الانسان والاخلاق * !

الانسان والاخلاق * ! د. رضا العطار

يشمل علم الأخلاق مجموعة الطبائع والعادات والصفات والمشاعر الراسخة في خلجات النفس البشرية, فهي تشكل اساس الملكات التي تظهر عادة بشكل عفوي دون تفكير ويطلق عليها صفة الخير اوالشر .اما السلوكيات غير الراسخة والتي تصدر بصورة غير ارادية يطلق عليها مصطلح الغضب. اما اذا صدرت بعد التأمل وكبت الرغبة اطلق عليها مصطلح الأخلاق المصطنعة, ككرم البخيل بقصد الشهرة او المصلحة وكسب السمعة. والأخلاق يندرج مفهومها في ثلاثة حقول :

الحقل الأول يشمل التكوين, الذي يقول عنه التربوي نصير الطوسي :

( انه الملكة الذاتية في السيطرة على الرغبات المكبوتة وحجب الأفعال من الصدور والتي تتم بفعل التريث والتأمل والتفكير الصائب, وهذه الملكة يمتلكها كل انسان لكن بنسب متفاوتة طبقا لدرجة تعليمه وسعة تجاربه وشدة مزاجه و طبيعة سريرته

و تركيبته النفسية وبالتالي مدى امتزاجه بمجتمعه, فالبعض يكون سريع الغضب يخرج من طوره لأتفه باعث, فيندهش ويتعجب وينزعج بسرعة ويستغرق في الضحك مقابل من لا يندهش ولا يثار ولا يبتسم فضلا عن انه لا يضحك ابدا ).

والأسلوب الأمثل هو التفكير المكثف والأمعان الدقيق قبل الأقدام على عمل, فالمعروف عن التفكير انه يوصل الأنسان الى المعرفة عبر العقل، فأما ان تكون المعرفة في اطار الخير او في اطار الشر, فأن كانت خيرا ارتقى به الأنسان، وقد يخطو به بمجتمعه الى وضع اجتماعي افضل لو كان له دور في قيادته, وان كانت شرا مستطيرا تعرض الى مهاوي الخطر, فبفضل زيادة التمرين والتكرار ينمو لدى الأنسان القدرة على التفكير الصحيح, يمكنه من اتخاذ القرار الصائب الذي يخدمه و يأنس به. ويعتبر الفيلسوف سقراط انه كان اول معلم في مملكة الاغريق يعلم تلامذته، كيف يفكرون،

يُعتقد ان الأخلاق الصالحة هي من المكونات الأساسية في الأنسان , فهي تتبلور وتنصقل بفعل الملاحظة و المخالطة والمعاشرة وبمرور الزمن تنشأ عنده سلوكية تدعى بالأخلاق الحميدة.

اما الحقل الثاني في علم الأخلاق فيشمل الصفات الحسنة و السيئة, و تنقسم الأعمال بدورها الى افعال جيدة و رديئة, وهذه الأعمال عبارة عن افرازات طبيعة للأنسان تعكس مكنوناته النفسية التي تعبر في الغالب عن فضائل او عن رذائل.

لقد اهتم الباحثون بدراسة الأخلاق الرذيلة دراسة مستفيضة وتوصلوا الى انها افرازات للألام والأوجاع الروحية, يكمن علاجها في الأقلاع عنها او محاولة تغييرها, علما ان الأخلاق الفاضلة اعتبرت بمثابة الغذاء الروحي.

اما حقل علم الأخلاق فيشمل الثابت والمتغيرو يعتقد علماء النفس انه اذا كانت الأخلاق عند الأنسان فطرية فهي ثابتة, يصعب تغييرها، اما اذا كانت اكتسابية امكن التغيير بشرط ان يستجيب الفرد لتعليمات المعالج. كما ان الأخلاق قد تكون ممزوجة بين الفطرية والمكتسبة.

فالنظرية الفطرية للأخلاق تقول : ان الصفات الحسنة والسيئة مودعة في ذات النفس الأنسانية منذ الولادة والطفل يحملها في ذهنه سلفا وقد تتغير بنسب متفاوتة طبقا لأستعداد الطفل و نوع بيئته و اخلاق معاشريه واسلوب تعليمه.

كما ان هناك نظرية التي لا تدين بالنظرية الفطرية ولا بالأكتسابية انما بالمركبة، وهي ترى ان الصفات الأخلاقية بمجملها تمتزج وتترسخ وتكبت في اغوار النفس منذ الولادة لكنها تنصقل وتتبلور بالتدريج وتظهر للعيان في اخر المطاف، لكن على كل حال يعطي

بعض علماء التربية للأنسان الحظ الأوفر في تكوين الأخلاق الفاضلة، كونهم يعتقدون في ترجيح صفة الخير على صفة الشر في الطبيعة البشرية، فالأنسان حسب تصورهم مفطورعلى نزعة الخير، بينما يعتقد الفيلسوف الصيني هان فيني، 233 ق م،

ان فطرة الأنسان في الأصل هي فطرة شريرة, ومن المتعذر عليه ان يهتدي بغير قوة السلطة الحاكمة التي تجعله يدرك ما يضره وما ينفعه، وقليل من الناس يدركون الخير تلقائيا, فلا بد للقانون ان يردع الخطأ.

اقول : انه لا شك فيه ان في مخالطة الأشرار تأثيرات خطيرة على سلوك الفرد وقد يتحول هذا الفرد بمرور الزمن الى شرير, بعدما تهبط صفة الرذيلة الى اغوار نفسه وتستقر فيها, والذئب عادة لا يولد الا ذئبا. فالجيدون من الناس هم اولئك الذين كانوا يخالطون الصالحين و يجالسون المرشدين منذ بدأ نشأتهم , هكذا ساروا في طريق الهداية والصلاح. علما ان الجماعات الأنسانية هم ليسوا دائما على نسق واحد, بل يتفاوتون في طرائق البيئة والتنشئة الاجتماعية و قد يعتريهم احيانا بعض الخلط نتيجة ظروف طارئة, او تغيير احوال المجتمع —

هناك قول مأثور في الألمانية يقول : ” اخبرني اين نشأت، اخبرك من انت ”

* مقتبس من كتاب آراء وافكار للأمام عبد الفتاح امام، والعبارة الاخيرة لكاتب السطور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here