الإنسان ينتصر

الإنسان ينتصر : بقلم (كامل سلمان)

منذ اليوم الأول الذي وطأة قدماه سطح الأرض وجد الإنسان نفسه امام التحدي فقبل التحدي وكان اهلا لها . التحدي امام الطبيعة امام الحر والبرد ، فوجد ما يقيه ، امام الكوارث و الفيضانات فعمل على تجنبها وايجاد الحلول الكفيلة بحمايته من تبعاتها ، امام الكائنات الحية فانتصر عليها ، فبدأ يزرع ويحصد ويتكاثر وينقل تجاربه في المواجهة من جيل الى جيل ، ثم واجه الأمراض والأوبئة فأوجد العلوم لمواجهة كل تحدي على حده ، فعلم الطب اثبت علو قدمه على الامراض والاوبئة وعلوم الفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية والحياتية والانسانية اعطت للإنسان قفزات عريضة للرقي والتقدم ، وسخر الحيوانات لخدمته وطور انواعها ، وأخذ يحقق الانتصارات واحدة تلو الأخرى ، فصنع الآله والأدوات التي يحتاجها للمواجهة وأكتشف اسرار الأرض ومعادنها وسخرها لنفسه وأكتشف الكهرباء لينير ظلمة الليل وصنع وسائط النقل ووسائل الإتصال وطورها بشكل مذهل حتى أحكم سيطرته على الأرض ، ولم يكتفي فتوجه للفضاء فبدأت فتوحات الفضاء فأصبحت الكواكب تتساقط تباعا تحت قبضته ، هذا الكائن العظيم سيستمر بالتطور ، ولكن ليس كل انسان من سلك هذا المسلك التصاعدي التقدمي لخدمة نفسه والإنسانية فقد ظهر في جزء آخر من هذا الكوكب من يواجه العلم والمعرفة مستفيدا مما أنتجه الإنسان الرائع ليستحوذ عليه ويسخره في خدمة الخرافة والدجل متحديا كل ما بناه الإنسان المبدع ، فأصبح الناس صنفان ، صنف يبني وينتج وهذا الصنف الذين احبهم الله وسدد خطاهم وصنف جعل نفسه اداة طيعة بيد الشيطان فأذل نفسه وعمل على تخريب العقول ومحاربتها وصناعة العجز والارهاب مستندا على الخزعبلات والشعوذة ، ففي الوقت الذي يعمل فيه الإنسان المبدع لأحياء قيم الإنسان والإنسانية وسموه الذي هو جدير بها ، عمل الصنف الثاني على إماتة قيم الإنسان وإنسانيته وسحبها الى الحضيض ، عمل على تدمير الانارة التي أضاءت الظلمات ، عمل على قطع المياه لتجفيف الأرض ، عمل على تحريم اللقاحات التي تنجي الإنسان من ويلات الأوبئة ، عمل على تكلس العقول البشرية وتجفيفها من المعارف ، ووجدوا ضالتهم بالبسطاء الذين لا يعرفون اصل اللعبة ولا يعرفون الخبث ما وراء الألسن فخضعت عقول هؤلاء البسطاء طوعا وبعد ان استقووا خضعوهم عنوة وكرها . إنه صراع حقيقي بين الخير والشر ، ومرة ثانية يتقبل الإنسان هذا التحدي وسينتصر عليه مثلما تعود الانتصار من قبل .
