الشيخوخة ليست بالضرورة مرحلة جدب ونضوب !

الشيخوخة ليست بالضرورة مرحلة جدب ونضوب ! * د. رضا العطار

لسنا نريد ان نسترسل في تعداد اسماء العباقرة الذين قدموا للبشرية اعظم انتاجهم في مرحلة الشيخوخة وانما حسبنا ان نقول ان الشواهد كثيرة على ان الشيخوخة ليست بالضرورة مرحلة الجدب والافتقار بل هي قد تكون ايضا مرحلة خصوبة وانتاج.

اننا لسنا في حاجة الى ان نكون عباقرة حتى لا تستحيل شيخوختنا الى حياة جمود وركود وانما حسبنا ان نواصل السير في طريق حياتنا دون يأس او تقاعس او خمول لكي نجد في مرحلة الشيخوخة استمرارا طبيعيا لحياتنا المنتجة المثمرة وحصادا وفيرا لجهود طويلة شاقة قمنا بها زارعين وغارسين وساقين — الخ.

روي عن الفنان العظيم مايكل انجيلو انه شوهد يوما، وكان في ختام حياته تقريبا، يحث الخطى الى مرسمه، فقال له احدهم ( الى اين تمضي هكذا سريعا وقد غطت الثلوج شوارع المدينة ؟ فما كان من الفنان سوى ان اجابه بقوله: (انني ذاهب الى المدرسة، فلابد لي من ان احاول تعلم شئ قبل ان يفوت الاوان ! ! !

وان الفيلسوف العربي د. زكريا ابراهيم ليذكر انه كان يتردد على اورقة جامعة باريس في شتاء 1949 حينما كان يستمع الى الاستاذ الكبير جان فال. اقترب منه شيخ عجوز وقد اشعل الراس منه شيبا وراح يسأله عما اذا كان قد استمع الى آخر محاضرة القاها الاستاذ المذكور في الاسبوع السابق. وكان الكاتب العربي قد سجل هذه المحاضرة بنصها فعرضها على محدثه الشيخ وابدى اعجابه بعمق تفكير هذا الاستاذ —

وعندئذ بادر الرجل العجوز بقوله (ان الاستاذ فال هو واحد من خيرة تلاميذي، وانا اواظب على الاستماع الى محاضراته القيمة بانتظام )

فعاد الدكتور زكريا يسأل محدثه الكريم عن شخصيته، فما كان منه سوى ان اجابه بكل تواضع ( انا اندريه لالاند )

وكانت مفاجأة كبرى للضيف العربي ان يجد نفسه بأزاء اكبر استاذة الفلسفة في فرنسا وواحد من ابرز فلاسفة العالم انذاك، تتلمذ على يديه اساتذته الذين يعملون في الجامعات المصرية، ولكنه لم يستطع ان يتمالك نفسه اعجابا بهذا الاستاذ الذي شاء له تواضعه ان يعود تلميذا ينصت الى محاضرات واحدا من تلاميذه وكأنما هو مجرد طالب علم صغير

وانّا لنا جميعا ان نعرف ذلك الحديث النبوي القائل ( اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ) ولكننا قلما نمضي في تحصيل العلم بعد سن معينة، ظنا منا بانه هيهات لنا ان نحصل شيئا بعد ان تقدم بنا العمر ! وليس المسؤل عن هذا التواكل هو ضعف الذاكرة او وهن القوى الذهنية او انعدام الرغبة في مواصلة البحث، بل كثيرا ما يكون السبب هو الاحساس بفوات الاوان !

* مقتبس من كتاب (مشكلات الحياة) لمؤلفه الدكتور زكريا ابراهيم استاذ علم الفلسفة في جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here