أولّ دراسة في العراق تبحث في “لغة” الصمت …

د. رمضان مهلهل سدخان

نوقشت يوم الثلاثاء 25/5/2021، في قسم اللغة الإنكليزية / كلية الآداب / جامعة البصرة دراسة هي الأولى من نوعها في الجامعات العراقية تناولت موضوعة الصمت بالعينة والتحليل تقدّمت بها طالبة الدكتوراه أطياف حسن إبراهيم وجاءت بعنوان “الصمت في الإطار التفاعلي متعدد الثقافات”. وقد قارنت الباحثة بين مسألة تعاطي المجتمعات الناطقة بالإنكليزية والمجتمعات الناطقة بالعربية لموضوعة الصمت بوصفه أداة تواصلية فعّالة فعالية الكلام إن لم يكن أمضى منه في كثيرٍ من الأحايين.

وللوصول إلى النتائج المرجوّة، وضعت الباحثة نصب عينيها جملة أهداف بغية التحقّق من مدى تأثير هذا الضرب الفعّال من التواصل غير اللفظي ألا وهو “الصمت” في زيادة زخم الكلام ومدى اختلاف الحضارتين الناطقتين بالإنكليزية والعربية في مسألة التعاطي معه. وتتلخص هذه الأهداف بـ :

التحقق من مدى تباعد أَو التقاء متحدثي اللغة الإنكليزية والعربية إزاء الصمتِ؛ واستكناه الإختلافات بخصوص أشكال الصمت وأنواعه ووظائفه في التفاعل في هاتين اللغتين موضوعتَي البحث؛ وسبر غور إمكانية الصمت في إضافة عناصر أخرى عَجَزَ عنها الكلام؛ وإظهار مدى إمكانية الصمت في تشكيل ستراتيجيات خاصة لحفظ ماء الوجه أو إراقة ماء وجه المقابِل؛ وكيفية استجابة متحدثي الإنكليزية والعربية للصمت؛ وأخيراً الكشف عن أهم أنواع الصمت الأكثر استخداماً من جانب متكلّمي هاتين الحضارتين الإنكليزية والعربية بمجتمعاتهما المختلفة.

وللوصول الى تلكم الأهداف عمدت الباحثة إلى اختيار 15 مقطعاً فيديوياً تمثّل حوارات باللغة الإنكليزية ومثلها (أي 15 مقطعاً) باللغة العربية اختيرت بعناية وفقَ معطيات دقيقة من بين برامج اجتماعية وسياسية متعددة رصينة في محتواها. يُذكر بأن زمن الحوارات باللغة الإنكليزية بلغ 13125 دقيقة فيما بلغ الزمن الذي استغرقته الحوارات باللغة العربية 13538 دقيقة واعتمدت الدراسة على نموذجَي سافيلي- ترويكي و ناكاني في تقسيم الصمت إلى أشكال وأنواع.

فمن بين أشكال الصمت: الوقفات لدى المتحدّث نفسه والوقفات بين المتحدث والمخاطَب وهناك صمت الدور الحواري والصمت الوقتي والصمت الجماعي وصمت الخطاب وأخيراً الانسحاب التام من الموقف أو الحوار. وتقع ضمن أنواع الصمت: الصمت الحكيم الذي ينم عن فضيلة وحكمة وصمت المتواضعين والصمت الماكر والصمت البليغ وصمت الصدمة أو الذهول والصمت المونِّب للضمير وصمت الأقوياء وصمت الضعفاء والصمت الاحتفالي وصمت القانعين وصمت المتبطلين والصمت المطبِق.

توصلت الدراسة إلى أن المتخاطبين في اللغتين الإنكليزية والعربية يستخدمون الصمت بشكل متماثل مع وجود بعض الاختلافات في أنواع الصمت و أشكاله ووظائفه في هاتين اللغتين و أن الصمت

يعدّ فعالاً فعالية الكلام في التحاور إذ يُستخدَم بوصفه ستراتيجاً لحفظ ماء الوجه أو إراقة ماء وجه الشخص المقابِل في كلتا اللغتين.

كذلك بيّنت الدراسة بأن الصمت يشغل حيزاً كبيراً في التفاعل البشري بوصفه وسيلة مهمة غير لفظية للتواصل، فالصمت يُعطي قوة للتفاعل ويؤدي وظائف مختلفة عبر أشكاله وأنواعه المتعددة. ويمكن استخدامه ليكون ستراتيجاً لحفظ ماء الوجه أو إراقته. فضلاً عن ذلك، توصّلت الدراسة أيضاً إلى أن المتحاورين العرب يستخدمون الصمت أكثر من الإنكليز، فرادى وجماعات. وهذا يشير إلى وجود اختلافات بنيوية بين المجتمعات في استخدامهم للصمت.

بالنسبة للغة الانكليزية، وجدت الدراسة بأن المتحاورين البريطانيين يميلون أكثر إلى استخدام الصمت، يأتي بعدهم الأميركيون والأيرلنديون وأخيراً الكنديون على التوالي. كما أن هناك اختلافات فردية بين الثقافة نفسها في استخدام الصمت اعتماداً على عوامل تتعلق بالموضوع الذي تجري مناقشته إن كان الشخص محاوِراً أو ضيفاً، وكذلك عوامل العمر والشخصية والتعليم والمكانة الاجتماعية.

أما بخصوص اللغة العربية، فقد أظهرت النتائج بأن المتحاورين الأردنيين يميلون أكثر إلى الصمت، يليهم العراقيون ثم اللبنانيون ثم السعوديون ثم المصريون وأخيرأً الإماراتيون على التوالي.

وأخيراً، تختتم هذه الدراسة نتائجها بأنه لا يوجد تفاعل تواصلي خالٍ من الصمت، فالصمت جزء لا يتجزأ من التواصل الفعّال فهو يضيف قوة لهذا التفاعل يمكن للمتحاورين عن طريقه التعبير عن أنفسهم واستخدامه متى ما أرادوا إيصال الرسائل دون أن يتفوهوا بكلمة. وعليه فإن الصمت يشغل حيزاً كبيراً في التفاعل سواء بالنسبة للناطقين باللغة الإنكليزية أم الناطقين باللغة العربية.

إذن، الصمت هو لغة نلجأ إليها عندما تتعطّل لغة الكلام، والصمت لا يعني السكوت أو العيّ عن الكلام وليس دائماً علامة الرضا بل هو دالّة غير لفظية تنفتح إلى مداليل متعددة بحسب السياق أو المناسبة المستخدَم فيها الصمت.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here