المغرب للجزائريين حبيب / 69

المغرب للجزائريين حبيب / 69
برسلونة : مصطفى منيغ
بعد انصراف الضيوف الوافذين لزيارتي ذاك اليوم من مختلف القبائل المجاورة خيامها من “عين بني مطهر” بين ضفتي الحدود المغربية الجزائرية معا ، والجلوس المباشر للحديث مع السيدة ( ث) فكرت في الابتعاد عن هذا الجو الذي توصلتُ بحَدَسي ، ولو بتلك السرعة الفائقة ، أن لا أستمرَّ وسطه ، إذ العيون ستتسلَّط عليَّ من كل جانب ، ومهما كان المهتمّ بالموضوع سيفسر الوضعية كما يحلو له معتمداً على التّخمين وما هو متداول شفهياً ، بالاضافة لما نشرتُه في الاعداد الأخيرة لجريدة “الحدث” من مقالات تفسّر مواقف استقبلتها بعض السلطات الاقليمية أنها بمثابة هجوم عليها والكيفية التي تسيّر بها شؤون العامة في تلك المنطقة الشاسعة من المغرب الشرقي ، وبخاصة ما جاء في المقال المُعنون ، “لكم المال والنفوذ ودبلومات النفاق ، ولنا الله والوطن والملك” . فكان عليَّ أن احتاط َحتى لا اضع نفسي وسط كماشة بين المسؤولين المغاربة والجزائريين ، خاصة والتوتر لا يمر يوم إلا ويتزايد لسبب تافه حتى ، طبعاً السيدة (ث) شعرت بما أنا فيه من هواجس لا تنتهي ، فأرادت أن تبعدني باقتراح الخروج للفسحة وخاصة مدينة “السعيدية” في هذه الاثناء تكون أنسب مكان لاستقبال من كان مثلنا ونحن نحيا أحلى أيام حياتنا. سألتها باستغراب :
لما تريدين أن تقرِّبينني أكثر ممَّا أنا مُفرَّب للجزائر ، في السعيدية منزل نافذة حجرته تطل على الجزائر الدولة والآرض ، ونافذة حجرته المقابلة مفتوحة على المغرب الدولة والأرض، الأمر تجاوز حدّ احتمال الصَّمت دون أن أعرفَ السبب ، وحتى لو بقيَ هذا الأخير بعيداً عن فهمي ، من واجتي أن ادركَ صراحة إلى أي مسلك ترغبين اجتيازه بي ،لا تعتبرين هذا مجرّد شكّ بل احساس غمرني ، يمهّد أمامي السبيل لأعاود التمعُّن ولو للحظات في أهلي الحقيقين ، وأصدقائي الحقيقين أيضا ، وأشمّ رائحة أمكنة رغم بساطتها تشكّل مهد راحتي النفسية ، ومرتع ذكرياتي اللطيفة البريئة ، وسنداً أضع كتفي عليه وأنام ولو لدقائق أستيقظ بعدها كانسان ، يقدر على قطع بحور لتحقيق سعادته الكاملة غير الناقصة . الحياة ليست توقيتا زمنياً نقضيها مكبَّلين داخل سجن المصالح ، محفوف من كل الاتجاهات بالهواء الطلق ، نأكل بنداء الجوع وننام بدافع العياء ونضحك بعلة الانبساط ونبكي حتى لا ننسى أننا من البشر ، الحياة شيء مُغاير تماماً ، نقضيها كما نريد ، في المكان الدي نريد ، متحدثين بطلاقة عما ينبع من داخلنا ، المبتكر من طرف عقلنا بأمر من ارادتنا ، متحملين رغبتنا في الاختيار دون ضغوط أو شروط ممن يشبهوننا ، إذ خُلِقنا مثلهم بنفس الطريقة ، الفرق الوحيد بيننا أننا وُجدنا لنكون أحراراً كالحربة نفسها ، لاننا حينما فهمنا ، علمنا أن الأصل فينا غير قابل للتغيير ، الابيض نراه أبيضا والأسود أسود ، لا نمزج هذا بذاك لصنع لونا ثالثا نلهي به أنفسنا لننسى بقية الألوان الممثَّلة في الطبيعة السمحة غير المرشوشة نباتها بالمبيدات القاتلة ، لعناصر أخرى حية ، بدعوة الحفاظ على سلامة حياتنا . أتمنى أن اراكِ سيدتي المحترمة الفاضلة على حقيقتك ، لا يهمني في هذه اللحطة أن تكوني مغربية أو جزائرية ،المهم عندي أن ارى فيكِ الانسانة المُقدّرة لمشاعري نحوكِ ، فتأخذينني بمثل ما يريد عقلي ، بغير ذرة نفاق واحدة ، أعلم أن حبّ الوطن من الايمان ، لكن لا نريد الحاق الأذي بالغير فقط من أجل هذا الحب ، لانه رحمة وليس وسيلة انتقام . انتِ امرأة متعلّمة لكن التجربة لا تحتاج لدرجات علمية كي تؤدي دورها على الوجه الأكمل، نفس التجربة التي تؤكّد لي أن شيئا فيك من الواجب أن اكتشفه بواسطتك أنت ولا أحد غيرك .
