مفهوم السعادة ماذا يعني ؟

مفهوم السعادة ماذا يعني ؟ (*) د. رضا العطار

يعتقد الباحثون في علم النفس ان الاخلاق هي الينبوع الذي يتحدد فيه الخير والشر، فهو في نظرهم شبيه بالقانون الجنائي الذي تحدد مواده انواع المخالفات الجنائية. بيد ان القانون الاخلاقي في نظرهم لا يتضمن عقوبات وضعية بقدر ما يعرض عقوبات اجتماعية عامة. كما وان هناك فريق اخر يستخدم الاخلاق بمعنى اكثر عمومية فهم لا يقصرونه على الضوابط السلوكية في الحياة العملية بل يعتبرون الاخلاق مبحث معرفي يتناول الانماط السلوكية المتباينة في المجتمعات المختلفة، كما يحدث اثره في التكافل الاجتماعي بين ابناء المدينة او القرية الواحدة، فهناك قوانين تحدد ما يقع بالفعل لا ما يجب ان يقع.

وبهذا المعنى نتناول مفهوم الاخلاق التي تسود المجتمع. فالمجتمع الواعي الذي يوفر لأبنائه الطمأنينة والسعادة، يكفل لهم ايضا قدرا كبيرا من التفائل، بيد ان هناك ظروف واوضاع توفر هاتين الصفتين. اهمها الاستقرار الاقتصادي. خذ مثالا : تقلبات السوق بالنسبة للتجار او بالنسبة للعمال اذا كان صاحب العمل في قدرته ان يفصلهم من العمل، معنى ذلك ان الطمأنينة والسعادة لا تتوافران دائما حتى للأغنياء.

ومن جهة اخرى هناك ثمة مدى التزام الشعب بالقوانين. وقد لوحظ ان المدينة لا تتواكب مع السلام الاجتماعي، ولعلك تجد حالة وسطى وهي الحالة المثلى بين البداوة والمدينة، ذلك ان المجتمع في حالة البداوة يكون مهددا بطغيان رئيس القبيلة ومحاولته اخضاع افراده الى سلطته، فالقانون هنا يفقد سلطانه، حيث يصبح رئيس القبيلة هو مصدر السلطات.

وفي الطرف المقابل نجد ان الحياة في ظل المدينة تتسم بالانانية والفردية. وهناك المتربصين بالامنين من الناس، وهناك المجموعات الخارجة على القانون، وهناك من يعمل على زلزلة الاستقرار وملاشاة السعادة من قلوب الناس.

ففي جميع المجتمعات التي تجعل قيمة المرء في ذاته وليس فيما لديه من عقارات او ارصدة نجد ان نفحة السعادة اكثر رسوخا وثباتا واستمرارا من المجتمعات التي تقاس قيمة الانسان بالمال. فالشخص في تلك المجتمعات التي تجعل القيمة للانسان نفسه يحس ان من حوله لا يقيمون وزنا لأي شئ مباين لشخصه او لجوهر كيانه بل هم يحصرون كل القيمة فيه شخصيا انهم يحافظون عليه شخصيا ولا يرضون عنه بديلا.

وكيف يستطيع الواحد من الناس ان يطمئن ويكون سعيدا وهو متأكد من ان من يتقربون منه انما يتقربون لاجل الحصول على بعض ماله وانه اذا ما حدث وخسرذلك المال فان الجميع ينصرفون من حوله، حتى الاغنياء من اقرانه واقربائه.

فطالما ان المال وحده هو المحك الاول والاخير للقيمة التي تعطى للمرء الحائز عليه، فلماذا لا يموت الغني لكي يوزع ماله على مستحقيه ؟ واذا كان الشخص فقيرا فلماذا لا يموت حتى يوفر النقود التي تنفق عليه ؟ . فطالما هو خلو من المال فهو في نظرهم خلو من اية قيمة، فالأجدر به ان يموت. ومن هنا فان افراد هكذا مجتمع مادي غير انساني وهزيل الذي يسيره نظام الظلم الاجتماعي، لا يقيم للانسان وزنا يتعذر عليهم ان يحسوا بالاستقرار والسعادة .

ومن جهة اخرى ثمة ظروف واحداث مفاجئة سواء كانت من عمل الطبيعة كالزلازل والفيضانات والبراكين او من عمل الانسان كالحروب التي تجعل الحياة قلقة، ينظر الفرد الى الدنيا بمنظار اسود. فالمجتمع الذي يتعرض الى مثل هذه الكوارث يعجز من توفير الاستقرار والسعادة لافراده.

واخيرا نجد ان نوع التربية التي يتبعها المجتمع مع الطفل يعين بعدئذ سلوكه وحالته النفسية وبالتالي سعادته في ذلك المجتمع. فالاباء الذين يتبعون في تربية اطفالهم اسلوب الضرب والتأنيب وتثبيط الهمم وعدم التشجيع وابراز العيوب والاخطاء، فان الاطفال بعد ان يكبروا لا يستطيعون استرداد ما سبق لهم ان فقدوه من طمأنينة وما خسروه من سعادة، ذلك ان الطمأنينة والسعادة كالنبتة الطرية التي لا يمكن ان تستحيل الى شجرة يانعة مثمرة، الا اذا تم تعهدها بالري والعناية الكافية منذ غرسها.

* مقتبس من (كتاب فن الحب والحياة) للعلامة سلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here