“عيني رأت النور”

زينب لعظم
مسؤولة ميدانية بمشروع Farmer to Farmer
مؤسسة الأطلس الكبير مراكش
كتب هذا المقال عن تعاونية تمغارين أكادير تساوت المتواجدة بجماعة مولاي ابراهيم  بإقليم الحوز، جهة مراكش آسفي، في زيارة ميدانية لفريق مشروع من فلاح إلى فلاح.
لم تكن فاطمة سعيدة في بيتها الجميل، سكون المكان من حولها يؤرقها، إذ تتقلص كل الحركات بمنطقتها بين خروج الأزواج صباحا للبحث عن لقمة العيش، وصوت النساء وهن يسرن إلى العائلة أو الصديقات في زيارات متوالية، تدرك فاطمة أنها لا تجدي نفعا ولا تخلو من كثرة القيل والقال…
لقد أحست وفي النهاية بفضول كبير تجاه حياة الناس خارج هذا المحيط المنغلق، أرادت أن تعرف كيف يعيشون؟ كيف يفكرون؟ من أين يكسبون قوتهم؟ وأين ستذهب في رحلة البحث عن ضالتها؟

استقبلتنا فاطمة في عالمها الصغير بدوار أكادير تساوت -جماعة مولاي ابراهيم- صباح 14 أبريل 2021، وهي في كامل حيويتها للإلتقاء بممثلي مشروع من فلاح إلى فلاح في مكان يجسد لها سنوات الصبا وحلم الكبر. هذا المكان الذي أصبحت تتردد عليه كل يوم وهي تتفحص نباتاتها العطرية ذات الرائحة الفواحة، وترى من خلاله الحلم الذي يراودها لسنوات عديدة.

وفي ظل تلك الأنسام الطرية صباح ذاك اليوم المشرق فتحنا الحديث مع -فاطمة- وأعضاء تعاونية  تمغارين أكادير تساوت التي تأسست من حوالي 4 سنوات، والتي تشرف عليها الآن بسند من نساء المنطقة.

بدأت تحكي -فاطمة- بكل تلقائية وهي تروي لنا قصة انطلاقتها “لقد كانت أسئلتي كثيرة، أطرحها أحيانا على بعض الجيران فغالبا ما أحصل على إجابات وردود أفعال سلبية من الجميع”.

تستأنف كلامهاوهي تبتسم “ثم أسأل نفسي من جديد، لماذا كل هذا الصد؟ فأصبح أكثر تصميما من ذي قبل على البحث عن إجابات لتساؤلاتي، إلى أن بدأت أكون علاقات خارج محيطي، و كنت أحصل في البداية على ذات الإجابات وردود الأفعال السلبية.

وبينما يسيطر علي شعور الإحباط صادفت  وأنا في طريقي، إعلانا عن معرض سينظم بمنطقة تحناوت، وهنا عزمت أن أبحث عن سبل المشاركة فكان كل ما طلب مني أن آتي بمنتجاتي، وأدفع رسوم الرواق لعرضها”.

تضيف السيدة -السعدية- بكلمات تعطي الحياة نورا وإشراقا، إنها أم فاطمة ومشعل أملها داخل غربة الحلم الذي طالما راودها، فتحكي بصوتها الدافئ “شجعت فاطمة كثيرا للبحث عن فرصتها، لأنها لم تتمكن يوما من تحقيق أي نوع من السعادة أو الرضا الداخلي أمام طموحها، ولا زلت أذكر أنها أتت ذاك اليوم وكلها دهشة وحيرة، وهي تبحث هنا وهناك عن أشياء جميلة لتعرضها في المعرض، فلم تجد سوى بعض الزرابي التي كانت تصنع بنفسها بما لديها من ذوق ومهارة”.

تتدخل -فاطمة- بتعبيرات تبين مدى حبها وتمسكها بأصالة منطقتها، إذ أنها لا تريد أن تنجح في مجتمع جديد، بل هي تطمح لإحياء كل شيء جميل وتراثي بداخل قريتها التي أضحت راكدة بعض الشيء، فتقول “لقد تمكنت فعلا من النجاح بمشاركتي في المعرض بالزرابي التقليدية كما أردت، إلا أنني سارعت مباشرة في البحث عن أكثر ما يميز بلدتي فأيقنت أنني لن أجد أفضل من الكسكس الذي نحضره بأيدينا، والذي تقام له عادات طقوس خاصة في منطقتنا، شكلت منذ زمن بعيد موروثا ثقافيا قد بدأت تدفنه الأيام، إذ يجتمع كل أفراد الدوار بحماس شديد منذ زمن طويل، ويشاركون رجالا ونساء للخروج بأفضل طبق كسكس”.
وعندئذ أشارت فاطمة إلى أن الوقت حان لتشكيل هذه الأجواء داخل المنطقة من جديد، بغية اكتشاف الطاقات الكامنة التي تعشق كل ما هو أصيل وتراثي”.

تابعنا مع -فاطمة- خطى انطلاقتها وهي تعبر بكل اعتزاز عن قيامها بواجبها تجاه منطقتها، وعيناها تتكلمان تارة بالسرور، وتارة بالفخر، وما كان من فريق مؤسسة الأطلس الكبير إلا أن أيد -فاطمة- فيما نهجته بتحديد أولوياتها، وتقديم مقترحات عمل، خصوصا أنها ترغب في إنشاء مشتل لإنتاج الأعشاب الطبية والعطرية، لاستعمالها فيما بعد كاعشاب منسمةات للكسكس الذي يصنع بأنامل نساء التعاونية. ثم توج هذا اليوم بمشاركة الجميع في غرس أشجار الكرم والرمان والزيتون في الأرض التي سيقام بها مشتل التعاونية.

وهكذا سارت فاطمة على مهل نحو حلمها، سارت سير امرأة عاقلة صنعت من دجن الليل قنديلا، إذا ما سألتها كيف سلكت الطريق ستجيبك “عيني رأت النور”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here