حزبٌ على حزبٍ!!

حزبٌ على حزبٍ!!

الأحزاب في الدول المتطورة لا تطمح إلى السلطة من أجل السلطة فقط , وإنما كوسيلة للتعبير عن أفكارها وبرامحها , وإظهار إجتهاد عقول مفكريها في تقديم الأفضل لحاضر الوطن ومستقبله.

وهي تتنافس فيما بينها لتقديم الأحسن لأبناء البلاد.

إن الأحزاب تتكون من أجل تحقيق حاجات تمليها مراحل معينة في حياة الأمم والشعوب , وتكون أهدافها توفير الخير وإستثمار الطاقات وتحقيق الأمنيات , وإطلاق الفرص والمساهمات في مشاريع ذات قيمة للبلاد ولأهلها.

الأحزاب برامج للتقدم والقوة والحياة الأفضل وليس العكس.

وعندما تتجه إلى غير ذلك , فأنها تكون ضارة أكثر منها نافعة.

وقد تكون مدمرة في أحيان كثيرة , عندما تتحول إلى وجود سلطوي انتفاعي أناني , يمتلك ما لا يحق له إمتلاكه من حقوق الآخرين.

وفي القرن العشرين تأكدت حقيقة مؤلمة مفادها , لا يوجد حزب ينفع البلاد لأنه يفكر بإمتلاكها , وإعتبار نفسه الوطني وحسب , والآخرين يقاسون على مقاسه ومعاييره.

فأنت وطني على قدر إقترابك من ذلك الحزب المتمكن أو إبتعادك عنه.

فلا يوجد حزب نفع نفسه وأفاد البلاد على مدى العقود الماضية , بل أن الأحزاب أضرت نفسها والبلاد شعبا ووطنا.

من يتابع تأريخ الأحزاب في بلادنا , يكتشف أن جميعها , قد مالت للتفرد وإدعاء إمتلاك الحقيقة والوطنية والمبادئ الجليلة السامية.

كما طرحت شعارات وأفكار ما أفادت بل أضرت , ودفعت إلى الإنحدار الطغياني والإستبداد الشرس , الذي كلف الشعب الكثير من أرواح الأبرياء والدمارات والمآسي والويلات.

وما تعايشت أحزاب مع بعضها في تأريخ البلاد , بل دخلت في صراعات دموية منذ إنتهاء العهد الملكي وحتى يومنا هذا.

فلم تقدم للإنسان شيئا مفيدا يدفعه للإعتزاز بالأحزاب السياسية , ويرى فيها طريقا للتقدم والنجاح والتطور , بل أن كل مرحلة يمر بها تزيده إحساسا بأن التكتلات السياسية والأحزاب تتتجه إلى التفرد والإستئثار , وإلغاء الآخر , وفرض نفسها بالقوة والنار , والقتل الغير مبرر , والإغتيالات والصراعات العنيفة ما بين أبناء البلد الواحد.

وما أن يصل أي حزب إلى السلطة حتى يفرض مقايسة ومعاييره , التي يحدد بها مَن الوطني ومَن الذي يجب أن يودع في السجن لأسباب سياسية بحتة لا غير.

وهكذا ترى الإنقلابات السياسية العسكرية , التي تحقق قبضتها على الحكم , تفرغ السجون لتملأها من جديد بالأبرياء.

ولا يوجد في تأريخنا حزب سياسي يستحق أن ننظر إليه بعين أخرى , فكلها قد تلطخت مسيرتها بالدماء والصراعات الأليمة , التي مزقت الشعب الواحد وحوّلته إلى كيانات ومذهبيات وفئويات متصارعة وهي لا تدري ماذا تريد.

فالأحزاب لا تعرف ماهي أهدافها , ولا تفهم في الشعارات التي تطرحها , وهمها الأساسي الوصول إلى الحكم , وتحقيق بطشها وغضبها على الشعب من خلال أجهزة الحكم التي تكون بإمرتها.

ولم تتحاور , ولم يعترف بعضها بالبعض , ولم يكن لديها مشروع لخدمة البلاد , بل أن إجتهادها كان في سبيل الإيقاع ببعضها البعض , وتسفيه أفكار بعضها البعض , وإعتبار اللامنتمي إليها عدوا ومعارضا , ويستحق الموت والسجون والتعذيب , لأنه قال بغير رأيها ونظر بعين أخرى للحياة.

فأحزابنا إحتكارية أنانية فردية سلطوية , وفيها الكثير من الشخصيات التي تتلذذ بتعذيب الإنسان الآخر وإمتهانه وإيداعه السجون , وما أن يستلم أيٌ منها السلطة حتى يكشر عن أنيابه ويتمسك بالكرسي حتى الموت.

فهل نحن مقبلين على عهد جديد نمحو فيه من ذاكرة الأجيال , تلك المواقف التحزبية القاسية المؤذية , التي جعلت المواطن يكره السياسة والسياسيين , ويمقت التحزب والحزبية ويبتعد عن الإنتماءات السياسية , لأنها لا تجلب الخير للبلد , وتستدعي الشرور والويلات والثبورات على المنتمي وأهله.
فالتحزب والحزبية محنة كبيرة وورطة قاسية يكرهها كل مواطن , وهي تتوطن لا وعينا وتتسيد أعماقنا.
وبسبب ذلك يبدو أن المجتمع إتجه إلى تحقيق أكبر عدد منها قياسا إلى عدد نفوسه , لكي يتجنب الويلات التي تجلبها التحزبية , ولكي يقضي على تفرد أي واحد منها في كرسي الحكم المقيت.

ولكنه قد حقق فشلا ذريعا , وفقدانا حضاريا كبيرا , ووجد نفسه متوهما بأن الداء هو الدواء , وهذا ما يجري في أي مجتمع تفترسه أفواه النسيان!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here