أوجدوا الحلول لمثل هكذا تحركات مجتمعية وعرفوا كيف ومتى واين يتعاملون معها مع وجود جيوش من المطبلين والمهللين اعلاميا الممسوخة عقولهم ، قد تكون هذه حقيقة مؤلمة لكن إدراك الحقيقة وفهمها تدفع بالإنسان العاقل المتحضر المظلوم المحروم الى الأبداع في الأساليب لأجل التغيير ، هذا الجيل الذي ولد في زمان أعمى يفهم الأمور مجرد تحدي دون النظر الى عواقب الأمور وهذا سلوك لا يمكن قبوله لإن النتيجة ستكون خاسرة مؤلمة . من الحكمة ان نقف على مسافة من الخطر وان الصرخة التي تنطلق من الحناجر المظلومة المسلوبة حقها ستخترق مسامع العدو والصديق ، فمن يصرخ من شدة الظلم والفساد ستكون صرخته مدوية ينتقل صداها الى كل مكان ، فالسكوت عن الظلم جريمة وتحدي ادوات الظلم بالأسلوب التقليدي خطأ كبير ، لقد كان للمهاتما غاندي زعيم الهند الراحل اسلوب مبتدع في التغيير دون إراقة الدماء وكذلك كان للشعب المصري اسلوبه الخاص المبتدع والشعب السوداني وغيرهم كل يأتي بالجديد وينتصر ، فلا أنتصار بلا أسلوب جديد مبتدع فعقول الحجاج الثقفي وأمثاله ثابته ومتحجرة وغير قابلة للتجديد ، والتغلب عليها يحتاج الى ابداع في الأسلوب وعندنا من المبدعين ما يحسدنا الناس عليهم وعندنا من المثقفين مالا يعد ويحصى فلماذا نعيد الأخطاء نفسها وبنفس الطريقة المجربة الفاشلة ، اذا لم تكن لنا طريقتنا في العيش وفي التغيير فلا خير يرجى من إنسان عاجز متكاسل غير مبدع ، وليعلم الجميع انه لا تغيير على أرض الواقع إذا كانت الأفكار هي ذاتها التي سببت كل هذه الالام وهي نفسها في عقول من ينشد التغيير . فحياة الإنسان أغلى من كل شيء وعقل الإنسان لم يستسلم بعد ولم يعجز عن الآتيان بما هو جديد امام من تحجرت ادمغتهم ، الكلمة هي واحدة من ادوات المواجهة ، الكلمة الصادقة الحريصة الواعية هي تسونامي يمكن ان تدمر ما يعرشه الظالمون وخاصة اذا كانت هذه الكلمة تحمل هموم ومعاناة الناس بمصداقية كبيرة فإنها تنفذ الى دواخل الناس وتهزهم من الأعماق وستنقاد لها العقول والضمائر ، فعقول وضمائر الناس هي اساس التغيير فإن تغيرت تغيير كل شيء. إذا السر كل السر بالإمكانات والقدرات التي يتحلى بها أصحاب الكلمة المسلوبة حقها ، فهل نستطيع ان نرقى بأنفسنا الى مستوى المهمة ام سنبقى اسارى للانفعالات وردود الافعال فنكون ممن أثبت للأجيال القادمة بإن إنسان الحضارة أعجز من ان يواجه إنسان الغاب عكس ما فعل انسان الحضارات في مجتمعات اخرى ولسنا أقل منهم شأنا من معجزات في التغيير .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here