المهنية والخوف والحرص هي الحل

المهنية والخوف والحرص هي الحل : بقلم ( كامل سلمان )

هذه العوامل او المبادىء الثلاث هي التي تصنع من العامل في اي مجال من مجالات الحياة النجاح له شخصيا وللمجتمع التطور والازدهار ، المهنية في مجال عمله والخوف من القانون والحرص على إتمام العمل بشكل صحيح وناجح ، فأي مجتمع ناجح متطور تجد أبناء هذا المجتمع لا يفارقون هذه الصفات الثلاث وإذا أختل التوازن في اي صفة من هذه الصفات ظهرت العيوب وظهر الفساد وظهرت الامراض الادارية والعلمية في نتائج العمل . هذه المبادىء تتربى عليها الأجيال منذ نعومة أظافرها فيصبح المجتمع كله راع وكله مسؤول عن رعيته ولا يستثنى أحد منها مهما علت مكانته او سلطته وتبدأ بالمؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية وتنتهي بالقطاع الخاص . ان من يتكل على مبدأ الإنسان وضميره او حليبه هذه لم يعد لها وجود في نهج المجتمعات الحية التي تصارع من اجل المستقبل وبالمقابل فإن المهنية والخوف والحرص لم يعد لها وجود في المجتمعات الميتة التي تعيش على انقاض الماضي . نحن ننظر الى التدين او المعتقد هو الكفيل ببناء المجتمع والإنسان العامل النزيه فهذا سراب خادع لإن الفاسد يتصيد من داخل الدين ويتلبس هذا الثوب السهل لبسه ويخدع به الآخرين ويتصرف بما تمليه عليه نوازعه المنحرفة ولنا تجارب كثيرة في التأريخ والحاضر فالطبيعة الشريرة للإنسان حاضرة امام اي من المغريات المادية والجنسية والسلطوية ولم ولن يكون للضمير او الدين من قوة ردع للنفس الأمارة بالسوء . المجتمعات البشرية عاشت تجارب مماثلة لما تعيشه مجتمعاتنا حاليا وبالنسبة لها أصبح ماض وفهموا السر وفهموا اين العلة والضعف لذلك قاموا بوضع العلاج المناسب ولم يعيروا اهتمام للجاذبيات الشكلية التي يؤمن بها الناس ولم يكتفوا بالتأمل والدعاء وما نراه اليوم من نظام والتزام واخلاق في المجتمعات المتحضرة لم يكن وليدة الضمير او الدين بل وليدة المبادىء الثلاثة التي رسخوها في مناهج الحياة ، ولو رفعنا واحدة من هذه المبادىء في اي مجتمع راقي متحضر سيتحول ذلك المجتمع بقدرة قادر الى انحلال وفساد وفوضى أسوأ مما موجود عندنا بالرغم من الوعي والعلم والالتزام فما بالك ان تؤسس مجتمع يعتمد كليا على الوازع الداخلي من دين وضمير واخلاق دون سلطة القانون ودون المهنية المطلوبة ودون الحرص في النجاح ومحاولة حشر هذه الامور التي هي امور شخصية في مجال العمل ، أكيد ستكون النتيجة كما نراها بأم أعيننا في واقعنا . لا نذهب بعيدا فبالأمس القريب تعرضت المجتمعات البشرية بلا أستثناء الى جائحة كورونا وكل شعوب الارض لم تسلم من هذا الوباء المميت وكان نصيبها بالتساوي من شروره ولكن في المجتمعات المتحضرة صدرت الأوامر للمؤسسات الصحية لإيجاد لقاح يبعد الضرر عنها فتحركت كوادر هذه المؤسسات العلمية الإنسانية بالعمل الدؤوب ليلا ونهارا وبكل مهنية وحرص وخوف من الرقابة الدستورية عازمين على إيجاد اللقاح ولم تمر سوى أشهر معدودة حتى أصبح اللقاح في متناول اليد كنتيجة مؤكدة لهذه الجهود الاستثنائية الجبارة وهذه الكوادر منهم المؤمن ومنهم الكافر ومنهم النزيه ومنهم الفاسد ولكن الكل في العمل اوفياء غير قادرين على التلاعب او التجاهل لخطوات العمل بفضل النظام الذي لا يعطي الفرصة لأي من كان التمادي في عمله فيما جلس أصحاب التدين والضمائر والأنساب متفرجين وناظرين متى تصلهم الصدقة ( اللقاح ) من جهود هؤلاء المبدعين . نعم الدين مكسب شخصي مهم والوازع الأخلاقي مكسب شخصي ولا يمكن ان يكون بديل عن المهنية والقانون والحرص ، فأصحاب التوجه الأخلاقي والتراثي والأنساب لا يسمحون ان يحل التصنيف العلمي الناجح لبناء المجتمع محل ما يريدون استمراريته لإن ذلك يعني فقدانهم لكل المكاسب القذرة التي استحوذوا عليها بدون وجه حق وفي غفلة من الزمان وان التفريط بها يعني كل شيء انتهى بالنسبة لهم ولأجيالهم بعد ان صاغوا المئات من الروايات والأحاديث لتعزيز مكانتهم وتضليل المجتمع بها حتى صارت وكأنها حقائق دامغة في أذهان من خضع لها واستعبدوا ذوات البسطاء الذين هم السواد الأعظم من الناس .
