الذكرى العاشرة “للربيع العربي”: نتائج محزنة .. بقلم أندريه إساييف*

الذكرى العاشرة “للربيع العربي”: نتائج محزنة
بقلم أندريه إساييف*
ترجمة عادل حبه

اندريه كونستانتينوفيتش إيساييف

تناوب العسكريون والإسلاميون على السلطة على مدى عقود عديدة في معظم دول الشرق الأوسط. واليوم فإن الصورة ليست واضحة جدا. فالجيش يقف على رأس السلطة في مصر فقط، والأنظمة الملكية الإسلامية قائمة في شبه الجزيرة العربية (باستثناء اليمن). ويحدد الإسلام المقترن بالتقاليد التاريخية سياسة إيران الخارجية؛ ويملك حزب النهضة الإسلامي المعتدل أكبر كتلة في البرلمان التونسي.
في سوريا والعراق حاول الجهاديون السُنّة السيطرة على السلطة، ولكن تم ردعهم. وتعتبر إيران الشيعية هذه الدول ضمن حدود مصالحها “الطبيعية”. وتضغط طهران على دمشق بشكل متوازن في علاقاتها مع موسكو وبغداد، و مع واشنطن.
أما في ليبيا، فقدت تطورت حرب الكل ضد الجميع تدريجياً إلى مواجهة بين المشير حفتر والحكومة الواقعة تحت التأثير الملموس للإخوان المسلمين. وليس من الواضح ما هي القوى التي ستتولى زمام الأمور في حالة التوصل إلى مصالحة نهائية بين الأطراف المتصارعة. وإذا حدث ذلك، يمكن أن يصبح “الإخوان” المستفيدون الرئيسيون مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، ينحدر لبنان إلى حالة خطيرة من الركود الاقتصادي والسياسي، ويكاد اليمن أن يقف على شفا البقاء. في مثل هذه الظروف، يتمتع الإسلاميون بكل فرص النجاح.
إن الربيع العربي”، الذي بدأ قبل عشر سنوات تحت تأثير أفكار النموذج الغربي ” لدمقرطة المجتمع”، أدى إلى ظهور مجموعة كاملة من الاتجاهات الجديدة التي غيرت بشكل جذري الأجندات الإقليمية.
أولاً ، إنه كابوس تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق كرد فعل من السُنّة (ومن ضمنهم الضباط البعثيون) على حل جيش صدام نتيجة غزو التحالف الأمريكي البريطاني وعلى انتقال السلطة في البلاد إلى الأغلبية الشيعية. وفتح فراغ السلطة آنذاك في سوريا اًفاق جديدة لداعش. ولم يجري أي اتفاق بين الأطراف المتصارعة، ولكن الإجراءات المستمرة للعديد من الأطراف الفاعلة إلى الهزيمة، لم يهدف إلى تدمير أركان “الدولة” السورية بأي حال من الأحوال.
ثانياً، أدت الحرب الأهلية في سوريا ، مع عدد من الأطراف الخارجية المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع ، إلى أزمة اقتصادية حادة وانهيار فعلي للبلاد . فسلطة الحكومة المركزية لا تمتد إلى كل أراضي الدولة التي يسيطر عليها الأتراك والأكراد والأمريكان ، وداعش …
ولم تسفر محاولات إقامة حوار بين السوريين “تحت هدير المدافع” عن نتائج إيجابية، إذ يجري استئناف اللجوء إلى المدافع بشكل دوري. ولا تزال آفاق إعادة توحيد الأراضي السورية، وتشكيل حكومة ائتلافية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، تخمينية إلى حد كبير. وتتبادل دمشق والمعارضة الإتهامات التي لا نهاية لها خلال عملية التفاوض، وتعطل عمل اللجنة الدستورية المشكلة في ظل هذه الظروف الصعبة ، رغم أن روسيا فعلت الكثير لبدء تنفيذ خطة للسلام في هذا البلد.
ثالثاً ، تفاقمت حدة المواجهة الشيعية -السنية، وصولاً إلى المواجهة المسلحة – في اليمن وسوريا والعراق. وتحاول إيران مد “المحور الشيعي” إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​عبر العراق الذي تقطنه أغلبية شيعية ، وسوريا ، حيث يتولى العلويون (“الشيعة تقريباً”) السلطة ، ولبنان ، حيث يعتبر حزب الله القريب من طهران القوة السياسية الأكثر نشاطًا في البلاد. و تقف الأنظمة الملكية العربية بوجه هذه الخطط بكل الطريقة الممكنة … ومن اللافت للنظر أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في تعليقه على طلب برفع الحصار الاقتصادي عن قطر، لمّح إلى “الحاجة الملحة” لتوحيد جهود الدول العربية في مواجهة “التهديد الإيراني”.
