استطلاع يؤشر تدني المشاركة في الانتخابات المقبلة وتراجع دور المرأة

بغداد/ أروى العامري

تشكك كريمة مثل ملايين العراقيين بنزاهة سير العملية الانتخابية وآلية الاقتراع واحتساب الأصوات، كما بجدوى الانتخابات في ظل ما تردده وسائل الاعلام عن سطوة المال السياسي والسلاح واستشراء الفساد نتيجة ضعف الدولة. تلك العوامل مجتمعة منعت 10 ملايين عراقي من تحديث بطاقاتهم الانتخابية للمشاركة في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني المقبل.

وتعكس المشاركة الضئيلة في الانتخابات السابقة والتي بلغت نحو 44% العزوف المتوقع في الانتخابات المقبلة، بحسب باحثين، خاصة مع تراجع اهتمام العراقيين بالسياسة في السنوات الأخيرة نتيجة عدم ثقتهم بالمؤسسات السياسية وقادتها، بعد ان كانوا يظهرون اهتماما كبيرا عقب تغيير نظام حزب البعث في نيسان 2003.

أظهرت نتائج استبيان موسع أجراه البارومتر العربي في العام 2019، ان غالبية العراقيين لا يهتمون بالسياسة، اذ ان شخصا واحدا من كل أربعة يبدي اهتماما بتتبع الأمور السياسية والبحث في تداعياتها المحتملة.

وتقول الدكتورة هديل قزاز، وهي خبيرة في مجال النوع الاجتماعي، ان نسب المشاركة في الانتخابات على مستوى العالم العربي قديما كانت عالية “لكنها تراجعت في الفترة الحالية اثر القمع والضغوط التي تعرض لها الناخبون من نساء ورجال لفرض ارادة جهات محددة”.

وتضيف:”ذلك القمع أثر على الحياة السياسية، كان هناك رفض وانتشار أمني لمواجهة أي محاولات لتنظيم احتجاجات سلمية يعبر فيه المواطنون عن قضاياهم او حتى للحث على المشاركة في الانتخابات والادلاء باصواتهم لمن يريدونه”. وترى قزاز، ان العسكرة وفرض القبضة الأمنية يضعف دور المرأة السياسي، ويقلل من نسب مشاركتها.

بحسب استبيان البارومتر العربي فان الاهتمام الذي يوليه العراقيون للسياسة تراجع في السنوات العشر الأخيرة، ففي حين كان خمسة أشخاص من بين كل عشرة يهتمون بالسياسة في العام 2011، تراجع الاهتمام الى اربعة اشخاص في العام 2013 وصولا الى نحو شخصين مهتمين بالسياسة فقط مقابل كل عشرة في العام 2019.

وتظهر مؤشرات الاهتمام بالسياسة، تباينا بين شعوب الدول العربية، فنسبة المهتمين بالسياسة بلغت نحو ثلاثة أشخاص من كل عشرة في العراق في السنوات الأخيرة.

ووفق بيانات الاستبيان، فأن العمر أحد المؤثرات التي يمكن ان توجه فئة عمرية دون أخرى للاهتمام بمجال معين، فالعراقيون يهتمون بالسياسة كلما تقدموا في العمر وتحصل هذه الزيادة بشكل تدريجي، فثلاثة من كل عشرة شبان يهتمون بالسياسة مقابل سبعة من كل عشرة لدى فئة كبار العمر. كما انه بتقدم العمر فان الرجال أكثر ميلا للاهتمام بالسياسة مقارنة بالنساء.

كما ان المستوى العلمي، يشكل عاملا مؤثرا في توجه الفرد العراقي نحو الاهتمام بالسياسة، فكلما ارتقينا بالمستوى التعليمي يزداد الاهتمام تدريجيا بالسياسة، ويكون الفرق واضحا في نسبة الاهتمام بين أدنى وأعلى مستوى تعليمي، فمقابل كل اربعة عراقيين أميين يهتمون بالسياسة، هناك سبعة من حملة شهادات البكالوريوس يهتمون بالمجال نفسه.

ويفسر الباحث الاجتماعي بيار حاجي، ذلك بأن الشباب في مقتبل العمر لا يملكون ذلك الوعي بتأثير السياسة ويهتمون بهواياتهم وفرص الترفيه والعمل. ويضيف: “ولأنهم في الغالب لا يملكون فرص الانضمام الى احزاب او الترشح في الانتخابات فيبدون اهتماما محدودا، لكن مع التقدم في العمر ربما يكتشفون ان كل شيء في محيطهم مرتبط بالسياسة حتى فرص العمل وتحقيقهم لتطلعاتهم الشخصية لذا يهتمون أكثر”. وبحسب استبيان البارومتر العربي، يميل الرجال الى الاهتمام بالسياسة اكثر من النساء، فمقابل كل ثلاثة رجال يهتمون بالسياسة في العراق هناك سيدتان مهتمتان.

وترى الدكتورة هديل قزاز ان الاختلاف في النسبة بين الرجال والنساء هنا “لا يتعلق باهتمامهم الشخصي غالباً، بل بالحيز او المساحة التي تتاح لكل فئة، فالرجال يحصلون على مساحة أكبر لمناقشة الوضع السياسي سواء في الشارع ووسائل النقل او في المقاهي كما في أماكن العمل، بينما النساء حيزها يكون محصورا داخل البيوت وفي الصالونات المغلقة”. وتقول هبة (25 عاما) وهي تخفض صوت مذيع الأخبار: “زوجي لا يسمح بذلك (…) أنا كنت أشاهد الأخبار بشكل مستمر وكنت على اطلاع جيد بالأوضاع السياسية، لكن زوجي ظل يردد ان على النساء عدم الاهتمام بالسياسة، وفي الانتخابات الأخيرة قال انه لا داعي لأذهب للتصويت… لهذا لم أعد أهتم”. يؤكد بيار حاجي، ان “ما تواجهه (هبة) حالة اجتماعية شائعة وتعد تغييبا للنساء، فهن لا يحصلن في الغالب على مساحة جيدة لمناقشة الأحداث السياسية، ما ينعكس سلبا على خياراتهن واهتماماتهن وبالتالي حضورهن ومشاركتهن السياسية”.

من بين كل عشرة عراقيين هناك سبعة يعتقدون ان الرجال أفضل لقيادة دفة السياسة من النساء وان أيدوا في ذات الوقت تولي المرأة موقع رئاسة الوزراء وهذه الرؤية تنعكس سلبا على الخيارات السياسية للناخبين، وتؤدي الى تدني المشاركة السياسية للمرأة بصورها المختلفة. كما تعكس البيانات الصادرة عن البارومتر العربي، تقبل النساء والرجال على حد سواء لفكرة تولي المرأة موقع رئيسة الجمهورية او رئيسة الوزراء، فمقابل كل سبعة رجال يوافقون على ذلك هناك سبع نساء موافقات أيضا.

عن موقع نيريج للصحافة الاستقصائية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here