باب الشيخ حافلة التاريخ…ج22

باب الشيخ حافلة التاريخ…ج22

الثقافة الفيلية

الذاكرة الثقافية الفيلية في منطقة باب الشيخ معروفة وهي كانت في البداية حسينية الكورد الفيلية الصغيرة الواقعة في منطقة عكد الأكراد في احدى فروعها الضيقة في”الدوكجية” وهو بيت صغير قائم لحد الان ولكن ايل للسقوط لقدمه وشيده المرحوم الشيخ مصطفى الطالب واسمه الكامل مصطفى بن اسد (اسعد) كركوكلي بن الحكيم عبد الله ديار بكري من عشيرة (اللك) المعروفة وقد ولد الشيخ الجليل في محلة سراج الدين عام 1879 ودرس مبادئ العلوم الدينية على يد العالم الفاضل المرحوم عبد الحسين البغدادي في جامع الهادي بادي -الواقع- في (عكد القشل) ببغداد ولقب بالطالب لحرصه الشديد على طلب العلم وحصل على شهادة اجتهاد علمية في الفقه والتفسير ودرس الطب القديم وتفسير الاحلام وكان يجيد اللغات العربية والكوردية والفارسية والتركية وله مؤلفات في الفقه والارشاد الديني والطب القديم “وقد اشتهر الشيخ مصطفى الطالب بالجلسات والامسيات التي كان يعقدها في حسينيته التي كان يُجتمع فيها للاستفادة من علومه ، في مدار السنة ، بجمع غفير من من ابناء الكورد الفيلية ،رغم ان الكثيرون منهم كانوا قد انتقلوا الى مناطق اخرى في اوخر الخمسينات والستينات قبل وفاته آنذاك من عكد الكورد في بغداد الى مناطق واحياء اخرى مثل الكاظمية والعطيفية والحرية والثورة وبعد تاسيس حي جميلة والعقاري ايضاً والكرادة بعد ان تحسنت امورهم المادية ولم يمنع بُعد هذه المناطق عن الحسينية من المجيء على مدار السنة وتمضية امسيات وجلسات في معية الشيخ مصطفى يتبادلون خلالها احاديث دينية ويطلعون على الامور الدينية والفقيه ، وقد يثم التطرق الامورالمختلفة وتتناول كل شؤون الحياة ولاسيما الاجتماعية والثقافية والتاريخ والسياسة والامورالمفيدة لاسيما وان الظروف السائدة في ذلك الزمان كانت حساسة ، ولم تتوفر مكانات ونوادي او وسائل اتصالات يمكن الاستفادة منها للحصول على اي معلومة إلأ بالطرق المباشرة من الجهة ذاتها.. والاستفادة من الارشادات التي كانت تصدر منه لتصل الى النفوس الحاضرة من مختلف الطبقات المجتمع.

وبعد إكمال الشيخ الدراسة وتخرجه بدرجة مجتهد وبتفوق على يد سماحة المرجع الكبير السيد ابو الحسن الاصفهاني (رحمه الله) وتم اعطائه الوكالة في الارشاد و الوعظ في المحلة واتخذ من المسجد مكاناً للتبليع أواسط الاربعينيات من القرن التاسع عشر والبناء لازال موجوداً حتى يومنا هذا ولكن افل نجمها بعد ان تم تاسيس حسينية الاحمدي الكبيرة للكورد الفيلية والواقعة على مسافة قريبة من تلك الحسينية في نفس “عكد الأكراد و”التي شيدها الحاج أحمد الأحمدي عام 1941 ومازالت باقية حتى الآن بجهود الخيرين من هذا الطيف الذي عرف بالاحسان والصدق والامانة والايمان ومحبت اهل البيت (ع) وقد تمت اضافات مختلفة على الحسينية طوال هذه السنوات من الامام ومن الخلف بعد الحاق دار صغيرة تعود الى احدى الخيرات الفيليات ( حبيبة القيتولي) رحمة الله عليها والتي تبرعت به في الستينات من القرن الماضي ومن ثم تم توسعة الحسينية بعد اضافة ارض اخرى من الجانب الايمن لها تبرع به الخير المرحوم جبار حسين ميرزا “ابو عادل” رحمه الله بعد ان اشتراها من المزاد الذي قامت به البلدية وتم تسجيلها في الاوقاف باسم الحسينية في اواخر السبعينات قبل التسفير واصبح جزء منها مخزن ومطبخ لاعداد الاكل و الشاي والقهوة في المناسبات والوفيات في الثمانينات من القرن الماضي بعد ان كان الطبخ يتم في السابق على سطح الحسينية وهي تعد من اكبر واهم الحسينيات في المنطقة وتقام فيها التعازي ايام العاشوراء الحسيني ويشارك فيها ابناء المنطقة من مختلف اطيافهم .

