“انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون”

“انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون”

عندما نتبصر ونتفكر في القصص القراني حول الحديث عن الحياة والممات عن الجنة والنار عن الملائكة والشياطين عن الخير والشر عن الانبياء والمرسلين واقوامهم عن بني إسرائيل وعن امة محمد صلى الله عليه وسلم. نرى المعجزة القرانية تتجلى في اختيار الكلمات والحروف والافعال فكل كلمة مختارة بعناية لتعبر عن امر لا يمكن استعمال غيره من الكلمات في نفس المكان. لعل هذه الاية “انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون”. خير تعبير واستخلاص ودليل. فتصوير وقوف الانسان امام الله ومحاسبته على كل شيء. ثم سوق الله له الحجج لكل ما فعل في الدنيا.
انه لامر مهيب عندما يكشف الله الغيب امام عبده ويرى امامه كل ما فعله بالدنيا. فعلى الرغم من اننا نعلم ان الله يعلم غيب السماوات والارض ويعلم اذا سقطت ورقة يابسة من شجرة او رطب او يابس في السماوات والارض. فكل شيء يعلمه بتفاصيله سواء الماضي او الحاضر او المستقبل. ولا يعزب عن الله شيئا. اذن عندما يحاسب الله الناس هناك سيعلمون ان علمه لا يدانيه اي شك. لكن هناك ايضا الكثير المعاندين ورغم الكثير من الحجج لا يريدون الاعتراف بذنوبهم. لذلك سوف تشهد عليهم أعضاءهم “يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانو يعملون”. ثم تشهد الملائكة الكاتبين على كل صغيرة وكبيرة. “يا بني انها ان تكُ مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض ياتِ بها الله ان الله لطيف خبير”.
يبدو ان هناك في يوم الحساب اشبه ما يكون بالفلم المصور بالصوت والصورة اي كالفيديو ينقل الحياة من الولادة الى الموت دون رتوش او تزييف او خطا او خلل. حياة مستنسخة حقيقية تظهر امام عين وسمع المشرك والظالم والمعاند. اذ سيرى كل اعماله مدعمة بالشهود البشرية والمكانية بل حتى اعضاءه سيشهدون ويقولون الحقيقة على مسيرة حياته في الدنيا. سيرى ذنوبه امامه بصورة مجسمة راي العين. فمن ارتكب العمل القبيح يرى عشرات الحجج التي لا تدع اي مجال للشك. الجميع هناك يتبرأ من عمل المذنب حتى الشيطان انذاك يقول اني اخاف الله. “وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي اني كفرت بما اشركنمونِ من قبل ان الظالمين لهم عذاب اليم”.
ليس لنا انذاك من المكر او الكذب على الله سبيلا فالامر كله لله. والحجج كلها امام عالم الغيب والشهادة ولن يفيد الندم او الفداء. لذلك فطالما لم نبلغ سكرات الموت فان باب التوبة مفتوح ويمكن ان نغير مسار حياتنا هنا على الارض بالتوبة النصوح كي يرحمنا الله ونفوز بالاخرة الابدية.. يمكن لنا اليوم قبل غد ان نتقرب الى الله باعمال تكون سببا في ان لا يفضحنا الله امام الخلق. ويكشف ما استنسخه امام الملأ. فمثلما سترنا الله في الدنيا سيسترنا ايضا يوم القيامة شرط الانابة اليه.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here