بيكاسو ـ موديلياني ـ وحظوظ الحياة ..
الموتُ تراجيديا لشخصٍ مبدعٍ عظيم ، وإحصائيات لامعنى لها للآخرين وخصوصا في الحروب والكوارث الطبيعية . موديجلياني كان يُلقب تخفيفاً ( مودي) رسام عالمي كان ينافس بيكاسو لكنه نشأ مريضا منذ طفولته بالسلّ الرئوي وفي عام 1919 نصحه الأطباء من أن المرض لازال ينخر برئتيه وانه سيموت قريباً اذا لم يترك التدخين والكحول ، لكنه ذلك العبثي الكاره للحياة المشرّد والمطارد من قبل السلطة أنذاك ، فاستمرعلى دأبه غير مكترثٍ بالموت. في يوم المعرض الذي أعد لرسوماته مع بيكاسو دخل البار وعبّ في جوفه من الكحول وخرج لحضور المعرض دون أن يدفع ثمن ماشربه لكونه مفلساً فضربه النادلون ضربا مبرحا فتفاقم السلّ عليه فادخل المشفى في الحال عام 1920 أمام محبيه وزوجته( جان) التي رسمها بلوحةٍ فاقت كثيرا على تلك التي رسمها بيكاسو. وهو يحتضر قال لرفاقه وزوجته : لقد حان وقت الإنتهاء من الجنون وأغمض عينيه تاركاً تأريخاً عظيما من الإبداع والعبث . زوجته العاشقة الفريدة من نوعها كانت تقول ( هل تعرفُ ما معنى أن تحب ، كأنك أدنت َ نفسك بالخلود في الجحيم ) . لذلك في نفس اللحظة التي مات بها زوجها لم تستطع تحمل هذا الفقد فوجدت أن نبض الحياة من دون موديلياني قد توقف فذهبت الى صديقه بيكاسو وقالت له : قد تعيش حياة مترفة غنية مناقضة لزوجي المفلس ، لكنك أثناء موتك ستهمس بإسم موديلياني إشارة للتوتر بين الإثنين بسبب المنافسة على الأفضلية أنذاك .، ثم ذهبت فورا ورمت نفسها من النافذة مع طفلها الذي في بطنها ودفنوا الثلاثة مع بعضهما بمشهدٍ مؤلم بحضور بيكاسو والعديد من الرسامين في ذلك الزمن الذي جمع الرومانسية والسريالية ( سوتيني ، ديجو رايفيرا ، كاسيلينج ، يوتيريلو ، جوترود ) . مات موديلياني وهو في ذروة عطاءه في عمر الخامسة والثلاثين بينما بقي بيكاسو الى ما فوق التسعين . وحين مات موديلياني رثاه الرسام العالمي الشهير ( أوغسط رينوار) وكان في عمر الثمانين أنذاك وقال : ذات يوم رأيت موديلياني المجنون ماسكا زجاجة الخمر رشيقا ثملاً وهو يرقص ويدور ويغني بخفة رائعة حول تمثال الفنان بلازك) . إنها الحياة تبقي من تريد وتأخذ من تريد على حين غفلة غير مبالية بما يعانيه المرء من مفارقات غير عادلة في البقاء والحظوظ . حين مات بيكاسو رائد الحركة التكعيبية ، لفظ إسم موديلياني على شفاهه .
هاتف بشبوش/شاعر وناقد عراقي