“وان كل ذلك لمّا متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين”

“وان كل ذلك لمّا متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين”

ان الله تعالى جعل الدنيا فتنة للمؤمن ولولا الخشية من التسابق على كسب الدنيا من قبل الكفار لمنحهم البيوت المرصعة بالفضة والذهب وذات الابواب والاسّرة الفارهة والمتكئات الاثيرة. لان كل هذه الامور لا قيمة لها عند الله بل هي متاع دنيوي منقطع غير دائم. لكن الحياة الحقيقية المثالية التي لا صخب فيها ولا حزن ولا مرض ولا موت. هي الجنات الابدية في الاخرة التي لا يدخلها الا المتقين. يقول تعالى في الايات 33 و 34 و 35 من سورة الزخرف “ولولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون. ولبيوتهم ابوابا وسررا عليها يتكئون. وزخرفا وان كل ذلك لمًا متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين”.
يقول رسول الله في حديث قدسي لو كانت الدنيا تعادل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. فمن بسط الله له الدنيا لا يعني ان الله راض عنه ولا لمن قتر عليه ارزاق الدنيا بان الله ساخط عليه. “فاما الانسان اذا ما ابتلاه ربه فاكرمه ونعمه فيقول ربي اكرمن. واما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي اهانن”. فالدنيا يعطيها الله للمؤمن والكافر ويحتمل ان يمنعها ايضا منهما.
لقد علمنا من معايشتنا في هذه الحياة وتعلمنا الايام والشهور والسنين بان الزمن كلما يمر على الشخص يشعر بتفاهة الحياة ان لم يكن لها هدف. فعندما يولد الشخص لا يدرك من الحياة شيئا وان اهله يتكفلون بتربيته ومصاحبة الى ان يكون بالغا راشدا. ثم عليه ان يواصل جهده في الاعتماد على نفسه للدراسة او العمل لتحصيل رزقه. ثم يتزوج وينجب الاولاد وينشغل في تربيتهم. ثم يستمر في الجهد والشغل حتى ياتي اجله. في هذه الفترة ستمر عليه عوارض كثيرة حيث سيفقد ما يحب كوفاة الوالدين والاعزاء وينتابه وعائلته المرض والمفاجات غير السارة والفشل والارهاق. سوف يضيع اكثر من نصف عمره في النوم والنصف الاخر في الشغل وكسب المال للعيش. بالنتيجة فان اوقات السعادة والفرح والمرح قليلة جدا قد لا تتجاوز في افضل الاحوال 5% من مجموع عمره في الدنيا.
هذه هي حقيقة الحياة الدنيا لا يمكن ان ينال فيها اي انسان السعادة الكاملة سواء المؤمن او الكافر. الغريب في الامر ان هناك من يرجحها على الاخرة رغم الفرق الشاسع بين الاثنين. فان كانت ايام الفرح والسعادة في الدنيا اوقات قصيرة زائلة ما تلبث ان تنتهي. في حين ان الحياة الاخرة لا تعب فيها ولا نصب ولا عمل ولا مرض ولا موت سعادة ابدية تحصل على كل ما تتمنى برمشة عين.
من الممكن كذلك ان يعيش الانسان بسعادة في الدنيا اذا ما تسلح بالايمان بالله والصبر واستغلال الوقت في العمل النافع وتغيير خياراته باتجاه حب الطاعة لله وتحمل المصاعب والامراض. ثم يجعلها منحة من الله لتطهير ذنوبه وان الفرج قريب ات لا محالة. هكذا يكون قد نجح في الامتحان الارضي للدنيا الفانية ليدخل الجنة بلا حساب “انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب”. فطوبى وبشرى لمن فاز في دار البلاء بأيمانه رغم هموم الفانية. ليقطف افضل النتائج في جنة الفردوس في الابدية الباقية
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here