تسخير العلم لأغراض الزراعة المستدامة

بقلم: سميرة جايجردار

تضم قائمة أهداف التنمية المستدامة، أو ما يعرف أيضا بالأهداف العالمية، مجموعة من 17 من المقاصد المتداخلة التي تم تصميمها سعيا لخلق مستقبل أفضل وأكثر استدامة. وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأهداف التنمية المستدامة هذه في عام 2015 ووضعت خططا لبلورتها بحلول عام 2030. وقد تبنت مختلف دول العالم هذه الأهداف تأكيدًا منها على ضرورة القضاء على الفقر والعمل على تحسين معايير الصحة والتعليم، والحد من أوجه عدم المساواة، وتحريك عجلة النمو الاقتصادي، ثم الحرص على معالجة التغيرات المناخية والحفاظ على توازن المحيطات والغابات.

أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر هي: (1) القضاء على الفقر، (2) القضاء على الجوع، (3) الصحة الجيدة والرفاه، (4) التعليم الجيد، (5) المساواة بين الجنسين، (6) المياه النظيفة والنظافة الصحي، (7) طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، (8) العمل اللائق ونمو الاقتصاد، (9) الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، (10) الحد من أوجه عدم المساواة، (11) مدن ومجتمعات محلية مستدامة، (12) الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، (13) العمل على تغيرات المناخ، (14) الحياة تحت الماء، (15) الحياة في البر، (16) السلام والعدل والمؤسسات القوية، (17) عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.

أقام معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية تظاهرة فرعية في 6 يونيو 2021 خلال المنتدى السياسي الرفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة (2021 HLPF) تحت عنوان: “من العلم إلى الممارسة: تسخير البحث العلمي لبناء مستقبل أفضل”. وفي هذا المنتدى، ناقشت لجنة من الخبراء من جميع أنحاء العالم نمط الفشل في مراعاة البحوث العلمية في كثير من الأحيان خلال وضع السياسات واتخاذ القرارات، سواء كان ذلك لدواعي تقنية، ثقافية، سياسية، مؤسسية أو مالية.

ومن المؤسف أن التقدم الذي أحرزته أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر إلى الآن لا يبعث على التفاؤل. ثم جاءت جائحة كوفيد 19 لتزيد من تعقيد الوضع، وفي بعض الحالات، فقد كشف الوباء عن الهوة الشاسعة بين ما توصل إليه العلم الحديث من جهة والقرارات التي وضعتها الهيئات السياسية من جهة أخرى. في حين أن البحث والابتكار وحدهما لن يحققا أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر بحلول عام 2030، فإن تعاون المجتمع المدني والسياسي كفيل بأن يمهد لنا طريق النجاح في ذلك.

ثاني عناصر قائمة الأهداف هو القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين ظروف الزراعة المستدامة. وخلال المنتدى رفيع المستوى، سلط الخبراء الضوء على بعض التحديات التي تواجه الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المعني بالزراعة المستدامة. صعوبات مثل إفراط الزراعة الصناعية في استغلال الموارد، واستبعاد صغار المزارعين، وتدهور وضع الزراعة المعيشية، وتغير أنماط الاستهلاك، ودور التجارة العالمية في خلق تحديات جديدة في مجال الأمن الغذائي والتغذية. وأشارت بعض التوصيات إلى إمكانية مواجهة هذه التحديات عبر دعم المزارعين، والاعتماد على الخبرات المحلية والتقليدية، وبناء شبكات تعاونية.

في هذا العالم الذي يزداد اتصالا وترابطا يومًا بعد يوم، يجب إيجاد طريقة للجمع بين العلماء والخبراء من مختلف المجالات للعمل جنبًا إلى جنب مع المتخصصين في السياسة العامة والمنظمات غير الحكومية والذين يمكنهم تسليط الضوء على فئات همشها التاريخ. ويندرج برنامج مؤسسة الأطلس الكبير من مزارع إلى مزارع تحت هذا السياق، حيث يمثل مبادرة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تهدف إلى جلب متطوعين من ذوي الخبرة في العديد من مجالات التنمية الزراعية، بما في ذلك مشاتل الأشجار والنباتات، وأنظمة الري، وإنشاء التعاونيات، والسلامة الغذائية، وتسويق المنتجات المصنعة إلى المغرب وبلدان أخرى. وأظهر برنامج من مزارع إلى مزارع قدرة المتطوعين على مساعدة الأفراد والمنظمات في النهوض بالمجتمعات المحلية، ومشاركة خبرات جديدة، وتعزيز ممارسات الزراعة المستدامة الحالية.

في أعقاب جائحة كوفيد 19 التي كانت مؤثرة على مجالات كثيرة، اتضح أن المتطوعين بإمكانهم المساعدة والخدمة حتى عبر المنصات الافتراضية. وشجعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أعضاء برنامج من مزارع إلى مزارع على ربط المتطوعين المحليين بالمتطوعين الأمريكيين عن بعد من أجل استمرار نهج التعاون. وكانت قرية تاسا ويرجان أولى شراكات مؤسسة الأطلس الكبير في جهة مراكش آسفي، فأثمر ذلك عن تأسيس نساء يافعات لتعاونية رسمية. نساء تمكنن من استغلال الفرصة التي طرحت أمامهن للتعلم والنمو وتحدي أنفسهن وتجاوز الأعراف المجتمعية. وبالنظر لتركيز برنامج من مزارع إلى مزارع على إشراك صغار المزارعين، فإن هذا النهج يفيد المزارعين والبيئة معًا. فضلا عن ذلك، يجمع متطوعو البرنامج بين خبرات المغرب التقليدية وأحدث الأبحاث التي تهم تقنيات الزراعة المستدامة. وهكذا، فإن إشراف مؤسسة الأطلس الكبير على برنامج من مزارع إلى مزارع يعد خطوة مباشرة في طريق تحقيق ثاني أهداف التنمية المستدامة.

هناك حاجة ماسة لتبني تقنيات وممارسات الزراعة المستدامة لحماية البيئة، والحفاظ على الموارد الطبيعية وتنميتها، وتحسين خصوبة التربة. لكن لسوء الحظ، لن يحقق تشجيع الزراعة الصناعية هذه الغايات كما لن يتحقق الأمن الغذائي باستعمال وسائل زراعية غير مستدامة. لذا، تركز مؤسسة الأطلس الكبير على مساعدة صغار المزارعين على تعلم والعمل بأساليب الزراعة المستدامة من أجل ضمان التنمية الاقتصادية وتحقيق ثاني أهداف التنمية المستدامة.

سميرة جايجردار، طالبة في كلية كونيتيكت ومتدربة في مؤسسة الأطلس الكبير.

مشتل أشجار الجوز واللوز التابع لتعاونية أغرزران النسائية، الأطلس الكبير بالمغرب. وهذا المشروع ثمرة الخبرة التي منحها برنامج المتطوعين من مزارع إلى مزارع التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
(مؤسسة الأطلس الكبير، يوليوز 2021).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here