الإنسان هذا المخلوق العظيم ونحن فخورون ان نكون جزء منه سنقف بكل امتنان الى جانب الخير الذي يسعى اليه ولن نداهن او ننتمي الى الصنف الذي اصابه الاعوجاج هذا الصنف ليس وهما او خيال فهو موجود ويعمل بكل جدية واصرار لتحطيم صرح الإنسانية ، فبالأمس القريب كان له سطوة على الجنس البشري في مساحات واسعة من الأرض واليوم لم يتبقى منه إلا جيوب هنا وهناك متوهما بإنه سيعيد نفسه واضعا احدى يديه على الحاضر واليد الأخرى على الماضي في الوقت الذي وضع الإنسان الحقيقي أحدى يديه على الحاضر واليد الأخرى على المستقبل ، الإنسان سينتصر ولم ينال النصر من قبل في ليلة وضحاها بل تحمل الخسائر وتحمل الألم على مضض وكان صبره جميلا واضعا نور الله في حدقاته ، فهو ذلك الإنسان الذي هزم السيئات بالعلم والمعرفة وترك احباب الظلام يتخبطون في ظلمتهم ، سيسحقهم كما سحق الأخريات .
الإنسان ينتصر فهو رهان الله ضد رهان الشيطان رهان الخير ضد رهان الشر رهان الحرية ضد رهان العبودية رهان العلم ضد رهان التخلف ، ان الجهلاء من الناس يستمتعون بما يقوله اصحاب الشر ولم يتمعنوا في خطواتهم المريبة ولم ينظروا الى اعمالهم ونتائج افعالهم لإنهم دون هذا المستوى من قدرة التقييم فأصبحوا بيادق للشر من حيث لا يشعرون ضد ملائكة الخير ، نعم الإنسان النافع هو ملاك الخير بل هو أعظم من الملاك فهو يجد حياة الناس وسعادتهم مصدر للإلهام والعطاء في نفسه عكس الصنف الشرير الذي يبني سعادته المزيفة على حساب الأخرين .
ما يؤلمنا هو ان صنف الشر وجد أرضه الخصبة في ربوعنا فاستطاع ان يستوطن فيها ويتغلغل ويتجذر في اعماقنا في غفلة منا فأشلنا وأحبط طموحاتنا في مواكبة البشرية في تطلعاتها واستطاع ان يسخر اعداد كبيرة من رجالنا ونساءنا وأولادنا لخدمة نواياه الباطلة وبسبب ضعفنا المتوارث رضخنا ورضينا بما لم يرضاه عاقل لنفسه ولم نعد قادرين على إعادة ذواتنا الى حضيرة البشر الحقيقي ومازلنا نعتقد بإننا أقوياء ، هذا الاعتقاد الوهمي ليس له اساس على ارض الواقع لإننا كنا مهيئين لتقبلهم بعد عقود من الكلام الناعم . فلننظر الى أنفسنا اليوم ، ماذا جنينا من أفعالهم ، فهل يستحق ابناءنا ان نورثهم كل هذا البؤس واليأس ، فبماذا سيباهي ابناءنا الأمم الأخرى وحالهم سيكون مثل حالنا نتوسل العطف ونتوسل العطاء من الاخرين .
هذا الانكسار الهائل الذي اصابنا هو نتيجة طبيعية لسذاجة عقولنا وميولنا العاطفية المفرطة ، فقد استغلها هؤلاء المرضى خير استغلال فاستطاعوا ان يبكوننا باحترافية عالية من خلال قصصهم المحبوكة بإتقان فأستحوذوا على قلوبنا المترنحة من تراكم الهموم واستطاعوا ان ينالوا من عقولنا المتصدعة بروايات وأحاديث صنعوها في دهاليز مظلمة فأكتملت شرنقتهم لشعب ظل طوال تأريخه يبكي على الماضي ويتلذذ بالحزن والبكاء فغناءه حزن وواقعه حزن وتفكيره حزن ، فهل سيجد عشاق الحزن أفضل من هؤلاء ليزيدوا لهم الحزن ، فخذوها دسمة وتمتعوا بها ولا تشكوا همومكم لأحد فلن يسمعكم احد ، فليس هناك في الأرض طبيب يعالج عليلا والعليل متمردا على الإرشاد والتوعية ويريد الشفاء فالعلاج يبدأ من الذات اولا ولا يحق لإنسان الماضي ان يقارن نفسه بإنسان المستقبل فكل في فلك يسبحون .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here