المغرب للجزائريين حبيب / 63

المغرب للجزائريين حبيب / 63

بروكسيل : مصطفى منيغ

الحَيَاةُ لدى الكثيرين أسْرَار ، لقلةٍ مِنَ المحظوظين الأساس عندهم الاختيار ، حتى إن استيقظوا مساءً وجدوا قدامهم هذا أو ذاك المَنظر، إذ صباحهم مفقود مع نومهم المتأخِّر بسبب أحْلَى سَهَر ، الزمن عندهم تاريخ تلقَّوه في المدارس عن الكَّبار ، والمكان العالي أو المنخفض المستطيل أو المربَّع من العقّار ، إذ لكلّ مجاز مقام بما يلزم من حريم يُستَبدَل بعد حينٍ بآخَر ، الدَّفْع من دَخْلٍ مضمونٍ بلا عناء ولا اجتهاد ولا عمل يَتَوَفَّر ، كل صعب غير مفهوم في لحظة يُفَسَّر ، ومَن يُنَغّص في اللحظة يُغَيَّر . عالَمٌ ذاكَ نسِيَ مَن فيه أنه من صُلب آدم والأخير من طين وليس من مسحوق السكَّر ، بل ترامى مَن بداخله على السُحُبِ بعقلٍ تخَدَّر ، ليُبصِر فوق ما يسمح به البَصَر ، مُتَخَيّلاً ذاته بِذَيْل أسدٍ تارة وأُخرى بأذُنَي حِمار ، أي شيء ما عدا أن يكون من البشر .

اكتشفتُ مثل الصّنف في “وجدة” خلال تحقيقٍ صحفى قادني لتلك الدار من ذات الديار ، ما كدتُ أقف على ما يُمارس في إحدى حُجراتها حتى تيقّنتُ أن للفساد حُماة أينما تواجدَ النفوذ تواجدوا معه خلفَ السِّتار ، الوصول إليهم مغامرة خطرها لا يُقَدَّر ، قرَّرتُ أن أواجههم بقلمي على ساحة صفحات “الحدث” ربما أحقِّق عليهم ولو بعض الانتصار ، خاصة و “وجدة” تعاني من ويلاتهم ولن تقدرَ على المزيدِ من الانتظار ، وهذه المرَّة كسابقاتها بين أيديهم لن تنهار ، فصدرَ العدد الموالي حاملاً مؤشر المواجهة بما ستحشده من رأي عام مزود بحماس القضاء المبرم على مثل الأشرار، وتنظيف المجتمع من أوباشٍ مهما اندسُّوا أثناء الليل أو النهار، فكان عنوان المقال المطوَّّل المجزّأ على حلقات: “ليست بالصُّداع إنَّما هي حقائق بلا قِناع ” .

… نجحت الجريدة في قطع ربع الألف ميل ، وأصبحت وسيلة إعلامية تمثل صوت رأي عام يطمح في تطبيق القانون أولاً وثانياً وثالثاً ، وأن تَعمَّ الشفافية التدبير العمومي ، وأن يكونَ المغربُ الشرقيُّ متساوي في توزيع الثروة الوطنية توزيعاً عادلاً ، بغير تدخلات تشوبها في الطريق ، ولا أيادي تعمل لتحويل مسار منافع كثيرة لجهات أخرى كما حصلَ من عقود ، لكن للأسف الشديد تجنَّد للجريدة مَن رأَى فيها الخطر الداهم على مصالحه المُكتسبة عن طريق التحايل أو التهريب او المتاجرة في الممنوعات ، من هؤلاء الذين أغلقت “الحدث” أبواب التفاهم معهم تحت الطاولة ، في الوقت الذي توصَّلتُ برسالة من تلمسان يخبرني صاحبها الجزائري مشكوراً أن الجريدة تُباع داخل بعض المدن الجزائرية بطريقة نِضالية من طرف بعض الشباب المتعاطفين مع المغرب المؤيدين لمغربية الصحراء ، الجريدة التي أقنعت قراءها بفساد النظام الجزائر وفساد حكمه . تتعرض و”هنا” من طرف خدام المصالح الضيقة ، الذين لا تهمهم لا صحراء مغربية ولا تنظيف أجواء “وجدة” من الفساد ، فقط أن يتركوا داخل دائرة لا يقترب منها لا إعلام محلّي أو وطني ولا مصطفى منيغ ولا أحد ، ليتفرعنوا بأذرع أخطبوط مصَّاص خيرات الشعب المغلوب على أمره في هذه الناحية ، العديمة الرقابة المتروكة لمن هبَّ ودبَّ يتمرّغ في ثرواتها كما شاء ما دام يدفع للآخرين بسخاء ، حتى الحزب المُؤسَّس من مدة قصيرة ، لم تظهر حسناته المُبشِّر بها بعد ، خلاف سيِّئاته الممثَّلة في تخاصم قاداته على المقاعد الأولى من حيث المسؤولية المحلية الإقليمية . إذ إقسمت المجموعة التي عُيّن على رأسها الأستاذ “حَدُّو” المندوب الإقليمي لوزارة التعليم بوجدة لشطرين ، الأول وعلى رأسه الحاج “احمد بولويز” صاحب أشهر حمام تقليدي في وجدة والشقيق الأكبر للسيد “علال بولويز”، رئيس الغرفة التجارية وصاحب معمل للقهوة ، والشطر الثاني يتزعمه الأستاذ “أمال قْوِيدِرْ” ، مدير مدرسة حرّة ، ومنتج برنامج “سِرْ بلْمْهَل” بإذاعة وجدة الجهوية ، بوجود فريق آخر ابرز عناصره الأستاذ “مصطفى الحجازي” الخاسر الأكبر في تلك العملية التأسيسية والذي لم يدخر وسعاً في التحرّك المستمر لفائدتها ، لتكون النتيجة ترديده أينما حلّ وارتحل أنه طلَّقَ السياسة بالثلاث.

