جذور الكراهية بين الاسلام والغرب

جذور الكراهية بين الاسلام والغرب (*) د. رضا العطار

رُسمت صورة اوربا في التاريخ الاسلامي القديم وفي الاداب الاسلامية من خلال جغرافيين، عربا ومسلمين بارزين ظهروا في القرن العاشر الميلادي ومن اهمهم اليعقوبي والمسعودي وابن نوفل والغرناطي وغيرهم، ولا شك بان هؤلاء جميعا قدموا صورة شبه حقيقية لما كان عليه الغرب في تلك المرحلة – كما ان الجغرافي الادريسي في القرن الثاني عشر قدم لنا مشاهداته الخاصة في كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الافاق) وكان صادقا فيما كتب، على عكس ما قرانا من مشاهدات المتعصبين الدينيين عندما زاروا الغرب للعلم والسياحة كسيد قطب وغيره، فكانت جملة الصور التي قدمها هؤلاء الجغرافيون عن الغرب بعيدة عن التعصب الديني، وكانت هذه الصور تقول لنا ان الشعوب الاوربية كانت شعوبا بربرية غارقة في الجهل، فلم يعتروا الحقد والكيد الذي اعترى المتشددين الدينيين، الذين نظروا الى الغرب بنظرة ايديولوجية ضيقة معينة، فلم يعرف العرب اوربا على حقيقتها الا بعد حملة نابليون على مصر عام 1798 ، رغم ان الصليبين قد وصلوا الى العالم العربي، ضمن حملاتهم الصليبية قبل هذه الحملة بسبعة قرون وظلوا فيه عقدين من الزمن، لم يقدموا لنا من اخبارهم ما يفيد، لانهم كانوا من الجهلة الاوباش. كما ان اسامة بن المنقذ، مؤرخ الحملات الصليبية، كان موقفه من اوربا موقف اللامبالاة، مثله مثل سابقيه من المؤرخين. وربما كان مرد هذا كله الى ان الصليبين لم ياتوا بمظاهر حضارية ومدنية تقتضي الالتفات. اضافة لذلك فان نظرة التعالي القبلية والشعور بالتفوق للعرب والمسلمين، حالت دون الالتفات الى ما كان يجري في اوربا من تغيرات وتقدم حضاري.

وعندما خضعت البلاد العربية لسلطة العثمانيين البغيضة عام 1517 كان العثمانيون قد انشأوا ستارا حديديا ثقافيا سميكا بينهم وبين اوربا. وكانت هناك قطيعة ثقافية وسياسية محكمة مع الغرب بسبب التعالي والتفوق الذاتي والعسكري العثماني. الى ان تم ارسال اول بعثة عثمانية الى اوربا عام 1664 – ولم تفتح سفارة لها في باريس قبل عام 1800 بسنوات بهدف تبادل الخبرات العسكرية وفتح مدارس عسكرية فرنسية وترجمة بعض الكتب الفرنسية في علم العسكرتارية – وعندها ادرك العثمانيون انهم يعيشون في ظلام دامس وجهل فاضح، كما جاء في تقرير محمد جلبي اول سفير عثماني لدى فرنسا اذ يقول ان الفرق بين العثمانيين والغرب هو الفرق بين الليل والنهار.

وعندما قامت الثورة الفرنسية في العام 1789 لم يُعير العثمانيون انتباها لهذه الثورة وكأن الامر لا يعنيهم من قريب او من بعيد، واما العرب الذين كانوا تحت الاحتلال العثماني فلم يعرفوا شيئا عما جرى في فرنسا من احداث ثورية ولم يدرك العرب ان هناك ثورة في فرنسا الا عندما جاءت حملة نابليون الى مصر – – – وهذا دليل واضح على ان القطيعة الثقافية مع الغرب ظلت قائمة طيلة تسعة قرون كاملة غير منقوصة.

