قراءة نقدية

الشاعر “حيال الاسدي”
“القصيدة ذات نرجسية – لعبة مؤلفة من المعنى والمبنى،”
قراءة عقيل هاشم
تَخُوْنُنِي لُغَتِي
كُلَّمَا دَنَوْتِ
مِنْ وَهْجِ الحَنِيْن
أَرْتَدِي هَزِيْمَتِي
وَ أَرْتَشِفُ وَجَعَ السِنِيْن
وَ أَجِدُ الوَطَنَ شَامِخاً
يَتَأَلَّقُ فِي سِحْرِ العُيُوْن
إن الكتابة الشعرية عند الشاعر “حيال الاسدي” هو كشف عن واقع الشاعر النفسي الاجتماعي والعاطفي ، حيث قصائده تحمل القيمة الانسانية والشعرية ، فهي وسائل تعبيرية مصدرها التوافق بين التجربة نفسها ووسائل الكتابة، وهذا يعني أن الكتابة الشعرية عنده لا تعتمد على جماليات القصيدة فحسب ، بل هي مكابدات يومية توحد بين الذاتي والموضوعي، ولأن الإطار الشعري الجديد يستوعب كل المضامين الجديدة، حاول الشاعر ان يجدد في تركيبة قصيدة من حيث الاحالات اللغوية والانزياح .
وبالنظر إلى تغيير الحياة في مضامينها، حاول الشاعر ان يطور ادواته الكتابية بكل محمولاتها اللغوية التعبيرية ووسائلها الفنية، لأن يجعل لكل لحظة شعورية طبيعتها الخاصة والعامة التي تسمح بتوسيع الطاقة التعبيرية لديه واستثمار المفردات الشعورية الدالة بتوظيف الرمز والانزياح، مما أعطى لهذه الكتابة قيمة تجريبية جديدة، وقناعة أسلوبية بها اكتملت كينونته البيانية والتفسيرية،
ولأن الإبداع يقتضي قيام شكل جديد تام النمو، يطلع باستثمار الطاقة الشعورية في نسج قصائد مؤثرة ومعبرة عن الشجن الجنوبي .
اذن الكتابة الشعرية هي النموذج الجديد للتعبير عن القانون الذي يتحرك في عالم يتغير، لأن التحول في الشكل يحتاج إلى مسافة من الزمن تعادل المسافة التي يحتاج إليها الوجدان الشاعري والدفقة الشعورية،
اقتباس
لَيْلَةٌ…لَيْلَتَان…لَيَال
وَ أَنْتِ تَسْكُنِيْنَ
الْنَبْضَ وَ الْخَيَال
يُهَدْهِدُنِي شَوْقٌ
وَ يَسْتَبِيْحُنِي سُؤَال
مَتَى تَقْرَئِيْنَ وَجَعِي
وَ تَقُوْلِيْنَ تَعَال ؟
لاشك أن القصيدة، عالم يكتنفه الغموض والإبهام، لذلك راح الشاعر يصنع لنا عالمه كما يحلو له ، عارضا براعته الشعرية التي تنم عن قوة شاعريته، فهو الذي فتح أبواب الأسئلة والنبش في المتخيل الشعري كأنها إشارات غير متناهية، تتيح للوعي أن يستشف عوالم لا حدود لها من أجل “إضاءة المعتم “. فالشاعر في إبداعاته المؤطرة بإنتاجات ثقافية واجتماعية، كأنها فضاء تشكيلي ودلالي، ولعبة مؤلفة من المعنى والمبنى،
اقتباس
أَنَا صَوْمَعَةُ عِشْقٍ
مُشْرَعَةٌ حَتَّى السَحَر
إنْ مَرَّ بِهَا شَجِّي
طَافَ وَجْداً وَ سَكَر
مِنْ حَرِّ صَبْرٍ وَ عِشْقٍ
تَرَنَّحَ حَتَّى الحَجَر
إن هذه المقاطع الشعرية هي دفقة شعورية ناتجة عن حالات وجدانية ، ويمكننا متابعة هذه الذات النرجسية بتشكلها، لتضفي على اللغة الشعرية إبداع السياقات وقواعد التمرد على التراكيب وإخراج المنسي من فضاء اللذة، لأن اللغة هي تشكيل وتراكيب تخلخل المألوف لتزيد من الحنبن الى الاخر حتى وان في الخيال ، والشاعر يحاول العودة إلى الثبات والواقع ،
اقتباس
وَيْحَ السَقِيْمِ إذَا
بِهِ الخَلِيْلُ مَا شَعَر
حَتَّى إذَا ضَمَّهُ لَحْدٌ
وَ تَلَقَّفَ النَّاسُ الخَبَر
جَاءَ بِقِرْبَةِ دَمْعٍ
وَ بِهِ الحُزْنُ جَأَر
الشاعر يقدم لنا رؤية واعية تعبر عن جوهر “ذات الشاعر”، من أجل النبش في حقائق النفس البشرية، لأن هذه الرحلة لا تقبل الركون والسكون، بل المجازفة في الحصول على ماتريد ذات الشاعر النرجسية فهذا المقروء يطرح تعددا واحتمالا ليصل بنا إلى مفهوم التحول من السكون إلى الحركة، ليظهر لنا معجم الانزياح في كل أجزاء القصيدة، حيث يشكل امتدادا إيقاعيا للقصيدة
اقتباس
وَ أَعُوْدُ مِنْ هَزِيْمَتِي
جَذِلاً
وَ أَنْتِ فِي قَعْرِ خُوْذَتِي
تَبْسِمِيْن
فهذا المقطع الشعري يتخذ الشاعر سلطة لنفسه ليشير إلى الأمل الذي يترجم الحقيقة ، ما دامت كمياء الكتابة الشعرية تعيد بناء الواقع الممكن، وفق تصور غير مؤدلج، لتخضع الكتابة للفعل النفسي والتأويلي. بهذا المعنى يتأسس شعره كوجود محتمل الذي هو الإنسان المتخن بالمآسي والحب معا ، حيث يتحدد أيضا كعلاقة نقدية للوضع البشري الغارق بين حب الوطن وماسي الفقد كفعل الحضور، ترتهن قيمة الذات المبدعة لتخترق يقين السائد
فتأسيس شعرية حوارية هي الرهان الأسمى لهذا القصائد، لأن الشاعر يطرح أسئلة حول الإنسان وماهيته ووجوده ومقوماته المتوزغة بين الذات والموضوع، باعتبارها تراكمات نفسية واجتماعية تلاحق الذات الفانية في كل تحولاتها وتوليداتها الممكنة،
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here