“واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”

“واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”

انها سنة الله في خلقه منذ ان خلق ادم اذ منح له الاختيار بين الخير والشر فهداه الى الطريق الاول وحذره من الثاني. فقد امره وذريته بالطاعات واتباع منهج الله في المعروف والخير والاحسان والامانة والوفاء والاخلاص والتسامح والعدالة والعلم. فاخذ منهم ميثاقا عندما سألهم في عالم الغيب الست بربكم فكان الجواب الفطري بلى “واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلون. او تقولوا انما اشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم افتهلكنا بما فعل المبطلون”.
ثم ارسل الرسل والانبياء ليجدد العهد بالتوحيد وليقطع اي عذر للانسان بحجة جهله. لكن حكمة الله اقتضت ان يمنحه حرية الاختيار. لكي يحاسبه يوم القيامة على اختياره على علم وبينة ولانه يعرف بان عاقبة الشرك والسوء والمنكر والفحشاء النار وعاقبة التوحيد والخير والاحسان والعدل الجنة.
من المعروف بان الله لا يامر بالفحشاء والمنكر وقد سبق ان حرم الظلم على نفسه وعلى عباده. فهذه الاية الكريمة تذكرنا العذاب الاليم كعذابات قوم عاد وثمود ونوح ولوط. اذ امرهم الله عن طريق رسلهم باتباع منهج الله في توحيده. وسلوك طرق الصدق والامانة والوفاء والاقلاع عن الفحشاء. لكن هؤلاء الاقوام فسقوا عن امر ربهم ولم يطيعوه لذلك عجل عليهم العقوبة في الدنيا قبل الاخرة.
ان هذه الاية الكريمة تذكرنا بضرورة مراقبة انفسنا حكاما ومحكومين. فاولئك المترفين الذين سيطروا على مقدرات اهل القرية امرهم الله باتباع الهدى والخير والمنهج التوحيدي. لكنهم وبمحض اختيارهم سلكوا مسلكا معاكسا لمنهج الله. ففسقوا فيها وعاثوا في الارض فسادا. لهذا حق عليهم عذاب الله الاليم الشديد الذي استأصلهم ودمر قريتهم تماما جزاءا لسوء اختيارهم. وعذب معهم شعبهم لانهم اطاعوا اولئك المترفين الفاسقين.
ان القران الكريم بسوره واياته وكلماته صالح لكل زمان ومكان. والكثير من اياته تحاكي الواقع المعاش في الدنيا لكل العصور. فالاية التي هي عنوان مقالنا تؤكدها ايات اخرى منها “وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”.
لو طبقنا هذه الايات على واقعنا العراقي والعربي بصورة عامة. لوجدنا ان تلك الايات تفسر واقعنا الحالي. رغم ان تلك الايات نزلت على رسول الله قبل اكثر من اربعة عشر قرنا خلت. فبعد ان كفر العراقيين برزق الله الذي وهبه للعراق منذ نهاية ثلاثينيات القرن الماضي حيث الثروة النفطية اضافة الى خيرات الزراعة ومياه الانهار الحلوة. وفتح الله عليهم الرزق لكنهم كفروا بتلك النعم. وبدات تنتشر الانانية والابتعاد عن قيم الاسلام الاساسية كالصدق والامانة والوفاء والعدالة والتسامح والعلم والمعرفة الخ.
امهلهم الله كثيرا فبدات انانية الحكام ونسيان المواطنين واجبهم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. عندما كفر العراقيون بانعم الله جاءهم المترفون الامريكان وسلطوا عليهم اذنابهم الشعوبيين الموالين لايران فجعلوا الجوع والخوف لباس دائم للعراقيين منذ اكثر من 18 عاما. بعد ان انتشرت الرشوة والسرقة على اوسع نطاق من قبل الحكام وكثرت شهادة الزور والغش والكذب. لم يامرهم الله الا بالخير والصدق لكنهم ابوا ذلك. لم يحصد العراقيون والعرب اليوم من ذل وهوان الا نتيجة اعمالهم وكفرانهم نعم الله عليهم.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here