سؤال الى زعيم الثورة

سؤال الى زعيم الثورة

ماحدث يوم 14 تموز 1958 هو ثورة بمعنى الكلمة و ليس أنقلاب عسكري فقط حيث انتقل العراق من نظام ملكي مدني دستوري الى نظام عسكري دكتاتوري جمهوري و من معسكر تسليحي الى آخر حيث تحول من التسليح الغربي و بالأخص البريطاني الذي كانت تعتمد عليه القوات المسلحة العراقية الى لأتجاه نحو الكتلة الأشتراكية و بالأخص الأتحاد السوفييتي في التسليح و التجهيز الحربي و كذلك تحول العراق من نمط السوق الحر في الأقتصاد المعتمد في نظام الحكم الملكي الى نمط الأقتصاد الموجه او حتى الأشتراكي و اعتماد سياسة تأميم الشركات الكبرى و حتى الصغرى و حعل ملكيتها للدولة و أدت كل تلك التغيرات الى تغيير في العلاقات الأجتماعية لذلك كانت حركة تموز ثورة تغيير جذرية و شاملة .

لم يكن نظام الحكم الملكي و على الرغم من كل نواقصه و عيوبه بذلك السؤ الغير قابل للأصلاح و كان من الممكن و كما حدث في العديد من المناسبات ان تراجعت الحكومات الملكية المتعاقبة عن اتفاقية او معاهدة ما تحت ضغط الشارع و الجماهير المتظاهرة و كذلك استطاعت الجماهير من أسقاط العديد من الوزارات في انتفاضات جماهيرية غاضبة من اداء تلك الوزارات و هذا ما يحسب للنظام الملكي و الذي يتمتع بهامش واسع من الحرية و الديمقراطية و لم تكن المؤسسات الحكومية من الجيش و الشرطة تقابل المتظاهرين بالحديد و النار الا ماندر و لذلك كانت اعداد الضحايا قليلة مقارنة بالأنظمة الجمهورية اللأحقة و لم تكن الحكومات الملكية المتعاقبة تنتهج اسلوب القمع و البطش المفرط .

كان النظامان الملكيان الهاشميان في العراق و الأردن صنوان و تؤمان حيث كانت العائلة المالكة في البلدين واحدة و ابناء عمومة من الأسرة الهاشمية الحجازية و هما متشابهان في كل شئ تقريبآ في ادارة الدولتين الجديدتين العراق و الأردن و كان الفراق بين البلدين حين وقعت ثورة تموز في العراق و استولى الضباط على الحكم و قتلوا العائلة المالكة و تغير النظام من الملكي الى الجمهوري و ما آلت اليه الأوضاع في العراق بعد ذلك في حين حافظ النظام الملكي في الأردن على مكانته و ديمومته على الرغم من المشاكل و المؤامرات الكثيرة التي احاقت به الا ان العائلة المالكة الأردنية استطاعت بحكمة و حنكة بالنجاة من كل تلك المصاعب و تمكنت من جعل هذا البلد الفقير بالموارد الطبيعية بلدآ آمنآ و مستقرآ و من الأقتصاديات القوية في المنطقة و قبلة و مقصدآ للباحثين عن فرص للعمل و الحياة .

بعد ثورة تموز استولى ضباط الجيش على الحكم و قتلوا و نكلوا بالعائلة المالكة المسالمة و بدأت حينها مسيرة العسكر الدموية الذين اهملوا كل شئ في البلد و تفرغوا للأنقلابات و المؤامرات و قتل بعضهم البعض و هكذا تداول الضباط الحكومات الجمهورية فيما بينهم بالأنقلابات و المؤامرات و التصفيات و بدأت حروبهم الداخلية حين جردت الحملات العسكرية المتعددة في قمع الحركة التحررية الكردية و كذلك كانت الأنتفاضات الجنوب تقمع بالقوات المسلحة الى ان حل عهد مهووس بالحروب و المعارك ( صدام حسين ) الذي كان الخلاصة الطبيعية لتلك الأنظمة العسكرية العدوانية و الذي بدأ ( عهده ) بالحرب على ايران و كانت خاتمة ( حكمه ) احتلال العراق و الأطاحة بالحكم و الدولة و المجتمع .

لا نحاكم الماضي بمعطيات الحاضر و لكن لو فرضنا جدلآ ان ثورة تموز لم تقع و استمر الحكم الملكي في العراق و مع الأستغلال الأمثل للثروات الطبيعية الهائلة و التي يزخر بها البلد و مع تلك الكفاآت و الخبرات الأدارية الرصينة و في كل المجالات تقريبآ و مع ميل الدولة و رجالاتها نحو السلام و نبذ الحروب و النزاعات و ايجاد الحلول للمشكلات بين الدول الأقليمية عن طريق الحوار و الطاولة المستديرة و مع عقلانية حكومات العهد الملكي و صفة التسامح التي تحلى بها رجالات ذلك العهد و ميلهم الى توطيد السلم الأهلي و تداول السلطة بالوسائل السلمية و عن طريق الأنتخابات و التي سوف تكون اكثر شفافية و نزاهة و سوف يتاح المجال امام كل الأحزاب و الحركات السياسية بما في ذلك الأحزاب التي تناصب الحكم العداء و تدعو الى اسقاطه بغية دمجها في الحياة السياسية السلمية و امام كل هذه المعطيات سوف يكون لهذا البلد ( العراق ) شأنآ مهمآ و كبيرآ في المنطقة و العالم و ليس كحال العراق الممزق و المنهك حاليآ و سؤالنا الى زعيم الثورة و هو عند ربه في الدار الآخرة لو كان يعلم ما آلت اليه أوضاع الدولة بعد الثورة هل سوف يقوم بتلك الثورة مجرد تساؤل و ان كان متأخرآ .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close