فلان أبو العراق:
المتابع للتجربة التركية الحديثة وخاصة بعد اعلان النظام الجمهوري في 29 اكتوبر 1923والغاء كل ما يتعلق بشيء اسمه الخلافة وايقاف عمل كافة المؤسسات اللاهوتية, فهي تجربة فريدة ومتميزة نحو الديمقراطية والعلمنة هذا اخذين بنظر الاعتبار ان تركيا كانت وقبل زمن ليس بالبعيد حاملة لراية الدولة العثمانية واخر عصور الخلافة وللتطرق الى التجربة التركية والدولة الحديثة لابد لنا من ذكر اسم مصطفى كمال اتاتورك المولود في 12اذار عام 1881 في مدينة سالونيك اليونانية ومصطفى علي رضا هو اسمه الحقيقي اما اسم كمال فقد منحه له مدرسه في الرياضيات وذلك لتفوقه ووصوله لدرجة الكمال العلمي اما اتاتورك فقد منحها اياه الشعب التركي عام 1943 عندما اعطاه البرلمان الوطني لقب اتاتورك وتعني(ابو الاتراك).
كمال اتاتورك هذا اللقب فقد منحها اياه الشعب التركي عام 1943 عندما اعطاه البرلمان الوطني لقب اتاتورك وتعني(ابو الاتراك).
دخل اتاتورك احدى المدارس العسكرية المجانية ليتخرج منها عام 1905 ضابط اركان حرب برتبة نقيب. وعندما بلغ سن الثلاثين من عمره، اندلع النـزاع التركي الإيطالي حول ليبيا. فتـألّق نجمه في ليبيا (1911 و1912). وبعد تحالف تركيا العثمانية مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى كان له الدور الكبير في الدفاع والذود عن مدينة اسطنبول ومضيق الدردنيل ضد القوات الانكليزية والفرنسية، وقد قدرت خسائر الإنجليز والفرنسيين في معارك الدردنيل سنة 1915 حوالي 150 ألف جندي، وقاد الجيش التركي عند دخوله في منطقة القوقاز الروسية. فتغير مجرى الحرب العالمية بكاملها في مضيق البوسفور والدردنيل. وقد عرفت هذه الهزيمة الغربية أمام الجيش التركي بقيادة الضابط مصطفى كمال بحملة غاليبولي.
وحصل على رتبة جنرال عام 1916 وعمره 35 سنة و في السنتين التاليتين خدم كقائد للعديد من الجيوش العثمانية في فلسطين و حلب ، في 23 ابريل 1920 تأسس مجلس الأمة الكبير وانتخب مصطفى كمال لرئاسته. في نهاية شهر اب عام 1922 منح المجلس الوطني مصطفى كمال لقب رئيس الاركان برتبة مارشال و وفي نفس الفترة ربحت الجيوش التركية حربها النهائية خلال اسابيع عدة و اصبحت الارض التركية الرئيسية محررة بالكامل و تم توقيع الهدنة و انتهي حكم السلالة العثمانية الى الابد.
حكم اتاتورك 15 عاما كانت مليئة بالأحداث والمتغيرات لترسم مستقبل تركيا الحديثة.
ومن اهم انجازاته :
• في 3 اذار1924 تم الغاء الخلافة الاسلامية وفصل الدين عن الدولة وجعل نظام الحكم والتعليم نظاما علمانيا.
• في عام 1925تم منح مكانة وحقوق للمرأة وكان سباقا في هذا الانجاز على العديد من الدول الاوربية مثال على ذلك حصولها على حق التصويت في الانتخابات وبإقدامه على هذه الخطوة الجريئة يكون قد سبق بعض الدول الاوربية في ذلك ومن ضمنهم فرنسا التي منحت نفس الحق للمرأة عام 1945, وتم تشريع قانون لنزع حجاب المرأة اضافة الى منع تعدد الزوجات.
• في عام 1926تم ادخال الاصلاحات القانونية وتم ادخال القانون السويسري مع بعض التغيرات ليتلاءم مع الواقع التركي وايضا القانون المدني والتجاري وقانون العقوبات.
• احدث ثورة في طريقة اللباس لا غيا لبس الطربوش وهناك حادثة حصلت بعد صدور التعليمات بإلغاء لبس الطربوش كان اتاتورك يحضر حفلا لممثلي الهيئات الدبلوماسية ومن ضمنهم سفير مصر وكان يرتدي طربوش فصرخ فيه قائلا (قل لملكك اني لا احب هذا اللباس)
• تبنى الحروف اللاتينية عام 1928.
من اهم الاسس التي اعتمد عليها اتاتورك في بناء دولته الجديدة هي :
الجمهورية ,الوطنية, الشعبية ، الاصلاح والعلمانية والجدير بالذكر فان الاصلاحات والثورة التي قادها اتاتورك كان لها بعض الجذور في الحكم العثماني قبل اتاتورك حيث قضى السلطان محمود الثاني على الإنكشارية العثمانية سنة 1826 وأمر باتخاذ الزيِّ الأوروبي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء وأصدر السلطان العثماني عبد المجيد منشوراً عام 1839 يسمح فيه لغير المسلمين بأن يلتحقوا بالخدمة العسكرية كما استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية.
