العصر البربري….!

العصر البربري….!

مريم عادل

لاشك أننا جميعا الا ما رحم ربك نعيش اليوم في عصر التفاهه، وأعتذر إن كانت هذه المفردة جارحة لمشاعر القراء، اعتذر ان كانت ثقيلة على أسماع الكثير منهم ،الا أنه الواقع المرير ياسادة ياكرام فنحن في زمن اللامبالاة واللامسؤولية واللامشاعر واللااحاسيس الا ما ندر ، نحن في عصر الضياع بإمتياز ، عصر اللهاث خلف المتع الدنيوية والسطحية والمادية، نحن في زمن تستيقظ فيه كل حواس الجسم واعضائه الحيوية بإستثناء العقل فإنه يرقد في سبات عميق ولربما وضع على بابه عند بعضهم يافطة مكتوب عليها “نرفض التنبيه والازعاج ، العقل هاهنا يرقد بسلام وفي حالة استرخاء تام ، الرجاء طرق الباب في وقت آخر” ولسان حاله يردد ما قاله المتنبي قديما :
انام ملء جفوني عن شواردها ..ويسهر الخلق جراها ويختصم
قبل ايام كنت اتصفح لا على التعيين بعض مواقع السوشيال ميديا فظهر لي منشور لواحدة من الفاشينيستات، وكانت تقدم برنامجا مملا في الفترة الصباحية وما هي الا ثوان معدودة حتى تولدت لدي قناعة تامة بأنها شخص طارئ على المهنة ، لقد كانت في غاية الغبطة والسرور والغرور في آن واحد وهي تتباهى أمام متابعيها بحصولها على تسعة ملايين متابع بغض النظر عن حقيقة الرقم وهل يتضمن متابعين وهميين أم لا ، انتقلت بعدها الى منشور ظهر لي في أعقاب الاول فكان منشورا رصينا لإنسانة مرموقة وكاتبة مقالات رائعة ولها مكانه ادبية لا بأس بها ، فدفعني الفضول للاطلاع على عدد متابعيها فوجدته لا يتجاوز التسعمائة الف وهنا كانت الصدمة التي لم استفق منها حتى حين اذ كيف يتسنى للاولى السطحية ان يتابعها عشرة اضعاف الكاتبة المحترفة يا للهول ..يا للكارثة !
حينها تيقنت بأنني لو صادفت احدا ممن يدعون انهم نجوم في عالم الشهرة والانتشار على مواقع التواصل وسألتهم ” ترى ماهي قيمة المحتوى الذي تقدمونه لجمهوركم وما فائدته بالضبط ؟” فإني حتما كنت سأقابل بسخرية عارمة ليس من الشخص نفسه وانما من معجبيه وممن يدور كقطب رحى من حوله ، من تلكم الفراشات التي تدور حول أضواء الشهرة والمشاهير لتحترق بنارها، وسأكون ساعتها اشبه بشخص قد تجاوز الحد وتجرأ ليتعرض الى المقدسات والتابوهات بسوء على وفق زعمهم ومن وجهة نظرهم ليس الا !!
حقا نحن في زمن التقديس الاعمى على لاشيء وفي كل شيء ..نحن في زمن السعي وراء كل شيء رائج ، وانى بأوطاننا ان تزدهر وسط هذا الكم الهائل من التقليد غير المشروط وتلكم الفوضى اللاخلاقة ، انها الخيبة الصادمة ولاريب في ذلك !
هناك فئات من المجتمع تثير انتباهي بكونها لاتفتأ تتغني بتجربة الغرب الاجتماعية وتحاول تسويقها على انها تجربة ناجحة ، وقد اختلف أو اتفق معهم في ذات الوقت ، فهي ناجحة في مابينهم كأفراد ، لكنها فاشلة داخل الاسرة والعائلة الواحدة ، انت تجد عندهم الكثير من العقد والامراض النفسية والمظاهرغير الطبيعية و غيرالمألوفة ، فيما هم يلتزمون بالضوابط المجتمعية لاحبا بها وانما خوفا من العقوبات المادية المفروضة على مخالفتها، بمعنى انهم اناس قد تربوا على المادة وعلى فلسفة ” كم عندك ” وهو نفسه الكم الذي تساويه شخصيا عندهم ، فقد تعاملت مع اجانب في مواقف متعددة وبمواضيع مختلفة وكان ينتابني الشعور ذاته في كل مرة ، وبعد الانتهاء من كل مقابلة كنت اكتشف ان أنسانيتهم انسانية سطحية ، واحيانا مسرحية تكاد ان تكون مدروسة للوصول الى غاية ما ، اما من هو امامهم فلايهمهم ان كان فرحا او حزينا او مغلوبا على امره قط !
ومع كل هذه الحقائق تجد عددا لا بأس به ممن حولنا وهم يقنعون انفسهم بإستنساخ وتقليد تجربة الغرب بحلوها ومرها ، بصالحها وطالحها ، ومحاولة تسويقها محليا ، ولايكاد احدهم يتوقف عن تكرار عبارة ” نحن ولو بعد الف سنة لن نتمكن من الوصول اليهم !” وهذا لعمري هو الاتباع والتقليد الاعمى الذي ينعدم فيه البصر والبصيرة وتضيع في خضمه الغاية الصحيحة والوسيلة المثلى للوصول الى الخطوة الاولى في طريق الالف ميل والى خط الشروع الاول في الطريق القويم الطويل !
برأيي المتواضع فإن اغلب الخراب الذي حل بوطني على الاقل انما هو مخاض ثقافة الحرية الزائفة التي خدعوا شعوبنا بها ، ثقافة انا وليكن بعدي الطوفان ، فلم يعد هناك احترام لكبير ولا عطف على صغير ، ولا بر بأب ولا أم ، ولا صلة ارحام ولا تعاضد ولا تعاون بين ابناء الاسرة الواحدة ، كما كان الحال عليه الى وقت قريب وصار كل واحد منا يعيش عالمه الخاص المتوهم متأثرا بهذا الغرب ، فيما الغرب ذاته يشكو تفككه وضياعه ورأسماليته البشعة وماديته المقيتة ويتمنى ان يعود الى مفهوم العائلة الكبيرة والاسرة النواة بدلا من الفردانية والانانية التي تعم العالم حاليا والتي وقعت البشرية في شراكها وقد لا أستثني احدا بمن فيهم كاتبة السطور ، فنحن جميعا جزء لا يتجزأ من واقعنا المرير الذي يستلزم التصحيح والاصلاح والتغيير عاجلا غير آجل ومن الله التوفيق ….!
في امان الله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here