دور الأحداث الأليمة في حياتنا النفسية

دور الأحداث الأليمة في حياتنا النفسية * د. رضا العطار

الألم في طبيعته مغاير للذة : فانه حالة نفسية لا يريد الانسان ان يعانيها، في حين ان اللذة حالة نفسية يقبل الانسان عليها. ونحن لا ننكر ان الارادة تواجه (الالم) غالبا بكلمة (لا) وتلقي (اللذة) دائما بكلمة (نعم) ولكننا لا نملك الجزم بان الالم شر في جميع الحالات وان اللذة خير في جميع الحالات – – – والحق ان للاحداث الاليمة دورا هاما في حياتنا النفسية، بدليل اننا قد لا نجد مانعا من تحمل بعض الألام او العزوف عن بعض الملذات.

واذا كان كثير من فلاسفة الاخلاق قد غالوا في تقرير اهمية (الالم) في حياتنا الروحية، فذلك لانهم قد فطنوا الى ان (الألام الروحية) التي نعانيها هي التي تخلع على وجودنا الشخصي كل ما له من فردية واصالة. ومعنى هذا ان الألام هي التي تبرز الجانب الشخصي من وجودنا، لانها هي التي تضطرنا الى الغوص في اعماق وجودنا لأكتشاف ما يكمن في اغواره من (قيم) – – – واذا كان كثير من الناس ينسبون الى الأحداث المؤلمة دورا خطيرا في صميم حياتهم فذلك لانهم يشعرون في قرارة نفوسهم بان (الألام) التي كابدوها هي التي كونت معظم الجانب الشخصي من وجودهم.

وحين تجيء الاحداث الاليمة التي يعانيها المرء فتندمج في صميم وجوده وتصبح جزءا لا يتجزأ من نسيج شخصيته فهنالك تتحول هذه الاحداث الى ثروات روحية يدخرها الانسان لمواجهة المستقبل. وتتسلح بها لصد كل ما قد يستجد عليها من هجمات – – – وقد يستحيل الالم احيانا الى اداة فعالة تزيد من خصب حياتنا النفسية وتعمل على صقل شخصيتنا، ولكن على شرط الا يظل هذا الالم مجرد شيئ دخيل نعانيه ونقع تحت تاثيره بل يتحول الى واقعة مُعاشة نهضمها ونتمثلها ونستوعبها في ضمير وجودنا.

وهذا هو السر في ان بعض فلاسفة الاخلاق المعاصر من امثال هارتمان و ماكس شلر قد نظروا الى (الالم) على انه (قيمة) من القيم الاخلاقية الاساسية.

· مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here