تدهور الوضع الامني في العراق ينذر بكارثة وطنية

تدهور الوضع الامني في العراق ينذر بكارثة وطنية

اذا ما كان الكثير من العراقيين الاحرار ضد الغزو البربري الامريكي الذي اتى بشذاذ الارض الطائفيين الى بغداد. لكن هؤلاء الاحرار لم يكونوا مثاليين ويطالبوا بالاصلاح الفوري بعد ان وقع الفأس بالرأس. فعلى الرغم من معرفتهم بفساد اذناب الاحتلال لكنهم منحوا لهم الفرص للعودة الى الصف الوطني. وفق المنطق الاسلامي ان الله غفور رحيم وباب التوبة مفتوح. كنا نتمنى على الله الاماني ونتوقع المستحيل من اشخاص رضعوا الخيانة والعمالة واستئصال المخالف.
عندما جاء عادل عيد المهدي رئيسًا للوزراء كنا نعلم علم اليقين بانه احد ازلام الاحتلال ومقنن الطائفية وهو الذي فرض الخيار الطائفي التكفيري الموالي لايران. لكن كنا نمني النفس وقلنا في مقال منشور في القدس العربي او الزمان انذاك بانه يمكنه ان تغيير المسار ورجونا ان يصحو ضميره. نحن نعلم بان فرصة التوبة الى الله وانقاذ العراق لا تزال سانحة بين يديه. خصوصا وانه كان قادر على وضع حلفاءه الامريكان تحت الامر الواقع. لقد اعتقدنا بانه ادرك بصورة لا تقبل الشك بان العملية السياسية ودستورها سيء الصيت قد ماتت. بعد ان مزقت العراق وقربته الى التقسيم. لقد اعتقدنا بانه بعد ان حقق هدفه بالسلطة والجاه والمال يمكن لضميره ان يصحو بعد ان حقق مصالحه. لكن فشل رهاننا في تشجيعه للعودة الى طريق خدمة الوطن والمواطن.
كنا قد املنا ايضا بوادر اصلاح على يد مصطفى الكاظمي ونشرنا مقالات علنية بهذا الاتجاه معتقدين بانه سيستثمر علاقته الوثيقة بامريكا التي تدعي العداء مع ايران لتقليم اصابع مليشياتها التكفيرية كالحشد وغيره. فيبدا على اقل تقدير باعادة الاعتبار للجيش العراقي. لكنه سريعا ما خان الامانة عندما حضر رسميا قبل اقل من شهر استعراض مليشيات الحشد الولائية. كانت مجرد امال كنا نشكك اصلا في امكانية تحقيقها من قبل رجالات الاحتلال. لكن كان من الضرورة اقامة الحجة عليهما وفسح المجال لهما العودة الى الصف الوطني.
كنا مع الكثير من الاحرار العراقيين نفسح المجال لامكانية تطبيق سياسة الاصلاحات التدريجية من داخل النظام الطائفي نفسه. معللين النفس بان مجال التوبة متاح ومفتوح للجميع ويبقى الانسان عرضة لان يفيق من غيه ويتوب من ذنوبه بعد ان راى الكوارث لاهل وطنه والخراب لبلده.
لكن سنة الله في الارض نافذه وهي ان اصحاب المبادئ الفاضلة والرسالات الاصلاحية المستقيمة. لا يمكن ان ينتصروا دون المنعة والقوة والباس المادي. فقد جاهد رسول الله طيلة ثلاثة عشر سنة لاقناع مشركي قريش لتوحيد الله وعبادته لوحده. لكن الفيصل الذي سمح له بالنصر المؤزر عندما جعل القوة والجهاد المسلح في خدمة المبدا ففتح مكة المكرمة عنوة حيث كانت معقل الشرك. يبدو ان العراق لا يمكن ان يتقدم ويسير باتجاه بناء دولة عصرية حديثة الا بالقوة الجماهيرية المسلحة. لقد فقدنا الامل بالتظاهرات السلمية الواسعة النطاق التي لم تقدم شيئا منذ اكثر من عامين. ان قوى الشر التكفيرية ادركت اهمية هذا الخيار فاحكمت المليشيات الطائفية سيطرتها على السلاح. ثم تغولت وسيطرت على الارض ومارست تطهيرا طائفيا واسعا منذ حوالي عقدين.
