الحكم السياسي في الاسلام (3)

الحكم السياسي في الاسلام (3)

لما كان الاسلام اخر دين وجاء لارشاد البشرية الى خير الطرق الحياتية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لذلك فقد وضع معايير ثابتة وواضحة لكل شأن من شؤون الحياة. كما ان هناك مشتركات ينبغي لكل مسلم الالتزام بها لاستقامة حياته في الدنيا وفوزه في الاخرة منها ان يشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله وان لا يقول غير الصدق وان يكون امينا ويعمل باخلاص ويبحث عن العلم ويودي الفرائض من صلاة وصوم وزكاة وحج ان استطاع.
هذه اخلاق اساسية لتسيير الحياة اليومية بكل صنوفها. لكن تشعب الحياة واحتياجها لكفاءات متخصصة في جوانب الطب والهندسة والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. امر لا بد منه لازدهار المجتمع وتطوره ورفع مستوى معيشة الناس. لذلك من المهم ان تضطلع بهذه المسؤلية طائفة من المسلمين متخصصة في الشؤون السابقة الذكر ومنها الشان السياسي.
هناك معايير اساسية سبق ان ذكرنا بعضها في الحلقة الاولى والثانية ينبغي ان تتوفر لدى الحاكم المسلم. فبالاضافة الى اساسيات الاسلام الاخلاقية والحد الادني من الالتزام العبادي. لا بد ان يعلم ولي الامر علم السياسة والاقتصاد والادارة الحديثة. فنحن اليوم في عالم متعدد الاقطاب واغلبه معادي للاسلام ويتربص به. فهناك مؤسسات عالمية مهيمنة كالامم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومحكمة العدل ودول تريد السيطرة على غيرها كالولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين والكيان الصهيونى. لذا ينبغي التعامل معها بحنكة وحكمة وروية لمصلحة المسلمين. خصوصا في وقت الاستضعاف الذي تمر به البلدان العربية المسلمة.
ان معايير التوحيد والاخلاص والتسامح والصدق والوفاء والعبادات والالتزام بالعدالة والشورى لن تكفي دون رفدها بعلم السياسة الدولية والتعرف على التجارب الاقتصادية العالمية الليبرالية والاشتراكية وعلى ما يجري في كواليس الدول الاجنبية المعادية للاسلام. ان معرفة ما حولنا امر اساسي خصوصا في عالمنا الذي اصبح مترابطا وصغيرا. اضحت الحملات الاستعمارية ذات وجوه متعددة وهي اكثر فتكا وتدميرا لشعوبنا. اليوم اصبحت الحرب ضد العرب والمسلمين مباشرة وغير مباشرة. قد تكون عن طريق الانتقام بالعقوبات الاقتصادية لتجويع الشعوب. او باثارة النعرات الدينية والطائفية والعرقية والعشائرية والمناطقية داخل البلد الواحد. ثم تصعيد تلك الصراعات وادامتها لافتتان المسلمين بعضهم بالبعض. واجبارهم من طلب العون ممن خلق الصراع والفتنة اي الدول المعادية. من المهم ان يكون الحاكم المسلم على دراية بما يدور في مراكز القرار لدى الدول العظمى وحلفائها. يتعرف ايضا على تجارب الشعوب المسلمة الاعجمية وسبل نجاحها وفشلها.

