ذكرى فاجعة جيزاني الچول في قضاء الخالص قبل 41 عاما

ذكرى فاجعة جيزاني الچول في قضاء الخالص قبل 41 عاما

جواد كاظم الخالصي

سأسمح لذاكرتي بالعودة الى تفاصيل المأساة الموجعة التي عاشتها قرية جيزاني الجول النائمة على ضفاف نهر دجلة في قضاء الخالص من محافظة ديالى العراقية وذلك قبل 41 عاماً في الايام الأواخر من شهر حزيران وتحديدا يوم الاثنين 23-6-1980 حينما هجمت قطعات العسكر والامن البعثي على تلك القرية الوادعة المسالمة بجحافل الامن العام والخاص ومقاتلي ما يسمى بالجيش الشعبي الذي كان يقوده آنذاك المدعو طه ياسين رمضان (( أعدم بعد سقوط البعث بسبب أفعاله وجرائمه مع باقي اعضاء ذلك النظام الوحشي بموجب محاكمات عادلة لم يحضى بها اي من الذين عارضوهم ايام حكمهم الأسود )) ،، أنا شخصيا شاهد حي على تلك المجزرة التي حصلت بأبناء منطقتي وكنت شابا يافعا في نهايات العقد الثاني من عمري حيث تفاعلنا مع المحاضرات الدينية والثقافية العامة في ساحة جامع المنطقة التي يلقيها علينا ثلة طاهرة ونقية من الشباب الرسالي بعضهم كانوا قد تخرجوا من الجامعات والبعض الاخر لا زال انذاك طالبا الى جانب امام الجامع السيد العلامة عبد الرحيم الياسري رحمه الله وأحسن مثواه وصاحب التأثير الكبير في عموم ابناء القرية وهو الوكيل المطلق للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره في محافظة ديالى.
في صبيحة ذلك اليوم ومع تفتح الورود بين أطراف البساتين وعلى جانبي الطرق التي تتحسّس نسمات هواءها توافدت قطعات عسكرية وامنية الى القرية مدججة بأحدث الاسلحة والاليات وطوقوا جميع بساتينها الزاهية بنخيلها وحمضياتها بحثا عن بعض ابنائها الذين لا يتجاوزون احد عشر شخصا فقط فيهم المهندس والفني والمعلم والطالب وعامل بلدية ولا يملكون غير اسلحة شخصية بسيطة عبارة عن بنادق الصيد ومسدسات فيها ترخيص أمني يعني لا يمتلكون ما يهددون به الدولة كما ادعى نظام البعث المخلوع حينما قال ان هذه البساتين يوجد فيها اكثر من الف مقاتل جاؤوا من محافظات الوسط والجنوب ويحملون جميعهم اسلحة متوسطة وخفيفة وربما معهم اسلحة ثقيلة ولكنني أنفي نفيا قاطعا فلم نشاهد نحن ابناء القرية إي شخص اجنبي عنها لا قبل الحادثة ولا خلالها ولا بعدها ولكن كما هو واضح أن لدى ذلك النظام تصوراته الخاوية والكاذبة لانهم وقعوا في شر اعمالهم حينما واجهوا هذه الثلة الطاهرة من الشباب الواعي والصامد والمستميت من اجل كرامته وحريته الثقافية بما يعتقد.
لذلك كان كل شيء يتحرك في تلك البساتين هو هدف لقوات صدام والذين اخذوا منه الاوامر مباشرة بقتل كل من يتحرك امامهم في مناطق النزاع فكيف لدولة تستخدم هكذا اوامر وتعتبر نفسها صاحبة حق وسيادة وقانون وهي تقتل ابنائها بدم بارد، حيث دارت مطاردات لعدة ليالي اشرقت عليها الشمس وقد استشهد من هذه الثلة القليلة الأحد عشر مجاهدا اربعة فقط.
علما ان تلك القوات استخدمت جميع الاسلحة التي تستخدم في الحروب بين دولة واخرى بما فيها سبع طائرات سمتية قاصفة وهي غاية في القساوة أن يكون تعامل دولة مع مواطنيها بهذا العنف المفرط وبطريقة جرائم الحرب والابادة الجماعية وعلى هذا الاساس يمكنني القول وبشكل واضح ان مجزرة جيزاني الجول سبقت مجزرة الدجيل المروعة ايضا.
وقد سبق تلك المجزرة التجريف الواسع لبساتين أهالي جيزاني الجول وهدم العشرات من بيوتهم وتشريدهم الى المجهول دون ان يجرؤ احد من البشر اسكانهم او تأجير بيت لهم ولا حتى ايوائهم بل كان الإيواء في نگرة السلمان المشهورة بقساوتها كسجن يعتبر منفى في صحراء السماوة ..
كان قد كتب عن جيزاني الجول الاخ الزميل الاعلامي الباحث الدكتور محمد صادق الهاشمي وذكر بعض تفاصيل حياته في سجن أبي غريب مع بعض من كانوا معه من تلك القرية وهم بأعداد كبيرة الكثير منهم أعدم ولم يرى النور .
بعد هذه المجزرة بخمسة ايام وتحديدا مثل هذا اليوم 28-6-1980بدأت فصول مجزرة انسانية اخرى حيث الاعتقالات العشوائية بالجملة فالعائلة تسجن جميعها نساءً ورجالاً وحتى الاطفال فتم اعتقال العشرات من عوائل القرية وكان من ضمنهم أنا وعائلتي بعد اعتقال شقيقي الكبير رحمه الله من مكان عمله في القاعدة الجوية ببغداد حيث أودعنا في سجون دوائر الامن في ديالى وما زالت تؤلمني ذاكرتي وانا أنظر الى كبَِر سن والدي ووالدتي رحمهما الله وعدم قدرتهما تحمل التعذيب والتحقيق على ايدي جلاوزة الامن ولا اريد الخوض هنا في تفاصيل ما حدث من تعذيب للنساء وسيكون ذلك مؤجلا باعتبار أن هذه الوقائع اطرحها هنا في هذا المقال بشكل مختصر دون التفاصيل الدقيقة المؤلمة التي تَحمّل عنائها البسطاء في هذه القرية الوادعة لانني كنت قد بدأت بمشروع كتاب وثائقي عن جيزاني الجول في العام الماضي ولكن وباء كورونا أجّل الموضوع الى يومنا هذا حيث سأتطرق فيه الى ما حصل في تلك المنطقة بجغرافيتها الصغيرة منذ سبعينيات القرن الماضي حتى سقوط نظام البعث ثم المرور على السنين التي تلت السقوط لنرى ماذا حصل للقرية وماذا قدمت لها الحكومات بعد العام 2003 والتي خرجت من رحم تلك المعاناة وغيرها الاخرى في العراق أنا في تصوري إنه الخذلان لتلك المناطق وإهمالها بشكل مُقزّز وهذا فيه تفاصيل ايضا ستكون ضمن الكتاب الوثائقي….

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here