بين الهوس والإدمان

بين الهوس والإدمان : بقلم ( كامل سلمان )

الهوس ليس ادمان ، الهوس سلوك قهري ويعني عدم السيطرة على الرغبات والأفكار والدوافع ، يبدأ عند الإنسان كرغبة طبيعية ثم يشتد ليصبح سلوك متواصل ، وهو مرتبط بالحالة النفسية والتربوية والبيئية وحتى الوراثية احيانا . وفي كل الأحوال يصيب الإنسان الضعيف نفسيا حيث تكون استعداداته للخضوع والانصياع للرغبات الجامحة دون مقاومة ذاتية ، عكس الإدمان الذي يكون استجابة بيلوجية للجسد لما هو ذات تأثير على النسيج العصبي بعد دوام التعاطي لذلك المؤثر من كحول او مخدرات او غيرها .
الهوس ينمو عند السياسين الطارئين على السياسة اي ليسوا من ذوي الاختصاص السياسي والذين فهموا السياسة من باب احادي ( السلطة والقوة والمال والجنس ) فيصبح هوسهم بهذه السلطنة بشكل مفرط خارج نطاق السيطرة الذاتية ليصل الى مراحل متقدمة وهو هوس القتل والتنكيل لكل من يكون وجوده ذا تهديد لفقد هذه المزايا ولو بنسبة ضئيلة جدا فيتحول هذا السياسي الطاريء الى فنان في الاساليب الدموية للقضاء على التهديد المحتمل ، المشكلة ان هذا السياسي المهوس لا يدري بإنه ليس الشخص المناسب لهذا العمل ( انا اتحدث عن زمان اصبحت السياسة علم ودراسات اكاديمية معقدة ) وكذلك لا يدري بحجم العقد والمخلفات النفسية المريضة التي تركبت في داخل شخصيته نتيجة التربية العائلية والاجتماعية والحرمان والمفاهيم الخاطئة ومحدودية النظر الى جوانب الحياة ومعظمهم ينظرون الى الحياة فقط من خلال الرموز الذين يعتقدون بقدسيتهم المطلقة ، فتنعكس هذه السلوكية الممزوجة بالهوس المفرط بالمال الحرام والسلطة والقوة والتعالي على تعاملاته الميدانية مع الناس بشكل جنوني فيها القسوة وفيها الانحراف ، فلا تستغرب ان ترى الحياة تصبح منفلتة من كل ابوابها والدولة مجرد هيكل شكلي فارغ المحتوى ، اما الوضع الامني المنفلت والسلاح المنفلت فكل ذلك نتيجة طبيعية للهوس المنفلت عند السياسين الطارئين . هذا النوع من الهوس السياسي متوفر في مجتمعاتنا بقوة وقد يكون الشيء الوحيد المتوفر عند ساستنا ، فمنذ ما يقارب العقدين من الزمن نرى نفس الوجوه تطفو على السطح في المشهد السياسي المحلي وهذه الوجوه غير قادرة على ترك الساحة السياسية وان فكرة التخلي عن مواقعها السياسية اضحى ضربا من الخيال وهم قد ادركوا مدى افراطهم وادركوا ايضا استحالة العلاج لهوسهم المستعصي لذلك فهم سائرون في طريق لا رجعة فيه ، ولكي لا تطاردهم اشباح الضحايا لأعمالهم البشعة ولكي لا يرى الناس حقيقة هوسهم عمدوا منذ اليوم الأول على نشر الإدمان من خلال المخدرات والحبوب المخدرة بين صفوف الشباب بمختلف صنوفهم املا ان ينشغل الناس بإدمانهم وينشغلون هم بهوسهم ، وهذه خطيئة اخرى اقترفوها عن عمد لتدمير عقول الشباب امل المستقبل ، هذه الموجات من الإدمان لم يتعرض لها اي جيل شبابي من قبل وفي اي مجتمع من المجتمعات البشرية بهذه الكيفية واضعين اياديهم على عقول الفئة التي قد تشكل خطرا مستقبليا عليهم ، هذا الفعل الدنيء ليس من بنات افكارهم المتخلفة إنما هو تخطيط ودراسة في غرف مظلمة من غرف دول الجوار ، تلك الدول التي لم يشهد تأريخها غير المكر والمكيدة بحق هذا الشعب المسكين .
ان زحزحة الوضع الأمني للبلد وقتل الأبرياء وحرق المستشفيات وتهديم الأبراج الكهربائية كلها أشارات الى عدم الرجعة والاستعداد لفعل الأسوأ إذا تعرضت مكتسباتهم للخطر ، هذه حقيقة لسنا بحاجة الى تحليلها او دراستها لإنها من البديهيات التي تفرزها ضمائرهم الميتة ، ولسان حالهم ( لا تفكروا في ازالتنا او تنحيتنا فإننا ماضون بهذا الدرب فأما النصر وأما الموت ) وهذا هو ملخص كل ما يدور في عقولهم .
أنه لشيء عجيب ان يتولد في رحم مجتمع مسالم طيب نماذج بشرية لا تراعي حرمات الله ولا تراعي حرمات الناس وتصر على الأفعال السيئة بهذه الوقاحة والأدهى من ذلك تتباهى بإن تلك الأفعال فيها رضى الله لإن مفهوم رضى الله عندهم هو رضى ساداتهم وكبرائهم وهؤلاء السادة أكيد سيكونون في تمام الرضا عنهم فهذا هو الحلم الذي طال انتظاره لمئات السنين .
المعروف عن الهوس الذي يصيب الإنسان يكون مصحوبا بالندم والإحباط ومحاولات التخلص من آلامه رغم الفشل الذي يعانيه صاحب الهوس ، أما ان ترى صاحب الهوس يزيد من هوسه تصاعديا فهذه حالة نادرة وفيها علامات استفهام كثيرة ويمكن تفسيرها بشيء واحد هو أنهم مسخوا على مكانتهم فيترائى لهم إنه الشيء الصحيح .
إذا نحن امام حالة فريدة من نوعها قد لا تتكرر في التأريخ وهذه الحالة ستدفن وجود شعب وأمة بكل ما تملك من مقومات الوجود دون ان ترف لهؤلاء جفن وهذا ما لا يمكن تقبله والسكوت عليه ، صحيح ان هذا الشعب سريع الاستسلام ولكن بنفس الوقت هو شعب سريع الغضب وكل ما يحتاجه هذا الشعب هو ان يغضب والغضب لا يأتي حتى يفهم الناس بإن هؤلاء المتسلطين مصابين بمرض الهوس ، هوس السلطة والجنس والمال وان عملية شفاءهم من هذا الهوس باتت مستحيلة بل تزداد شراسة وعدوانية وهذا ما يتوجب على الجميع ادراكه لأن الكثير مازالوا يجهلونها . شعبنا بطيء في ردة فعله وعندما يتيقن الحقائق فإن ردة فعله تكون غير محمودة العواقب على من آذاهم وسبب لهم الويلات والدمار ، تعلمنا من التجارب ومن عبر التأريخ ان الطموحات الكبيرة لا تحملها الا العقول الكبيرة فقد حان الوقت للعقول الكبيرة النظيفة ان تأخذ دورها وتقول كلمتها الفاصلة وتبين ماهو خفي ولا مجال للتردد او السكوت فصرخات المظلومين اخترقت مسامع حتى من بهم صمم ، فكل كلمة صادقة ستكون لها صداها ولا بد للغضب ان يكون هو الحل في آخر المطاف .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here