رابعاً ، على خلفية الحرب الأهلية في سوريا والنضال ضد الجهاديين المتنوعين، يتصاعد نفوذ الحركة القومية الكردية التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
أما في العراق ، فشبه الدولة الكردية موجودة بحكم القانون، وفي سوريا بحكم الأمر الواقع. لقد تم تصنيف هذه الأخيرة على أنها متعددة الجنسيات، لكن الأكراد هم من يعزفون على الكمان الأول فيها. في عام 2017، حاول أكراد العراق التخلص من حالة شبه الدولة، لكن معارضة بغداد والجيران الإقليميين والجهات الفاعلة الخارجية أبطلت نتائج الاستفتاء. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد أنها كانت مجرد “فطيرة أولى”.
خامساً، بدأ تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وكانت النتيجة الحتمية انخفاض اهتمام النخب العربية بالقضية الفلسطينية ، في الواقع وليس بالكلمات. حتى أن الإمارات أعلنت عن إنشاء صندوق استثماري كبير لإسرائيل. لقد بدأت هذه العملية من قبل إدارة واشنطن السابقة، لكن الإدارة الحالية “ملتزمة بشدة بأمن إسرائيل وتعتقد أن العلاقات مع هذا البلد لها أهمية رئيسية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط”. ولكن هذه المصالحة هي ليس “مع” اسرائيل، بل “ضد” إيران. وفي نهاية المطاف، من غير المحتمل أن يساهم التطبيع في خفض المستوى العام للتوتر الإقليمي.
أخيراً ، سادساً، أدى الإخفاق في تطبيق عقيدة “العثمانية الجديدة” إلى عزلة تركيا المتزايدة. وفشلت محاولة أنقرة لفرض نفسها على المغرب العربي وعرب المشرق بصفتها “الأخ الأكبر” على أساس “المصير التاريخي المشترك”: لم تأخذ السلطات التركية في الحسبان بطريقة ما أن السلام العثماني يثير ردود فعل معاكسة مباشرة بين الأتراك والعرب.
في الوقت نفسه ، تحاول تركيا تشكيل أجندتها الخاصة عن طريق النشاط العسكري في سوريا وليبيا والعراق وعمليات “حفر الآبار” في شرق البحر الأبيض المتوسط.
لقد بلغت هرطقة “القوة العظمى التركية” ذروتها في كانون الأول عام 2020 – حيث جاء في بيان وزير الدفاع أنه “لا يمكن لأي طرف أن يفعل أي شيء في المنطقة، أو يعمل بدون أو ضد القوات المسلحة التركية”. ونتيجة لذلك، فإن قطر، العضو المشاكس في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هي الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات جيدة وحليفة تقريباً مع أنقرة. لكن جامعة الدول العربية طالبت بالانسحاب غير المشروط للقوات التركية من هذه الدول. وعلاوة على ذلك، أجبر بحث الأتراك عن مكامن الغاز في مياههم الخاصة والأجنبية عدداً من الدول في المنطقة (بالإضافة إلى اليونان وفرنسا) على الاتحاد في تحالف غير رسمي مناهض لتركيا. كل هذا دفع السلطات التركية إلى البحث عن “شركاء استراتيجيين” جدد – من أوكرانيا إلى باكستان.
ولا يتراجع الاهتمام بالشرق الأوسط من جانب اللاعبين الخارجيين، وهذا ليس مفاجئاً على الإطلاق. إذ تواصل الولايات المتحدة تقليدياً رعاية المملكة العربية السعودية وإسرائيل، لكن الأكراد الآن يؤيدون ذلك أيضاً. وبحاول المبعوثون الأمريكيون التوفيق بين القوى السياسية الرئيسية في كردستان العراق وبناء الجسور بين القادة الأكراد في العراق وسوريا. بالمناسبة ، دعا جو بايدن ، عندما كان رئيس اللجنة الدولية للكونغرس، إلى إقامة “كردستان حرة” على أراضي هذين البلدين.
وأعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة عن مسار جديد صوب “إعادة إيران إلى الاتفاق النووي”، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الجمهورية الإسلامية سعيد خطيب زاده لشبكة CNN مؤخراً إن التقدم في هذا الاتجاه ممكن. ومع ذلك ، فإن استعداد واشنطن لتطبيع حقيقي للعلاقات مع طهران المسيئة للولايات المتحدة هي قضية قابلة للنقاش، وإن أي “استرخاء” فيما يتعلق بإيران سيؤدي حتماً إلى استياء في الرياض، وخاصة في اسرائيل.
وتعمل روسيا ، التي لها على الأقل علاقات عمل مع كل دول الشرق الأوسط، على ترسيخ دور الوسيط “الإقليمي” بشكل لا يمنعها من حماية مصالحها. ومن الأمثلة على ذلك صفقة أوبك، فضلاً عن حقيقة أن استثمارات شركات النفط الروسية في القطاع ذي الصلة من الاقتصاد العراقي تجاوزت 13 مليار دولار أمريكي.
