جئنا الى الدنيا عراة، وسنرحل عنها عراة !

جئنا الى الدنيا عراة، وسنرحل عنها عراة ! * د. رضا العطار

قمة المجد، ان يموت الانسان كما عاش بأباء وعنفوان وكرامة، فللدهر طلعات افراح واتراح، شبع الى حد التخمة وجوع الى حد المبيت على الثرى، والانسان هو ذلك الذي يتكيف مع الظروف وتقلباته، يكون متواضعا كريما في حالة الغنى، صبورا في حالة الفقر، صابرا على عاتيات الزمن.

سهرتنا الليلة مع طيف ارملة تشرشل، التي ظهرت اخبارها على صفحات اخبار اليوم القاهرية في عددها 1738 عام 1977 حيث نشر الاديب مصطفى امين نبأ وفاة ارملة ونستون تشرشل، اشهر رئيس وزراء بريطانيا ابان الحرب العالمية الثانية، في شقة متواضعة في لندن – عجزت عن دفع ايجارها، لأن معاشها كان 60 جنيها في الشهر فقط لا غير ! – – لذا فانها اضطرت ان تبيع فضياتها واثاث منزلها والصور الزيتية التي رسمها زوجها، في المزاد العلني لتسدد الايجار البسيط وتدفع ثمن الدواء !

وعندما علم الشعب البريطاني بان ارملة اعظم رجل في تاريخ بريطانيا تبيت الليالي احيانا جائعة لانها لا تجد ثمن العشاء، تقدم كثيرون يعرضون قصورهم وبيوتهم على ارملة الحاكم الشريف وبدأت التبرعات تنهال عليها. لكن ليدي، ارملة تشرشل، رفضت القصور واعادت عشرات الالوف من الجنيهات الى المتبرعين وقالت : ان زوجة تشرشل لا تقبل الصدقات ! وما دام في بيتها كرسي، فسوف تبيعه لتأكل وتعيش.

وكان مجلس العموم البريطاني قد اصدر قانونا يمنح معاشات كبيرة لأرامل رؤساء الوزارات والوزراء واعضاء البرلمان ! – – وحرمت ليدي تشرشل وحدها من تطبيق هذا القانون – لانه نص على الا يطبق على ارامل الرؤساء الذين تركوا الخدمة قبل عام 1972

وكانت ليدي تشرشل هي وحدها التي لا يطبق عليها قانون المعاشات السخي !

وتقدم بعض اعضاء مجلس العموم البريطاني بمشروع قانون يطلبون فيه استثناء ارملة تشرشل من القانون ومنحها معاشا كبيرا كسائر رؤساء الوزراء والنواب !

ورفضت مسز تشرشل، وقالت ان زوجها كان دائما ضد ان يصدر قانون من اجل فرد واحد ! – وعدل النواب عن هذا المشروع.

وفي يوم السبت الماضي توجهت ليدي تشرشل الى محل للفضيات في لندن وباعت عددا من الشوك والسكاكين. – كانت آخر ما عندها من الشوك والسكاكين الفضية.

وفي يوم الاثنين اسلمت الروح !

باعت كل شئ – – – ولكنها لم تبع ذكرى زوجها الكبير.

* مقتبس من كتاب عالم بلا سياسة لنذير فنصه ّ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here