لن يهزم أردوغان الكفاح من أجل الديمقراطية في تركيا أبداً

لن يهزم أردوغان الكفاح من أجل الديمقراطية في تركيا أبداً

 بقلم: سبحات تونسل
ترجمة: قصي الصافي
 

الكاتبة سبحات تونسل عضو برلماني عن حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، قضت زهاء خمسة أعوام في السجن التركي بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب. تكتب من السجن عن استغلال الرئيس أردوغان للمحاكم في حملة قمع للمعارضة – وتؤكد أن القوى الكردية والديمقراطية لن تستسلم  لنظامه أبدًا.
يشتد القمع من قبل  نظام الرئيس رجب طيب أردوغان بتركيا ضد حزب الشعوب الديمقراطي الذي يقوده الأكراد. و قد وافقت المحكمة الدستورية يوم الاثنين ، في أحدث محاولة لتصنيف الحزب كمنظمة إرهابية ، وصادقت على لائحة اتهام لحل الحزب. في نيسان، حوكم أكثر من مائة من أعضائها في ما يسمى بقضية كوباني لدورهم في تنظيم احتجاجات في تركيا تضامناً مع مقاومة المدينة الكردية عام 2014 ضد هجمات داعش، وقد تعرضت تلك المظاهرات لهجمات عنيفة من قبل كل من قوات أمن الدولة والميليشيات الإسلامية، و يتواصل اليوم العنف ضد الأكراد وقوات المعارضة اليسارية . خلال الأسبوع الماضي اغتيل عضو حزب الشعوب الديمقراطي دنيز بويراز في هجوم على مكتب حزبه في مقاطعة إزمير. في الواقع، يشكّل قمع اليسار المؤيد للأكراد هدفاً أساسياً لمشروع أردوغان القومي، وليس الأمر بجديد. أودع صلاح الدين دميرطاش ، القائد السابق لحزب الشعوب الديمقراطي ، في السجن منذ عام 2016 ، على الرغم من مطالبة  المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإفراج عنه. وفي آذار من هذا العام ، أقام مدع عام بارز  دعوى  لحل الحزب وحظر 687 عضواً من قادته من أي مشاركة سياسية في المستقبل. وأحدى المستهدفات في هذه القضية هي سبحات تونسل ، عضو البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي والتي أودعت في السجن منذ ما يقرب من خمس سنوات بتهم إرهابية ملفقة. وقد كتبت هذا المقال من السجن عن نضال الشعب الكردي من أجل الحرية والديمقراطية واستخدام نظام أردوغان للقضاء التركي لقمع المعارضة.

المقال:

هل القانون ينصف حقا؟ من هم أولئك الذين يضعون القانون؟ وهل كل ما هو قانوني عادل بالضرورة؟ يمكننا أن نواصل طرح أسئلة كهذه. من أولئك الذين يحميهم القانون؟. 
 
 تستثني قوانين النظام الرأسمالي -الذي يهيمن عليه الذكور- النساء من الحياة الاجتماعية والعامة وتفرض نظام العبودية، فقد وضع القانون لحماية رأس المال والنظام الأبوي والدولة. إنه يحرم العمال و المعوزين والنساء والمؤمنين و من جردوا من الحقوق والحريات. بالطبع ، عبر التاريخ ، كافح العمال الفقراء والنساء والجماعات الدينية هذه القوانين. وقد ساعد هذا الكفاح على ضمان الحقوق الفردية والجماعية و تشريع اللوائح والمواثيق الدولية. ومع ذلك ، لم يتم حتى الآن وضع نظام قانوني حر ومتكافئ وديمقراطي. الدول القومية تناقض في كثير من الأحيان قوانينها الخاصة سعيًا وراء مصالحها. وهذا واضح في سياسات القهر والاضطهاد والعنف ضد الشعب الكردي في تركيا.
 
لقد لعب الأكراد الذين يعيشون في تركيا دورًا مميزاً في نشأة الجمهورية التركية. وتمت صياغة دستور عام 1921 في هذا السياق. ومع ذلك، تم تجاهل الطبيعة التعددية والتنوع الثقافي و الهوياتي و الطابع الديمقراطي لهذا الدستور ، و تم بدلاً من ذلك وضع سياسات الإنكار والتدمير و الأحتواء. ولطالما تمرد الشعب الكردي ضد هذه السياسات.

