إلى رياض الصالح الحسين

إلى رياض الصالح الحسين

زينب الجزائري

“وعندما يصبح للنافذة عينان تريان يأسي
وللجدران أصابع تتحسَّس أضلاعي
وللأبواب ألسنة تتكلَّم عنِّي
وعندما يصبح للماء طعم الماء
وللهواء نكهة الهواء”

وغداً حين يفيضُ البحرُ بإسميّ
وتُناديني الضِفافُ لأُبحر
سأُعطي للرحلةِ إسم الخيبة
و سأحملُ معي إسمك الشجريّ
لأُناديك كلمّا فاضَ المّدُ بحزني
وسأقول لمن ظنّ أنني على مشارفِ الجنون
بأنكَ وبلا صوتٍ
حينما ولدتَ وعانيتَ وحملتَ فصولك القاحلة فوق البحر ومُتَ بعيداً عن آيادي الأهلِ والحبيبة
قد قُلتَ كل شيء
وبأنكَ وبلا صوت
من سابعِ سماءٍ لموتك أنصتَ لصوتيّ
حينما ناديتُك من ليليَّ الأعمق
ماذا أفعل؟
إذا كان كل الذين أحبُهم موتى
أو يوشكون على الموت
ماذا أفعل؟
الشك يُحيط بمراكبي وكل ثقةِ إدخرتُها للعالم
تلاشتّ بين زُحامِ الحبّ والبشر
ماذا نفعل ياصديقي والمراكب تغدر بأشرعتنا
هل حدثتُكَ عن البئر في حديقتنا؟ كانت بئراً عميقة
غير أن لها فوهةً ضيقة
ما كانت تتسعُ لأرميّ لها بكل أُمنياتي دُفعةً واحدة!
هل حدثتُك عن البئر التي دفنوها بعد أن تعفنت! من كُثرةِ ما رميتُ لها من فُتات
والحرب التي قطعت عنا الماء والكهرباء
ماذا نفعل؟
لدينا بئرٌ عفنة وأمنيات لا تصلح للشرب
ماذا أفعل إن ماضيّ كنصلِ سكين مسكور في صدري
ماذا أفعل والزمن يشوه الروح لا يشفيها
لم أكن أؤمنُ بالصُدفِ حينها
لم أؤمن بالأرض والوطن
لم أؤمن بحليبِ الأمهات
وحينما كانت الفتيات تُربي ضفائراً سود وفرساناً بيض
كنتُ أخلق من الطين هيئة الطير
وأنفخُ في سمعهِ : طِر
غير أن الطين لا يسمع
والفتى الذي سافر على ظهر إوزةٍ، لم يمر فوق البيت
فلمن كنت سأحكي!
عن الغابةِ التي تنبتُ في ظهر منزلنا ولا أحد يرى
وعن التائهين الذين يجولون بين الغرف
ويسألونني : ما إسمُ هذا المكان؟
وما تلك الكدمةُ الزرقاء على كتفِك؟
غير أنيّ..
لا أعرفُ عن المكانِ سوى شكله
ولا أعرفُ عن جسدي سوى أنينِ هذا الجلد الأزرق
هل حدثتُكَ عن صفاءِ الليل أثناء الحرب؟
كنتُ لا أعرفُ عن الأرضِ سوى تربتها
وحينما كان الأطفال يجولون حقول القرية بحثاً عن دود الأرض
كنتُ أنا أكنسُ ما تساقط من براعم الطفولة التي دهستها بغالُ الزواجِ المُبكر
وكنت أنت تموتُ بعيداً
وما كنتُ قد وصلتُ لنفسي كيّ أولدَ من جديد
يقول فيلسوفٌ غرِقَ في البحر: للمرءِ في حياته موتٌ واحدٌ وأكثرُ من ولادة
وأنا ياصديقي مّتُ مِراراً ومِراراً
وما من قلبٍ يلدني خضراءَ من جديد وكل يدٍ تُمدُ ليّ يقطعُها الطريق
وما من أحدٍ يرى ما آراه في عينيَّ
وعينيَّ ياصديقي تائقةٌ لئن تُرى
سأُلغي هذه الرحلة يوماً ولن أقول لأحدٍ عن وجهتي
سأقفُ عند الباب
ألوحُ بقلبي وأبتسمُ إبتسامةً مخذولة
وسأمرُ على ذكرياتي كطائفٍ حول ضريح
ولن أنسى شيء
سأمر على إسمك كيدٍ تُطببُ جرحًا ولن أقول لأحدٍ عن وجعي
ولن أنسى شيء
سأتذكر:
الحربَ. البئر. القرية. التلة. الساقية. العودة. الذكرى. الوحشة. الألم. الغربة. اليُتم. الصفعة. الصرخة. الحنين. الضياع. الصراع. الحب. الندم. الألم. التيه. الصمت. الصوت. الليل. الرجفة. الشوق. العجز. الغضب. البكاء. العيون. الوعود. الكذبة. الكلمة. الصديق. الطريق. النهاية.
.
٢٣ يناير ٢٠٢١ – بغداد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here