الحكم السياسي في الاسلام (4)
ان هناك الكثير من الاراجيف والدعايات المغرضة المتعمدة لتشويه مطالب المسلمين من قبل قوى داخلية متعددة. كما ان الغرب وإسرائيل تمكنوا من اختراق الجسد الاسلامي عن طريق المسلمين انفسهم. فالمتبرع الاول اليوم لتشويه الاسلام هي بعض الاحزاب العلمانية في الدول الاسلامية التي تبنت نظريات وافكار اجنبية. انها تعمل على فرضها على مجتمع مسلم. ذلك المجتمع يعلم ان نهضته مقرونة بحكم العدالة القرانية. لقد استغل فساد ونفاق الاحزاب الاسلامية التي استلمت الحكم جزئيا او كليا من قبل قوى الداخل. تلك الاحزاب الاسلامية التي ليس لها حظ من الاسلام غير اسمه. لقد سهل لها الغرب نفسه الصعود الى السلطة لتشويه مبادئ الاسلام السامية. تلك الاحزاب تعاونت مرات عديدة مع الدكتاتوريين بدفع من الدول الغربية.
في نفس الوقت نرى النخب العلمانية التي تلوم الاسلاميين هي الاخرى تعاونت وعملت مع الدكتاتوريين لخدمة الاجنبي. اذ دعموا وتعاونوا مع العسكريين العرب الذين لا يعرفون الف باء السياسة. اولئك الذين اسست معسكراتهم وأنشأت عقيدتهم بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الاولى. حاول العلمانيون من خلال تحالفهم غير المقدس معهم نشر الفكر الاجنبي وتشويه دين وحضارة الامة.
يحاول العلمانيون عبثا مقارنة تجربة الحكم الاسلامي بحكم القساوسة والملوك الاوربيين في القرون الوسطى. الذين كانوا يوزعون على الناس اراض في الجنة عبر بيع صكوك الغفران ويتكلمون باسم الله ويعتبرون انفسهم ظل الله في الارض.
رغم ان اكثر العلمانيين يعلمون بان دولة المدينة المنورة في عهد رسول الله كانت تحكم الناس وفق العدالة والمساواة والامانة والوفاء والاخلاص والتسامح. ساهمت ايضا في نشر العلم واعطاء كل ذي حق حقه. مما جعل اهل الكتاب يعيشون بسلام وامان في كنفها.
يفتري العلمانيين الكذب وتزييف الحقائق عندما يتهمون المسلمين بان حكمهم هو مقدس نيابة عن الله ولا يحترمون راي الشعب. وانهم لا يؤمنون بالديمقراطية. في حين ان التاريخ والواقع يقول بان الوحي من السماء توقف بعد وفاة رسول الله. لذلك لا يمكن لاي مسلم ان يقول بانه ممثل الله في الارض او يحكم نيابة عنه. اذ بعد ساعات من وفاة رسول الله قال ابو بكر الصديق الذي تولى الحكم انني قد وليت عليكم ولست بخيركم اي نفى العصمة عن نفسه. لقد حاول هو وعمر ابن الخطاب وعلي ابن ابي طالب الحكم وفق دستور المسلمين القران الكريم. فلم يدعي اي احد منهم بانه يحكم نيابة عن الله.
ان اسلامي اليوم المتحزبين الذين يبحثون عن السلطة باليات غربية مارسوا فسادا كبيرا في الادارة وتخبط سياسي وجهل وغباء امام مكر وخداع اعداء الاسلام. كما ان العلمانيين المعادين للاسلام كانوا ولا يزالوا يرددون كالببغاء ما يقوله العلمانيين الغربيين الذين يعادون الاسلام. ويسير ايضا على نفس الطريق الدكتاتوريين العرب والمسلمين.
من المعروف ايضا ان اغلبية الغربيين يدعون العلمانية كذبا ونفاقا. فهم يهدفون بذلك توريط بعض العرب والمسلمين ليكونوا معول هدم من الداخل. اما علمانية المستعمر الغربي فهي مجرد تدليس وفخ لايقاع المسلمين فيه. فمجرد الدفاع عن عدل الاسلام يتحول العلماني الغربي الى مسيحي صليبي او يهودي صهيوني. كما ان حياتهم اليومية تؤكد انحيازهم للحضارة والديانة اليهودية النصرانية. اذ نرى ان ممارسة اعيادهم وقوانين احوالهم الشخصية تسير وفق الديانتين.
نرى اخيرا ان الحسرة والضياع لكثير من العلمانيين المسلمين الذي لا يستطيعون ان يغيروا جلدهم ليكونوا من ضمن الصليبيين من جهة. كما فرطوا وضيعوا حضارتهم ودينهم وتقاليدهم من جهة اخرى. انهم تائهين ضالين لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here