 الأكراد أحد أقدم شعوب الشرق الأوسط، شطرت أراضيهم إلى شطرين بموجب معاهدة قصر شيرين بين العثمانيين والفرس عام 1639 ، ثم إلى أربعة أقسام بموجب معاهدة لوزان بعد الحرب العالمية الأولى. الأكراد ، وهم أكبر الجماعات في المنطقة ممّن لا يتمتعون بالاعتراف بهم كشعب في العالم ، كانوا على الدوام هدفاً لسياسات قمعية وقاسية من قبل العراق وإيران وسوريا وتركيا. بيد أن مصير الأكراد، الذين تحملوا العنف للمئتي عام الماضية، له أثر عميق على مستقبل الشعوب الأخرى التي تعيش في الشرق الأوسط. إن ما يحققه الأكراد في كفاحهم من أجل المساواة والحرية والسلام سيكون له بالمحصلة مردود إيجابي على الشعوب الأخرى في نضالها من أجل الحرية. ما كشفته ثورة روجآفا  إن كل مكسب حققه الأكراد كان حافزاً للشعوب المضطهدة الأخرى في تطلعاتها للانعتاق والحرية. مرة أخرى، كان كفاح الأكراد الدؤوب – ضد منظمة داعش الإرهابية المناهضة للإنسان – مصدر إلهام للجميع. لا أروم بالطبع  سرد هذه القصص بالكامل، ما أردت قوله هنا هو: أن النضال الكردي من أجل الحرية له أبعاد دولية وقومية، فليس من قبيل المصادفة أن العالم ، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، لا يأبه بهذا الاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الكردي – فتلك سياسة طويلة الأمد، ومع ذلك، يمكننا مواجهة هذه السياسات من خلال التنظيم – كما حصل في حركة التضامن الدولي الكبيرة التي تنامت حين تعرضت كوباني للهجوم في عام 2014.  لنتذكر أن تلك المقاومة كانت بداية لهزيمة داعش. إلا أن تركيا الداعمة للجهاديين لم تكن لتتمنى هزيمة داعش. على الرغم من أنها حاولت الظهور بمظهر مناهض لداعش لكنها تظل داعمة لها على الدوام : علينا أن نرى في هذا السياق مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي  قرب حدود تركيا ، والرواتب المخصصة لقوة شبه عسكرية من الجهاديين. في نهاية المطاف، سوف يستمر دعم تركيا لمنظمات مثل داعش و رديفاتها كما كانت من قبل.
إن قمع سياسيي حزب الشعوب الديمقراطي لدعوتهم إلى التضامن ضد هجمات داعش على كوباني في عام 2014 ؛ و استهدافهم كأنهم إرهابيين ، انما هو شاهد آخر على دعم تركيا لداعش. في الأراضي التركية ، التي يقطنها أكثر من عشرين مليون كردي، كان من الضروري أن يدعو القادة السياسيون إلى التضامن مع إخوانهم وأخواتهم على الجانب الآخر من الحدود ضد تنظيم همجي مثل داعش. كانت تلك أيضًا مسؤولية إنسانية لا يمكن للحزب ان لا يفعل شيئاً إزاءها، وعلى جميع الأطراف معارضة هجمات داعش. إن محاولة مقاضاة أولئك الناشطين تظهر مدى وحشية الدولة التركية رداً على النضال الكردي من أجل الحقوق والاعتراف بقضيتهم. 

