صورة العرب في الثقافية الاجنبية !

صورة العرب في الثقافية الاجنبية ! (*) د. رضا العطار

اصبحت صورة العرب، خاصة بعد كارثة 11/ 9 / 2001 معروفة في المرآة الغربية، فهي صورة الارهابي الحاقد الكاره للغرب، والذي يريد تدمير الحضارة الغربية، وفرض الاسلام على العالم بحد السيف. وقد استعمل الغرب عموما كثيرا من مقولات وخطب ابن لادن زعيم تنظيم (القاعدة).

وهذه الصورة السوداء للعربي ليست جديدة، انما هي قديمة، وذلك بسبب العداء القديم بين العرب واوربا. فدولة العرب والمسلمين كانت ايام الامويين والعباسيين والعثمانيين هي الدولة الوحيدة التي استطاعت ان تتحدى اوربا في عقر دارها – – فسلاطين المسلمين دكوا اسوار فيينا حتى وصلوا الى سويسرا، وقطعوا طريق حج المسيحيين الى روما – – اما الجامعات العربية في الاندلس فكانت قبلة الامراء والنبلاء والاغنياء من كافة المقاطعات الاوربية، يتباهون انهم يعالجون انفسهم تحت اشراف الاطباء الجراحين العرب في قرطبة. وكذلك كانت هذه الجامعات مأوى الطلبة الاوربيين للدراسة، ومن جامعة طليطلة الاسلامية تخرج البابا سلفستر.

لقد كان العرب في القرون الوسطى يقفون من اوربا موقف الغرب منا اليوم. كما ان الاوربيين كانوا يقفون كما نقف نحن اليوم منهم. فاوربا ليس فيها ما يستحق الذكر – ولذلك فان صورة العربي في الادب والكتابات الغربية والاوربية صورة مشوهة بسبب العداء القديم في القرون الوسطى، حتى ان شكسبير عندما كتب عطيل المغربي جعله مثالا للعواطف المريضة – – تلك كانت صورة العربي في المرآة الغربية قديما.

اما صورة العربي في المرآة الغربية الحديثة تتوضح في الكتب المدرسية الفرنسية التي تسيئ الى العرب من خلال الاسلام وشخصية الرسول عليه السلام – انها محشوة بمعلومات غير صحيحة منها انها تصف شخصية النبي محمد كمحارب وليس كرجل سلام. اما الشريعة فانها تنظر اليها كقانون جاهلي قديم – وتقدم المناهج المدرسية آيات قرآنية محرفة – وتعرّف الجهاد بشكل خاطئ على انه (الحرب المقدسة) وهو الاصطلاح الذي درج المسيحيون على استخدامه ايام الحروب الصليبية.

اما اذا امعنا النظر في الكتاب المدرسي الايطالي فسوف نجد المغالطات التاريخية نفسها وسوف نجد كذلك تشويه صورة العربي عن طريق الفهم الخاطئ للاسلام ولرسالته السمحاء. حيث تؤكد ان الاسلام ينشر بالقوة، فالعرب احتلوا الاماكن التي عاش فيها السيد المسيح وكذلك احتلوا الاماكن المقدسة للمسيحيين.

ولا تختلف صورة العربي في المناهج الدراسية البريطانية عن غيرها من الدول الغربية حيث انها تربط العربي بالتخلف والانهزام وانهم غير مهيئين للنجاح والانتصار الى غير ذلك من الصور السلبية.

ورغم ان ايران دولة مسلمة، فهذا لم يمنع بعض كتابها الشوفينيين من تصوير الشخصية العربية بشكل سلبي مثل ( الاسود الحافي، بدائي همجي، آكل السحالي، الكاره للاخرين)

وهذه كلها ليست جديدة على المخيال الايراني (فالشهنامة)، ملحمة الفردوسي الشهيرة التي تنتهي صفحاتها بقدوم العرب المسلمين والقضاء على حضارة فارس الساسانية واحتلالها، تصور العرب بانهم غجر. واقل مدنية من الفرس. – – وكذلك يصف الرحالة ناصر خسرو العرب في كتاب (سفر نامة)، وهو عمل ادبي كلاسيكي ظهر في القرن الحادي عشر، على ان العرب (همج).

لقد استعرت نيران الشعوبية الشعواء في زمن العباسيين بين الزنادقة والمجوس الفرس وبين العرب المسلمين، يتهجمون على دينهم، ويشيدون بالحضارة الفارسية مستحقرين حضارة العرب. يصفونهم وكأنهم لا يزالون في زمن الجاهلية، بدوا، رعاة ابل. ياكلون خشن الطعام، فاين هم من ملوك الاكاسرة ومن مدنيتهم في العلم والفن والادب – – الخ

(هذا ما يذكره شوقي ضيف في العصر العباس)

في بداية التسعينيات من القرن الماضي وانا في واشنطن، تلقيت من ادارة مستشفى العراقيين المهجرين في طهران دعوة لادارة قسم العيادة الخارجية لامراض العيون فيها، فعندما وصلت العاصمة الايرانية وجدت المستشفى الكائنة وسط المدينة، مجهزة باحدث الاجهزة الطبية، تستقبل زهاء الفين مراجع يوميا، تضم اكثر من خمسين طبيبا، كانت اجور الدواء والعلاج، اجور رمزية، فلا غرابة ان شاهدت جمهور المراجعين، واغلبهم من الفقراء يحتشدون على ابوابها منذ الصباح الباكر. لقد امضيت في عملي سبع سنوات، قبل ان اعود الى الولايات المتحدة متقاعدا، لم اسمع خلالها يوما من احدهم اشارة عدائية ضد العرب، لا من قريب ولا من بعيد، بل بالعكس، كانوا يؤكدون انهم عاشوا مع العرب تحت ظل دولة الاسلام و حضارته الزاهرة، قرونا من الزمن في تآخي و وئام. جمعتنا واياهم وشائح اسرية وعلاقات حميمة. وانهم والعراقيين نظراء في العادات الاجتماعية وطرائق العبادة وفي طبيعة المأكل والملبس وحتى في تطلعاتهم الانسانية.

وهنا اقول: ان الصورة الوردية عن العرب والاسلام التي يعكسها هؤلاء الايرانيون، لم تكن معبرة عن رأي الشعب الايراني كله. فالمعروف ان هذا الشعب يتشكل من قوميات ولغات ومذاهب متعددة. فالاتراك الاذرية في الشمال الغربي، والاكراد في الجنوب الغربي، والعرب في الجنوب، والبلوش في الجنوب الشرقي، ونسبة عالية من المسلمين السنة، في الشمال الشرقي المتاخم لافغانستان، ناهيك عن جماعات البهائية والوثنيين والملحدين و الزرادشتية، فصورة العربي في مرآة هذه الاقوام لايعلم سرها الا الله.

أظن ان الذي خرج من بلاد فارس قديما من اشارات عدائية ضد العرب كان نتيجة الحروب الطاحنة بينهما، جرت في العهد الجاهلي والتي ملئت القلوب بالالحقاد، ولكن عندما ظهر الاسلام وانتشر في بداية القرن الاول للهجرة، زالت هذه الاحقاد تدريجيا ولانت القلوب بمرور الزمن، ذلك بفضل تعاليم الاسلام السمحة – – الم يرد في القرآن الكريم ( المؤمنون اخوة ) ؟

· مقتبس من كتاب عصر التكايا والمرايا لشاكر النابلسي، والفقرة الاخيرة تعليق لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here