يبقى الاهتمام الرئيسي للسياسة الروسية في الشرق الأوسط موجه صوب سوريا. إن موسكو على قناعة بأن إحراز تقدم حقيقي في التسوية السورية مستحيل دون إنهاء الضغط الاقتصادي على دمشق. ويعلن خصوم روسيا العكس، ويطرحون مطلب “تغيير النظام” كشرط لمشاركتهم في الانتعاش الاقتصادي للبلاد. والدليل على ذلك هو “قانون حماية السكان المدنيين في سوريا رقم HR31” الأمريكي الصادر عام2019، والمعروف أيضاً باسم “قانون قيصر”، الذي يسمح لواشنطن بفرض عقوبات على المنظمات والأشخاص الداعمين لدمشق وللمسلحين، أي الجماعات المسلحة المرتبطة بروسيا أو إيران بحسب رأي الولايات المتحدة. وفقاً لسيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، فإن الغرض من هذا العمل هو “خنق الشعب السوري حتى ينتفض الشعب ويطيح ببشار الأسد”.
أما بكين، التي تتمتع بحضور طويل وثابت في المنطقة كواحدة من اللاعبين الاقتصاديين الرئيسيي ، فإنها تعلن بشكل متزايد عن طموحاتها السياسية. فقد زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والإمارات والبحرين وسلطنة عمان في آذار عام 2021، وأعلن عن وثيقة حول “المبادئ الخمسة لحل النزاعات في الشرق الأوسط”. لكن الصين تدخل للتو في صف الصدارة السياسية للمنطقة، ولا يزال من الصعب الحديث عن خططها الاستراتيجية، بالإضافة إلى ضمان تحقيق وسلامة “طريق الحرير الجديد”.
ولا يسع المرء إلا أن يذكر ظاهرة منصة أستانا، أي التحالف الذي أنشأته روسيا وتركيا وإيران حول الحالة السورية، على الرغم من حقيقة أن أهداف هذه الأطراف النهائية لا تتطابق دائماً. ومع ذلك، نجحت الدول الثلاث من خلال “العمل” مع القوى العسكرية والسياسية المتحالفة معها في سوريا لتقليل مستوى العنف عدة مرات. ولكن بعد ذلك تباطأت العملية على منصات التفاوض و “على الأرض”.
وهذا يدل على رغبة تركيا في استكمال الصيغة الحالية بالحفاظ على قطر كصديقة وامتلاك موارد مالية مجانية، وتحويل “الترويكا” إلى “أربعة”، من خلال ضم قطر إلى المجموعة، من أجل تعزيز موقعها في الموقف، كما يطلق عليه عادة بالتحالف.
تظل جميع مناطق في حالة من عدم الاستقرار في المنطقة تقريباً ، بما في ذلك المناطق التي تبدو “هادئة” ، فهي أيضاًعرضة للصراع.
في العراق ، قد تبدأ الاشتباكات العرقية والطائفية في أي لحظة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخلايا “النائمة” التابعة لداعش تذكر نفسها بشكل دوري هنا، وينشط الإرهابيون بشكل خاص في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل. ويعود السبب إلى انسحاب قوات البيشمركة من هناك بعد الاستفتاء على استقلال كردستان العراق. وعلاوة على ذلك، وعلى خلفية سلسلة من التصريحات العدائية للقيادة التركية حول احتمال بدء عملية في سنجار العراقية، بدأت التشكيلات الشيعية في سحب قواتها إلى الحدود.
ولم يتم التوصل إلى حل دائم في ليبيا ، ولم يشهد الوضع في اليمن أي تحسن.
ولا يمكن استبعاد احتمال انتهاء اندفاع محتمل آخر في نشاط أنقرة على الجبهة السورية بمشاركة جنود أميركيين في المواجهة المسلحة التركية الكردية، وتدخل القوات الإيرانية في المواجهة التركية السورية. إذ يوجد عدد كافٍ من المحرضين هنا ، وعواقب مثل هذا التطور للأحداث لا يمكن التنبؤ بها.
وحتى بدون ذلك ، فإن الوضع في سوريا ينطوي على الكثير مما هو مرغوب فيه. إن سياسة الغرب والدول العربية الغنية، التي لا تساعد السوريين في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، قائمة على خيار الخنق الاقتصادي للنظام الحالي، ويمكن أن تنجح نظرياً، لكن بعد ذلك ستصبح جولة جديدة من الحرب الأهلية حقيقة واقعة. ربما هناك طرف ما مهتم بهذ ، ولكن ليس روسيا بالتأكيد. إن إعادة التشكيل السياسي لسوريا، مع مراعاة مصالح مجموعاتها العرقية والطائفية، تعتبر القوى السياسية ذات العلاقة أمراً ضرورياً اليوم، وقد تتأخر إلى الغد.
هذه هي النتائج المحزنة لـ “الربيع العربي” ، يبقى السؤال – من يحتاج إلى ذلك ولماذا بدأ به؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*إن اندريه كونستانتينوفيتش إيساييف هو سياسي روسي، ونائب في مجلس دوما الدولة للإتحاد الروسي، وعضو لجنة العمل والسياسة الاجتماعية وشؤون المحاربين القدماء في الدوما، وعضو في اللجنة العليا للحزب الحاكم “روسيا الموحدة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here