انتهت جولة الحوار بين عبد الله أوجلان ، زعيم حركة الحرية الكردية السجين، وممثلي الدولة التركية من حكومة رجب طيب أردوغان عام 2015. وبعدها تعرض أوجلان لعزلة مطلقة. خلال هذه الفترة ، تأسس نظام قمعي تجاوز بكل المقاييس ما كان عليه سابقاً في تاريخ الجمهورية التركية: تم إختطاف إرادة الشعب الكردي باعتقال رؤساء البلديات والنواب وعشرات الآلاف من السياسيين الأكراد ، و تم إغلاق المؤسسات الكردية و تعيين أمناء لحكم البلديات. أدى النظام القمعي والقانون الكولونيالي في كردستان إلى القضاء على المعارضين للسلطة واحتجازهم واعتقالهم في الجزء الغربي من تركيا. باستخدام محاولة انقلاب 15 تموز 2016  كذريعة، حوّلت حكومة أردوغان هذه العملية إلى انقلاب كامل على المجتمع  وقادته باتجاه تأسيس نظام ديني بورجوازي متحيز جنسيًا تحت اسم النظام الرئاسي. ليس خطأً وصف هذا الوضع بأنه “الجمهورية الثانية” – كما يقال غالباً دون تردد أو سخرية من قبل أنصار الحكومة. أردوغان نفسه قال: “سنضع دستورًا جديدًا” – بمعنى أن الجمهورية الثانية ستكمل بناء الجمهورية التركية، تحت سقف قمعي.

إن العقبة الوحيدة أمام الدولة التركية لإقامة هذا النظام القمعي هي الحركة السياسية الكردية وحزب الشعوب الديمقراطي – القوى الموحّدة للحرية والديمقراطية في تركيا. ضمن هذا السياق ومنذ عام 2015 ، كان الضغط على الأكراد وحزب الشعوب الديمقراطي مستمرًا لكونهم يشكلون عائقاً أمام بناء النظام الاستبدادي المخطط له. لذلك سقط  القضاء تحت نير القوة ليضرب عرض الحائط القانون والمواثيق الدولية. حين يتعلق الأمر بالأكراد وأصدقائهم ، يتم تفسير القانون التركي بطرق تعسفية. أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرارها لصالح السكرتير السابق لحزب الشعوب الديمقراطي السجين صلاح الدين دميرتاش ؛ واعتبرت حكم سجنه على أنه قمع للتعددية السياسية. ومع ذلك ، لا يزال في السجن – بل صعّدت الدولة التركية اضطهادها للسياسيين المعارضين. تصريحات الرئيس أردوغان – “نحن لا نعترف بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” – التزمت به المحاكم التركية كأمر، فقد أعلنت المحكمة الجنائية رقم 22 في أنقرة أنها لن تمتثل لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قبل بدء الإجراءات. هذا يدل على حجم تأثير الحكومة على القضاء.
 جرت المحاكمة المتعلقة بدعم سياسيي حزب الشعوب الديمقراطي لكوباني ، والتي بدأت في أنقرة في 26  نيسان ، في ظل تعليمات سابقة قدمتها الحكومة إلى نظام العدالة. لم يُسمح لمحامينا بالدخول: قيل لهم إن الباب مغلق. يبدو أن رئيس المحكمة قد تواطأ في هذه القضية سعياً منه للحصول على منصب سياسي في المستقبل. لقد تم الكشف عن أن قضية كوباني لم تكن سوى قضية انتقام ، ومحاولة ألقاء حزب الشعوب الديمقراطي خارج حلبة الصراع السياسي من أجل الديمقراطية، ولا علاقة للأمر بكشف الحقيقة وخدمة العدالة. كان من الواضح أن النظام القضائي تم العبث به من قبل الدولة التركية ، بتعليمات سياسية من الحكومة ومسؤولي المحاكم الحزبية والقضاة المعينين من قبل السياسيين.

حسنًا ، ماذا سنفعل؟ سنقاوم بالطريقة التي قاومنا بها لمائة عام. سنواصل نضالنا من أجل الديمقراطية والبيئة وحرية المرأة وحقوق الإنسان والعدالة الديمقراطية والمساواة والسلام. في الوقت نفسه ، سنواصل المقاومة والكفاح من أجل إرساء المبدأ الأساسي لحزب الشعوب الديمقراطي: الحياة الحرة. 
في خضمٌ كفاحنا ، نهيب بأصدقائنا ، كل أولئك الذين يؤيدون المساواة والحرية والديمقراطية والسلام ، لدعمنا وإبداء التضامن معنا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here