ومن هنا نستطيع القول بان حملة نابليون على مصر هي التي فتحت عيون العرب والاسلام على الغرب ولولا مجيء نابليون لكان تاريخ المنطقة العربية قد تغير الى شكل آخر كلية. وقد ايد معظم المفكرين الليبراليين المصريين الذين عاصروا هذا الغزو، واعتبروه بداية النهضة الحضارية لوطنهم، اما في العصر الحديث فقد اعتبر طه حسين هذه الحملة (خطوة مباركة) :

وبعد حملة نابليون اصبح الغرب مرآة الشرق – وبدأت القطيعة الثقافية بالانحلال والتلاشي – وكان اول عمل ثقافي بدأ بأزالة هذه القطيعة كتاب رفاعة الطهطاوي

( تخليص الابريز في تلخيص باريز) الذي كتبه في العام 1831 بعد عودته من رحلته التعليمية في فرنسا، بعد ان فتح محمد علي باشا ابواب مصر وعقلها في وجه الحضارة الغربية والفرنسية على وجه الخصوص. وقد تضمن الكتاب وصفا للحضارة الغربية بما يتعلق بمصانعها وتنظيم ادارتها وجمال عمرانها وعظم معاهدها ورقي تعليمها وارتفاع مستوى معيشة سكانها – – وكل هذا قد تم في غفلة من العرب والمسلمين.

ومما جاء في كتاب الطهطاوي : ان الفرنسيين ينكرون خوارق الطبيعة ويعتقدون ان الاديان انما جاءت لتدل الانسان على فعل الخير وان تقدم الناس في الاداب تسد مسد الاديان، وان الفرنسيين يقولون ان عقول حكمائهم اعظم من عقول الانبياء.

وهذا ( المانيفستو ) الفرنسي الخطير كان اهم رسالة نقلها الينا الطهطاوي من الغرب الى الشرق وهي تلخص ما انتهى اليه العقل الغربي مقابل الفكر العربي. وكان هذا قد وسن اسلحة الاسلاميين المتشددين ممن فهموا مضمونه وكان بداية الصدام الفكري بين الاسلام والغرب – واعتبروا ان فرنسا والغرب العلماني هي (دار حرب) يجب ان تتحول الى (دار اسلام) وان كل ما كان ياتي من الغرب لا يتعدى ان يكون زندقة وسفالة

وكفر – – في حين كان المسلمون في الهند اكثر مرونة واعمق فهما لروح الحضارة الغربية – كما قرانا فيما كتبه امير علي و السيد احمد خان.

ولعل ما قام به مفكروا عصر النهضة من العرب والمسلمين من المناداة بالديمقاطية والقضاء على الطغاة وحكم الاستبداد وهو ما شاهدوه في اوربا، جعلهم يعودون الى بلادهم ويبحثون في الدين الاسلامي عن بصيص لهذه الافكار، محاولين تطبيق جانبا متواضعا منها، رغم معارضة التراث السلفي المتوارث.

ان لقاء الاسلام والغرب يكاد يكون مستحيلا في ظل اختلاف الايديولوجيتين الاسلامية والغربية – وان العقلاء وحدهم في الشرق والغرب هم المناط بهم لمنع حدوث صدام بينهما. فالصدام بين الحضارات من ثوابت التاريخ وحتمية التطور في راي البعض في الشرق والغرب – – ولكي ندرك عمق الخلاف نسرد النقاط التالية :

1- يقول الاسلام بان الانسان مخلوق، ويقول الغرب بان الانسان خالق.

2- يقول الاسلام بان الله هو سيد الكون ويقول الغرب بان الانسان هو سيد الكون

3- يقول الاسلام بان الله هو سيد الانسان ويقول الغرب بان الانسان هو سيد نفسه.

4- يعزو الاسلام وجود الانسان والعالم الى الله، في حين ينظر الفكر العلمي في الغرب الى الانسان والعالم لذاتهما في معزل عن اي سبب خارجي.

5- في الاسلام يُقر الانسان بالغيب، بينما يلغي الغرب ما يسمى بالغيب.

6- يعتبر الاسلام المجتمع الانساني مجتمعا مثاليا، بينما يعتبره الغرب مجتمعا ماديا اخلاقيا مختلفا.

7- يتمثل الاسلام الى الشريعة، في حين يتمثل الغرب الى الحكمة والعقل.

8- يعتبر الاسلام ان ثنائية الخير والشر من عند الله، بينما يعتبرالغرب ان ثنائية الخير والشر من صنع الانسان.

ولم لا وقد كادت الحرب العالمية الثالثة ان تندلع بين الغرب والاتحاد السوفياتي نتيجة لاختلاف العقائد – لولا ان سقط الاتحاد السوفياتي وزال عن عالم الوجود لعوامل داخلية محضة – – – ألم يقاتل المسلمون نصف العالم في القرنين السابع والثامن الميلادي نتيجة لاختلاف العقائد ؟

* مقتبس من كتاب (سجون بلا قضبان) د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here