ليس امام العراقيين اليوم سوى البحث عن حلول خارج المنظومة الحاكمة التي جاءت بهدف سرقة ثروات العراق وفرض المذهب الواحد. بعد ان ارست دستورا عنصريا لخدمة الاقلية الكردية وطائفيا استئصاليا لخدمة الشعوبيين الشيعة الولائيين اوائل عام 2005. ان اي تغيير لا يمكن ان يعيد وحدة العراقيين شيعة وسنة عرب واكراد وتركمان مسلمين ومسيحيين وصابئة دون اسقاط ذلك الدستور وعمليته السياسية.
كنا نتامل ايضا بانتفاضة تشرين خيرا لكن قادتها هلاميين مجهولين مشكوك في هويتهم الوطنية. كما ان الحكومة وامريكا والمليشيات كل على طريقته تمكنوا من افراغها عن اهدافها الاساسية. اما ايران فانها تريد ان تبقى مليشياتها تهيمن على الساحة العراقية ويبقى العراق ساحتها المفضلة لتصفية حساباتها مع امريكا او دول الخليج العربية.
بعد ان تعسكر المشهد العراقي وهيمنت المليشيات التكفيرية على عموم العراق. انها مليشيات غير منضبطة تغير ولائها حسب مصالحها المادية. اذ كانت تحت اوامر امريكا وهي التي صنعتها وادخلتها وراء دباباتها. ثم انقلبت عليها وحولت ولائها لايران لاسباب طائفية. ليس هناك اي حل ممكن بعد فشل الاحتلال الامريكي لجلب الامن والامان وخيانة اذنابه له وللعراق.
ان العراق الان متجه الى التقسيم والضعف والصراعات الدينية والطائفية والمناطقية والعشائرية تتعدى الحرب بين السنة والشيعة او بين العرب والاكراد. اذ بدأت الصراعات بين الشيعة انفسهم فهناك من يوالي الصدر ويريد الاستحواذ على كل شي او انصار السيستاني والموالين لايران الذين يتنافسون لحصد اكبر المكاسب من غيرهم وهناك المعادين لهما والذين يبحثون عن دور في عراق لم يبق منه غير الاسم فقط. كذلك الامر بين السنة المتهالكين على فضلات مائدة الطائفيين. فصراع المصالح والمكاسب بينهم كبير من عملاء السلطة الطائفية كالاخوان المسلمين والصحوة والمقربين من تركيا او السعودية والامارات. اما الاكراد فالصراع متفاقم بين جماعة الطلباني والبرزاني والتغيير والموالين لايران وتركيا الخ.
ينبغي بعد كل هذه الانتكاسات ان يطالب الشعب العراقي خروج القوات الامريكية والمليشيات ذات التوجه الايراني في وقت واحد. على ان يتحمل المجتمع الدولي وضع العراق تحت حمايته الادارية الموقتة لمدة ما بين سنة ونصف الى سنتين. ينبغي ان تعمل سلطة الحماية على حل المليشيات والاحزاب المشاركة في العملية السياسية. وان تحل مجلس النواب ومجلس رئاسة الجمهورية ومجلس رئاسة الوزراء. ثم تشرع للطلب من نخب ومثقفي العراق الذين لم يتلوثوا مع الاحتلال واذنابه في كتابة دستور عراقي وطني. واعادة تأسيس الجيش العراقي على اسس وطنية غير طائفية او حزبية آو عنصرية. ثم العمل على فتح حوارات لجميع المحافظات ضمن المجتمع المدني لاختيار شكل النظام السياسي العراقي الجديد ياخذ بنظر الاعتبار الهوية العربية الاسلامية المعتدلة المنفتحة للعراق.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here