متى نصدق الخبر ومتى نكذبه

متى نصدق الخبر ومتى نكذبه : بقلم ( كامل سلمان )

المجتمع بحاجة دوما الى الصدق والحياة نفسها لا نكهة فيها إذا قل الصدق ، لإن الكذب هو معول قادر على تدمير المجتمع وتلويث الحياة ، المشكلة التي تواجه أفراد المجتمع ليس بوجود الكاذبين ، فكل مجتمع مهما تطور وتحضر ستجد هناك من يكذب ولكن المشكلة بمن يصدق الكذب ، الجراثيم تحيط بنا أينما كنا ولكنها لا تخترق الاجساد الا من سمح لها الاختراق وذلك بإهماله للنظافة . كذلك السماح للخبر بتوغله للعقل دون سند قد يصبح سيئه كالجراثيم او أكثر . انا عندما يأتيني شخص ناقلا لي خبر ما ، مفرح او محزن ، فالحقيقة العقلية هو أنني لم أطلع بعد على حقيقة الخبر وكل ما وصلني هو الخبر والخبر انا لم اعرف حقيقته بعد وكل ما أعرفه ان شخص ما نقل لي الخبر وحسب وجهة نظره وحسب اعتقاده فهو بالنسبة لي مازال مجرد خبر . فلا يجوز ان أبني قرارات عليه أو أتخذ مواقف بخصوصه فإن فعلت ذلك فأنا من الجاهلين . المجتمعات المتحضرة فيها من الكاذبين مايفوق اعداد الكاذبين في مجتمعاتنا أضعافا مضاعفة ولكن من يصدق الكاذبين في تلك المجتمعات هو الفرق بيننا ، فهم لا يصدقون الخبر الا بدليل مهما كان صاحب الخبر او المنقول عنه عنده من منزلة ومكانة في قلوب الناس ونحن نصدق الخبر بل ونعتبره خبر يقين وبلا دليل ، هذا السلوك يتناقض مع المنطق العقلي والحضاري والأخلاقي وحتى مع الدين ، ولنأخذ مثل من القرآن الكريم . في سورة النمل عندما سأل النبي سليمان ع عن سبب غياب الهدهد فجاءه الهدهد بالخبر اليقين ( وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) الاية ، والهدهد هو أحد جنود سليمان ع والنبي يثق به ثقة كبيرة فهو من الثقاة ولكن عند قبول الخبر فإن الثقة لا مكانة لها ، فهنا يأتي رد سليمان ع وهو الرد العقلي والمنطقي بدون اي ميول او عواطف في قوله ( قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) الاية ، فقد وجد سليمان ع طريقته في كشف حقيقة الخبر ولم يكتفي بسماع الخبر وتصديقه رغم ان الناقل للخبر من الثقاة ، هذا هو التصرف الطبيعي للإنسان العاقل وهو ان لا يصدق الا مايثبت صدقه فكذلك يفعل القضاة عند مواجهة المتهم فإذا كان المدعي لا يمتلك أدلة إدانة كافية تقنع العقل مع الشواهد فهنا يكون المتهم بريء .. هذه واحدة من اكبر عيوب مجتمعاتنا ان نصدق الكلمات الممزوجة بالعاطفة الخالية من اي دليل ملموس او دليل عقلي ، فأصبحت عقولنا رهن أشارة من أمتلك القدرة على التلاعب بها وترويضها فأصبحنا كالقطيع الحيواني تقاد الى حيث يشاءون بنا بمجموعة كلمات عاطفية او ثورية او دينية على ان يلقيها على مسامعنا من أمتلك مؤهلات الالقاء من لسان ولباس . والأغرب إنه في مجتمعاتنا نصدق الخبر المنقول عن سلسلة من الناس لم يعيشوا زماننا ولم نعرفهم اصلا ونعتبر ذلك الخبر وثيقة رسمية ونعتبره اساس متين وشاهد ومرجع لمعتقداتنا فمن اجله تؤلف عشرات الكتب ومئات الدروس والمحاضرات لكي يتم ترسيخه وتثبيته وتسفك الدماء وتزهق الأنفس لأجله . فأين نحن من المجتمعات الأخرى وأين نحن من العقل والمنطق بل وأين نحن من القرآن ، فهل نظن بأننا نفعل خيرا ، اي منطق وأي نوع من البشر نحن واين مكانتنا وبماذا نباهي الأمم بتصديق الكذب او تصديق ما لا يجب تصديقه ، أنا لا أريد الطعن بطريقة معيشتنا وطريقتنا في التفكير ولكن هذه من اكبر المساوىء التي ورثناها ونحاجج بعضنا بعضا بها وكأنها الحق المبين ولا نسمح لأنفسنا بإعادة النظر بها فهي مستمرة شئنا ام أبينا وان استمرارية الأوجاع والدماء والتخلف لا مناص منها . ان فكرة التصديق والتكذيب هي ليست فكرة اختيارية او إعجابية او مزاجية لكي اقبلها او ارفضها فشروط القبول والرفض غير متوفرة نهائيا فالمسألة هي مسؤولية جيل امام جيل قادم سيتحمل ثقل تبعات التصديق او التكذيب مثلما دفع ثمنه من سبقنا ونحن ومن هو آت من قتل للأبرياء على أيد المغفلين الجهلاء ، لقد تركتمونا نتصارع ونتقاتل في هذا المضمار وتركتم شعوب العالم تتسابق في مضمار الفضاء مضمار العلم والتكنلوجيا .. ان ثقافة التصديق والتكذيب اصبحت لكثير من الأمم شيء من الماضي ليس له حيز من الوجود في حاضرهم اما مجتمعنا فهو يغرق بالفوضى والدم وان من يعمل على نشر هذه الثقافة انما هو الشيطان نفسه انما هو الشر نفسه انما هو التخلف نفسه فلا ينبغي قبوله ولا ينبغي السماح بتداوله فهذه مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا يجوز التراخي امامها ، فإذا أردنا التفكير الصحيح فهذا هو التفكير الصحيح وإذا أردنا التفكير العلمي فهذا هو التفكير العلمي وإذا أردنا التفكير القرآني فهذا هو التفكير القرآني فمالنا نقف صاغرين امام عقول المروجين لهذه الأساليب النكرة ونحن معانا الله بكتابه الكريم ومعانا ضمائر العقلاء ومعانا كل ماهو صحيح فهل السكوت بعد هذا ينفع .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here