أجابتني بعد مغادرة الصالون للجلوس في الحديقة ، حيت طاولة هيأتها الخادمة لتكون في مستوى الحدث الخاص قائلة :
اخترتكَ من بين العشرات فقط لانني أحببتك ، وكنتُ مستعدة للتضحية بكل شيء يخصني بما يتضمن ذلك حياتي لاعيش بجانبك مثل اللحظة وما يأتي بعدها إلى آخر يوم من عمري ، تولَّد بداخلي هذا الاحساس النبيل الرّائع منذ أول يوم التقينا فيه بالجامعة وانت لازلت باحثا عن شيء أنت نفسك لم تعيه بعد ، وبطول مرافقتي لك في الرباط تعرّفتً عمّا تريد وما لا تريد لاربحك كما أريد ، بالرَّغم من عنادكَ وعزتك المفرطة بنفسك أستطعتُ أن أكون رقماً صحيحاً في حياتكَ خلال تلك الأيام الجميلة ، ولمّا التقينا ونحن في هذا السن المتقارب بيننا طبعا ،جعلتكَ بطريقة المرأة التي صمَّمت أن تكون لكَ عن حب مَلَكَ كلّ كيانها، تُحِسُّ أن حدثاً سعيداً سيجمعنا وهذا ما حَصَلَ رغم تردّدك لاسباب عائلية خاصة بك توصلت لمعرفتها بسهولة ومنها طلاقكَ من زوجتك الأولى . أن أقربك للجزائر أو ابعدك عنها كان هذا همي حيث خططت أن أناى بك عن العقلية المغربية وتميل إلى الجزائرية البدوية تحديدا ، القائمة على القناعة والعيش البسيط وسط الطبيعة الصحراوية التي إن بدت قاسية فإنها احنّ على الإنسان من بيئةٍ غيرها ، أن تكون صاحب عقلية ولست من حاملي الجنسية ، وحتى تفهم أكثر ما اقصده تذكر جيداً أن العقلية الجزائرية البدوية الصحراوية أحبَّت المغرب والمغاربة أكثر من عقلية جزائريي الداخل ، لانها عقلية لا تقيم للجنسية شديد اهتمام حينما يتعلق الأمر بالمعاملات السائدة بينها وعقلية مواطني الجوار ، ومن خاصيتها الوفاء والصدق وعدم الغذر . شخصيا أحمل تاثيرات مثل العقلية لانني ابنة امرأة جزائرية تزوجها والدي المغربي الجنسية ، ونظرا لانشغاله بشؤون تجارته في الانعام ترك تربيتي للوالدة التي أحبَّتك هي الأخرى ، بل طلبت مني أكثر من مرة التشبث بك وعدم اعطائك أية فرصة للهرب من شبكتي المحكمة المصنوعة من طرف حكمة عقلي وعطف قلبي وصرامة ضميري .
الوفوذ التي حضرت فعلت ذلك للتعرف على وجهك حتى لا تغيب أعنهم عن مراقبتك حماية لك إن تجولت في تلك الربوع التي ألفت التجوال بين تلالها ، كلهم أقاربي من طرف والدتي وأجزاء منهم تعاملوا مع والدي لتجمعهم الصدافة المتينة التي استمرت لحد الآن معنا ، وبذلك أصبح اسمك متداولا بينهم له مقامه الرفيع واحترامه الواجب بما ذكر عنهم . الحياة التي بينت خصائصها منذ قليل هي حياتي نتقاسم ما تراه أنت فيها لانني واثقة من صحة تفكيرك ورزانة تصرفاتك وسعيك المستمر للخير قولا وفعلا ، فكن كما تشاء أن أكون معك ، ومهما تريد تكون تلك ارادتي بعقليتك أو عقليتي لا يهم المهم أن نكون معا مدى الحياة احرارا كالحرية نفسها . الآن دعنا من النقاش وننطلق حيث تحس أن السعادة حليفة لك ستكون .
أتت الخادمة لتخبرها أن السيد (…) يريد مقابلتي عن استعجال ، أرادت السيدة الانصراف فأبقيتها معي لتسمع ما سأسمع. حضر الشخص ليصرح لنا أن السلطات الجزائرية … (يتبع)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here