وكان للتغييرات الجذرية التي نفذها اتاتورك أثرها الكبير في اطلاق عجلة الاقتصاد حيث بلغ معدل نمو الدخل القومي السنوي نسبة ما بين 7 و9 %، في حين قفز الإنتاج الصناعي الى معدل سنوي 11.5 %. بحيث تضاعفت حصته في الإنتاج الوطني الخام. ومنذ عام 1923، حيث تأسست الجمهورية، وتركيا تمضي بخطوات ثابتة نحو التقدم على مختلف الصعد، الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية حيث يعتمد نظامها العلمانية والديمقراطية وتعدد الأحزاب. وفي عام 1980 بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي بحيث شكل القطاع الخاص عام 1995 نحو 86 % من الاقتصاد التركي، بحيث تنتمي 445 من أصل 500 مؤسسة كبيرة إلى القطاع الخاص، أما نفوذ الاقتصاد التركي فيتلخص في استثمار 24 مليار دولار من الرأسمال التركي في الخارج موزعا بين 22 دولة. أما الاستثمارات الأجنبية بتركيا فبلغت 22 مليار دولار. يتوزع الاقتصاد التركي بين الخدمات بحصة الأسد (62%) ثم الصـــناعة (22 %) فالزراعة (16%).
والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن بحاجة فعلا الى نظام علماني ورجل شجاع وذو تاريخ وطني حافل مثل اتاتورك كي يستطيع ان يسير بنا الى التغييرات والى بناء دولة العراق الحديثة وخاصة ان العراق مهيأ اكثر من اية بلد اخر لتطبيق العلمانية بشكلها الحضاري والايجابي المتميز وذلك للتنوع العرقي والديني والطائفي اضافة الى كون العراقيين من الشعوب التي تتقبل التغييرات الحضارية الايجابية الحديثة اضافة الى شغفهم في حب التعلم والتميز وخير دليل على ذلك وجود هذا الكم الهائل من الخرجين وحاملي المؤهلات العلمية ولكن هل نملك هذه الشخصية الوطنية التي تملك تاريخ وطني حافل وملئ بالإنجازات كي تستطيع فرض اجندتها في التغيير, نحن نعتقد في الظروف الحالية ومع وجود الاحتلال والنفوذ الإيراني وكما يقال ان معظم القادمين الى السلطة قد جاءوا على الدبابة الامريكية ومن خلال هذا المشهد ولكي يظهر لنا فلان ابو العراق نحتاج الى زمن قد يقصر او يطول . فاذا كانت الاحزاب السياسية الدينية حريصة على الحفاظ على القيم الدينية فعليهم تبني النظام العلماني ودعمه، أما إذا أصروا على فرض نظام إسلامي بالقوة، فإنهم سينفرون الناس من الدين كما لاحظنا ذلك في البلدان التي تفرض فيها الدين بالقوة. وبهذا سوف نفقد الولاء المفترض للدولة او للوطن من جميع المواطنين وهو واحد من اهم المقومات التي تهيئ الظرف المناسب للأمن والاستقرار ومن ثم التقدم والتطور والاستقلال ولابد لنا من ذكر ان الحكم باسم الله سوف يولد نظام حكم مطلق يتبنى مواقف جامدة في مجالات الحياة المختلفة ولفرض مثل هذه القوانين المطلقة سوف تضطر الدولة الدينية للتحول من نظام ديمقراطي الى نظام قمعي صرف. وايضا هنا وجب الاشارة على ان الحكم الديني هو ليس حكم الله على الارض ولكن هو حكم الناس باسم الله.
اذا العلمانية لا تدعو للإلحاد كما تحاول التيارات الاسلامية المتشددة تصويرها وهي ليست ضد اية من الديانات وكما يرى د. حسن حنفي العلمانية كرؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الانسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة, مما يعطيها قابلية للتطبيق على الارض والدليل على ان العلمانية هي ليست ضد التوجهات الدينية هو ما نلمسه من مساحة الحريات الواسعة والتي تشمل مختلف الديانات والثقافات وعلى وجه الخصوص المسلمين في البلدان التي تطبق العلمانية وان ما يمارسه المسلمون من تطبيق لشعائرهم الدينية لا يمكن ان يجدوه في اية بلد مسلم .واضف الى ذلك ان الحكم الديني سوف يعبر لامحالة عن مجموعة معينة من المواطنين وخاصة في البلدان ذات التنوع الديني المختلف ويشمل ذلك ايضا حالة كون الغالبية العظمى تنتمي الى دين واحد فنجد في الدين الاسلامي هناك 75 ملة وطائفة وحين سئل العقيد معمر القذافي حول رايه بتطبيق الشريعة الاسلامية فأجاب هل يوجد اثنين متفقين على شريعة واحدة كي يتم تطبيق هذه الشريعة. وهذا ما يراه معظم المجددين في عالمنا العربي والاسلامي ، ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين نستطيع القول ان العلمنة هي ليست بالضرورة بديلا عن الذهاب الى الجامع او الكنيسة.
وان رافضي العلمانية والتحديث تشغلهم كثيرا قضية العلاقة بين العلمانية والدين والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل العلمانية هي ضد الدين ام العلمانية هي مع الدين ام ان العلمانية والدين يسيران بخطيين متوازيين وليس من الصعوبة ان تجد انسانا علماني التوجه وفي نفس الوقت فهو انسانا متدينا والعكس صحيح مع الاخذ بعين الاعتبار ان التدين نسبي ويتأثر بعاملي الزمان والمكان. ويشير محمد سعيد العشماوي الى ان مفهوم الحكم في القران لا يعني الحكم السياسي بل يعني “القضاء بين الناس او الفصل في الخصومات او الرشد والحكمة.
ونحن بانتظار ابو العراق العلماني التوجه والذي يؤمن بان للدين دور في بناء المجتمع وان الحريات لابد لها ان تستند الى قاعدة اخلاقية قوية.
المصادر:مواقع الكترونية وكتب مختلفة
د.عامر ملوكا
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط