الطاعة الشخصية والطاعة الدستورية لولي الأمر

الطاعة الشخصية والطاعة الدستورية لولي الأمر : بقلم ( كامل سلمان )

جاء في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ) ومعنى أولي الأمر منكم اي ممن رضيتم به ولي للأمر عليكم فهو بشر منكم وليس ملاك من السماء ، فهنا وجبت الطاعة على المؤمنين ، ولكن السؤال هنا هل طاعة ولي الأمر تكون له شخصيا او لقوانين الأمة ودستورها وهو من يمثلها ، فإن كان الجواب له شخصيا فهذا مخالف لمبادىء القرآن الكريم ومخالف للعقل والمنطق أما إذا كانت الطاعة المقصودة للقوانين والدستور الذي رضي به الجميع وولي الأمر جزء تمثيلي لهذه القوانين فهذا هو عين الصواب ولا يتنافى مع العقل والمنطق وبنفس الوقت يخضع للمقاييس التي وضعها القرآن الكريم ، ولتوضيح الصورة أكثر ، في الدول المتطورة والمتحضرة دستوريا على سبيل المثال في كل بلد يوجد دستور وكل مسؤول في الدولة من اعلى هرم السلطة الى الأدنى الجميع يعملون ضمن صلاحيات وضوابط الدستور وليس ضمن صلاحيات الحاكم او ولي الأمر بمعنى أخر أن ولي الأمر او الحاكم هو مجرد موظف يعمل داخل حدود الدستور ، إذا ولي الأمر الحقيقي الذي يتحكم بشؤون البلاد والعباد هو الدستور وليس ذات شخص الحاكم ، فهنا تكون طاعتنا لولي الأمر هو بمعنى عدم مخالفة الدستور لأن الدستور وجد لخدمة الجميع ولمصلحة الجميع والخروج عليه خروج على المجتمع وكيان الدولة وأما وجود المعارضة المسموحة بحدود الدستور للحاكم او الحزب الحاكم هي شرعا ودستورا صحيحة ، فإن أراد ولي الأمر الخروج عن الدستور فهذا تمرد يحاسب عليه القانون أما إذا عجز القانون عن محاسبة ولي الأمر على أعتبار ان النص القرآني لا يسمح بمخالفة ولي الأمر مهما فعل ومهما أخطأ ومهما تمرد فهذا يعني انحراف واضح عن القرآن الكريم ولا يصح ان نقبل به وقبولنا به هو تمرد على كتاب الله ، لا يوجد اليوم مجتمع يرنو الى المستقبل المشرق بدون وجود دستور متحضر يقود المجتمع والدول او المجتمعات التي يتحكم بها الحاكم فوق الصلاحيات الدستورية هي مجتمعات فاشلة لإن الحاكم الحقيقي في الدولة الدستورية لم يعد سلطة وقوة تتلاعب بما تشاء وكيفما تشاء بل مجرد موظف خاضع لرقابة مشددة يعمل على خدمة المجتمع ، فالقرآن الكريم لا يعطي الحاكم صك على بياض مهما كان علمه لأن خطأ الحاكم ممكن ان يكون سبب لانهيار أمة بأكملها كما حدث ويحدث بشكل متكرر في العراق وبما ان الحاكم هو من البشر فهو معرض للخطأ وكل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون ، هذا ماقاله الرسول ع ، إذا نحن الآن في مرحلة زمنية حساسة خاصة ونحن في تأريخنا تذوقنا مرارة أخطاء الحكام وتجبرهم في السلطة فلن نسمح ان يعاد الخطأ مستقبلا ، يجب علينا ان نعترف جميعا بإن الدستور وحسب المفهوم القرآني هو ولي الأمر الحقيقي الذي تعتبر مخالفته مخالفة لأمر الله ولن يسمح لأي شخص مهما علا رمزه ان يكون هو ولي الأمر ، فالدستور وقوانين الدولة هدفها إحقاق الحق والعدل بين الناس وهذا هو ما يسعى إليه الأنبياء والرسل في كل مراحل التأريخ البشري ، إن الفهم الخاطيء للنصوص القرآنية كان له ثمن كبير ، فكل الأعمال البشعة في حياة الخلفاء والسلاطين والولاة ولا يوجد من يردعهم او يحاسبهم انطلاقا من مبدأ البيعة المطلقة التي توارثناها جعلتنا في موقف لا يحسد عليه ، وسيأتي اليوم الذي ندفع ثمن كل هذه الأخطاء بذلة ومهانة وفعلا بدأنا هذه المرحلة. ….. اليوم الأمور أختلفت فنحن اليوم قادرون على فهم النص القرآني بشكل أوضح وأعمق فهذه الآية التي ذكرت الطاعة لولي الأمر إنما هو نص قرآني صريح بإن الطاعة ليست لذات الشخص بل لقوانين ودستور المجتمع ، فبالأمس كان الوالي او ولي الأمر هو من يرضى عن الناس او لا يرضى عنهم ويستطيع ان يلعنهم جميعا دون ان يتجرأ أحد من الناس من التفوه بكلمة فهو يحمل صلاحيات الرب ومن خالفه فسيقطع رأسه على أعتبار مخالفته فسوق ، بينما في الدولة الدستورية الناس او الشعب هو من ينتخب الحاكم وهو من يرضى عليه او لا يرضى عليه وليس العكس فالحقيقة هذا تأريخ مخزي وللأسف يراد به ان يستمر وبنفس الفهم الخاطئ وبنفس العقلية دون مراعاة لمستقبل هذا الجيل والأجيال القادمة وهذا الشعب الذي أصبح وجوده بالحضيض بسبب هذه العقليات التي لا تسمح للصحيح ان يصح وان كان الضرر واضح كوضوح الشمس ، نحن امام طريقان لا ثالث لهما اما ان نواكب المجتمعات البشرية بشكل صحيح وهذا مايريده الله ورسوله لنا ومايريده العقل والمنطق وما تريده الطبيعة الخيرة للإنسان او نسلك الطريق الخطأ الذي سيغضب الرب ويدمر المجتمع ويسحق كرامة الإنسان ويعيدنا الى حياة الكهوف والضياع ، فالواجب الأخلاقي يحتم علينا ان نقف بصفوف متراصة لإحلال الصح مكان الخطأ فنكون قد أسدينا خدمة كبيرة لأجيالنا سيذكرونه بكل فخر واعتزاز .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here