… كان الصبر حليفي خلال تلك الأيام الصعبة التاركة في نفوس المناضلين الصادقين في نضالهم من أجل الصالح العام ، علامة استفهام تطال الوضعية مهما كان المجال ، في حاجة ظلَّت لجواب أي مسؤول مِقدام ، يَفْهَم كي يمكِّن كل الراغبين في الفهم ، لتتَّضح أسباب ذاك الاستفحال ، القابل للتوسُّع مع قادم الأيام ، لكن لا حياة لمن تنادي الحركة تدور في البيّن والمغمور ، ومن أَلِفَ الخوض في التحاليل بين رواد مقاهي الضفة المقابلة لمقر العمالة هو الآخر سكت عن الكلام ، مما زاد الإقبال على جريدة “الحدث” لتكسيرها الصمت بما عزمت على نشره من حوار أجراه مديرها المسؤول مصطفى منيغ ، مباشرة مع العضو في مجلس النواب عن دائرة وجدة الشمالية ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار السيد “احمد عصمان ” في مدينة مراكش .

… فجْأة تعرَّضَت لي وأنا في طريقي إلى الإذاعة لتسجيل حلقة جديدة من البرنامج الديني “قافلة النور” الذي أنتجه لإذاعة وجدة ، التي استضفتُ فيها الاستاذ “مصطفى بن حمزة”، تعرّضَت لي “التطوانية” لتخبرني عن وصول والدها راغباً في رؤيتي والتحدث معي في أمر هام يخص مستقبلنا ، فإن كنت مشغولاً ببرنامجي الجديد اضرب لها موعداً تحضر فيه لتصطحبي إلى “الفيلا”، فحدّدتُ المدة في ثلاث ساعات بعد تلك الآونة ، لتنصرف عساي أركِّز في مجمل الأسئلة التي سأطرحها على ذاك الضيف الذي أكن له المودَّة والاحترام .

… قبل الذهاب للُّقاء جلستُ في مقهى صديقي “عبد القادر بوخا” الشهيرة ، في ركنِ مُعدٍّ مُسبقاً بالداخل ، لنتحاور حكاية المستقبل الذي يريد والد “التطوانية” مناقشتنا معاً في شأنه ، طبعاً هناك ما استطعتُ مُنفرداً التخمين في جانب القران الشرعي يضمَّني وتلك الإنسانة الرائعة ، المتأهِّبة بما تملك من ارادة ، أن يحصل ذاك الفعل اليوم قبل الغد ، لكنه التهرّب من ذاك الغد ما يجعلني أتردَّد متمسكاً بأي حبل أصعد به من حفرة عميقة أكاد أسقط في قعرها رغماً عن أنفي وبطريقة أتصورها واقعة ، “التطوانية” بحركة لطيفة تعيدني إلى الواقع بدل الاستمرار في تلك الرؤية الخيالية الملفوفة بأكثر من سؤال ينتظر من ضميري الجواب ، والأخير يترقَّب عقلي ، لندور كلنا في دوّامة لا أدري كيف تتوقَّف ، ومتى تهدأ من الدوران ، لننتقل مع حيرة تؤدي لا محالة لعدم الاستقرار على أي موقف نهائي في الموضوع.(يتبع)

مصطفى منيغ

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here