المجتمع الفيلي والثقافة الكوردية الفيلية ثقافة متفتحة ومسالمة ومتسامحة بعيدة عن التطرف والتعصب والعنف والانتقام والثأر وثقافة الموت لأن ثقافتهم هي ثقافة الحياة. لذا لم يبرز في صفوفهم داء الإرهاب. . وهناك تطور وتسامح ملحوظ في تقاليد وعادات ومراسم الزواج. والمدرسة الفيلية التي تأريخ تأسيسها في العاصمة بغداد في عام (1947 من المظاهر الثقافية المهمة والتي أسستها هيئة من الكورد الفيليين من الحاج أحمد الاحمدي وشقيقه حاج مراد و نوخاس مراد وجاسم ناريمان ومحمود نريمان والحاج شكر محمد رضا والحاج محمد شيره والمرحوم عزيز شيره وابراهيم بشقه وعبدالهادي عزيز .والحاج علي حيدر والد المناضل عزيز الحاج حيث كلف بحكم علاقته بوزير الداخلية سعيد قزاز لأخذ الموافقة بتأسيس المدرسة) وقد نقلت بناية المدرسة لبناية عائدة للمرحوم نوخاس مراد وهي قائم لحد الآن والذي أوصى بالملك في حالة وفاته لجمعية المدارس الفيلية و. افتتحت المدرسة أصوليا وحسب القانون التربوي وكانت تمول ذاتيا من تبرعات مختلفة بصورة علنية واحيانا بصورة سرية من تجار كورد وتبرعات من أغنياء معروفين ومن أجور التلاميذ الميسورين ماديا. وأسست (جمعية المدارس الفيلية)المدرسة الابتدائية أول الأمر عام 1947 ومن ثم ( المدرسة الثانوية الفيلية الاهلية )عام 1958 وتم اختيار السيد مهدي سي خان اول مدير لها واخرين ساهموا معه رحمهم الله وسعوا الى حل القضايا الاجتماعية التي كانت تحدث بين أفراد الطائفة في بغداد ولغيرهم وإعفاء الضعفاء من أجور المدارس دون وتوسعت خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي ووصلت الى قمة ازدهارها وتخرج منها المئات من الطلبة من مختلف فئات المجتمع دون تمييز على حساب الدين او المذهب ودرس فيها من الاساتذة المخلصين في عطائهم والتفاني لتطوير الطلبة بالتدريس ووجبتين الصباح والعصر وتقديم ما أمكن من وسائل الإيضاح وكانت المدرسة مشهودة لها في النشاط الرياضي حيث قدمت الكثير من الابطال الى المنتخبات الرياضية العراقية والعقول والكفاءات العلمية ، ولكن الاقبال عليها أصابه الفتور بعد ان غادر المنطقة اعداد من الكورد الفيلية الى مناطق اخرى او الانتقال الى المدارس الحكومية وقل عدد طلابها واصابتها ازمة اقتصادية خانقة بسبب ضعف مواردها المالية و عدم تمكنها من دفع رواتب ملاكها التعليمي وموظفيها . وبلا شك لقد أثبتت تجربة المدارس الفيلية نجاح العمل المشترك بين الكورد الفيلية اذا شعروا بالمسؤولية الجماعية تجاه شريحتهم ومجتمعهم وكانوا مستعدين للعطاء والتضحية ونكران الذات والتواضع والتسامح والانسجام والتعاضد من أجل هذه الطائفة ومن أجل قضايا المجتمع العامة المشتركة.واليوم الكورد الفيلية هم جزء مهم المجتمع العراقي وعلى استعداد لتقديم الدعم للمسيرة الديمقراطية في العراق الجديد، بالاعتماد على نخبتها المثقفة وعن طريق وسائل الإعلام المتوفرة والتي تلعب اليوم دورا كبيرا للحفاظ على سلامة الوطن وشعبه و يمكنها أن تلعب بدور أساسي في تعزيز اللحمة الوطنية وترسيخ مبادئ الديمقراطية وحقوق المواطنة الحقيقية.

عبد الخالق الفلاح

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here