ليس المهم ان تنتصر او تخسر ولكن المهم ان تستمر ، هذا المبدأ الذي جعلهم من حيث لا يشعرون العدو الأول للدين والعدو الأول للضمير واعداء لكل شيء صحيح يستفيد منه الإنسان أينما كان . إننا نتألم وألمنا كبير ، نتألم لجيوش العاطلين عن العمل الذين ينتظرون الرحمة من أصحاب الدين والأخلاق والضمير الذين لم يعد لهم دين ولا أخلاق ولا ضمير ، نتألم للأرامل واليتامى الذين فقدوا أعز مافي الحياة بلا مقابل بسبب من لا يفهم من الحياة الا ما أستنسخته ادمغتهم من مفردات متكررة لا تغني من جوع . نتألم لإن من تصدى للمسؤولية لا يعرف معنى المسؤولية ولا يعرف سوى العنف كطريق وحيد للحل امام مشاكل الحياة المعقدة … ان الحياة تتطور وكلما مر الزمان اصبحت الفجوة بيننا وبين أصحاب المبادىء الثلاث في المهنية والخوف والحرص كبيرة جدا وان حاجتنا لهذه المبادىء ازدادت بشكل مضطرد ولابد ان يأتي اليوم الذي سنصبح مجبرين غير مخيرين لجعل منهجية حياتنا خاضعة لهذه المبادىء التي لا مناص منها شئنا ام ابينا او نموت ونحن أحياء … تفاقم الازمات يجب ان تحل بشكل علمي تجريبي اما النصوص الثابته والرأي الفقهي فهي عبارة عن توصيات وليست برامج ادارة ومنهج بناء هذا مايجب ادراكه والشعوب ليست بحاجة الى التوصيات بقدر حاجتها الى العيش الكريم والعيش الكريم لا يأتي بالتأمل والدعاء ، كفانا ان نسلك الطريق الخاطىء الذي كلفنا الكثير ومازال ، حتى الشعوب التي كنا نقارنها بحياة الغاب وضعت لنفسها مكانة محترمة عندما وضعت يدها على الجرح في الوقت الذي نرى الكثير ممن يحسبون أنفسهم مثقفين وأصحاب القلم بعناوينهم اللامعة لا يفرقون بين هذا وذاك وكل صحيح ينسبونه للكفار ويطعنون به وكل خطأ ينسبونه للدين الحنيف ويتفاخرون به دون النظر الى النتائج التي امامهم مبررين ان النتائج هي حصيلة سوء التطبيق ، هكذا يفهمون الأمور ويترجمونها في عقول الاخرين بشتى السبل ولا يدرون انهم يهينون الدين ذاته ، هذه هي مشكلتنا التي يستعصي حلها خاصة وانها تتعاظم شكلا ومضمونا وبإصرار عجيب وكأنهم ليسوا جزء مما يصيب الناس ، بناءا على ذلك أصبح للتخلف قواعد ثقافية وشعبية وعشاق حتى ظننا بأن الدنيا تسير بالمقلوب ، هؤلاء العميان أغمضوا أعينهم ليوهموا أنفسهم بإن الشمس ليس لها وجود متناسين بإن وجودهم جاء بسبب خلل أصاب المجتمع فظنوا ظن السوء ، وليعلم كل من سار في ركب التخلف بإن العقل العلمي سيجتاح عقولهم كالسيل الجارف وسيجتاح كل تخلف مهما تجذرت في عقول الناس ولا يصح الا الصحيح .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here