((ذكريات الشهيد العقيد فاضل عباس المهدواي عن  الزعيم عبد الكريم قاسم ))

ذكريات الشهيد العقيد فاضل عباس المهدواي عن مؤسس الجمهورية الزعيم عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز 1958 المجيدة.
توثيق واعداد : علي جبار الصالحي
النص الكامل للحديث الذي خص به الشهيد العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب ، خص به صحيفة (الزمان) بعددها الصادر يوم الثلاثاء الموافق 14 تموز 1959 بمناسبة الذكرى الأولى لثورة 14 تموز الخالدة عن الثورة المظفرة وقائدها فكان كما يلي
مذكرات الزعيم ..
  كان قد نشر أن الزعيم عبد الكريم قاسم يعد مذكراته عن الثورة والضباط الأحرار، فهل نقرا قريبا هذا السفر الخالد؟
أن الزعيم يعرف اسرارا كثيرة وخطيرة ليس عن ثورة العراق الخالدة وحسب، بل عن الحرب الفلسطينية ايضاً، وهو كقائد انجز أعظم ثورة في التاريخ، ملم الماما كاملا بالأصول التاريخية لتطور الحرة الوطنية منذ ثورة العشرين المجيدة، انه ابن الشعب البار، عاش في حي الفقراء … فالتصق بأعمق دوافع معركة التحرير فهو لا غرابة إذاً اولی الكادحين والفقراء اهتماما رئيسياً في مخطط الانهاض الاقتصادی الذي برسمه سيادته في سبيل ايداع عراق مرفه متحرر من العوز والحاجة.
 ان الزعيم عبد الكريم.. كتوم وکتوم، وهو لا يعلن عن شيء الا بعد ان تقوم الحاجة الماسة لاعلانه وأسرار الثورة واقعها وکاملها وصحيحها وتطوراتها يعرفها مهندس الثورة ، وإذا كان بعض هذه الاسرار قد کشف في محاكمات محكمة الشعب فان الكثير منها باق في رعاية القائد الصادق الأمين.
لقد أعلن بعض هذه الأسرار في محكمتنا – محكمة الشعب- التي اعتز وافتخر برئاستها وبتسمية الشعب لها بهذه التسمية العزيزة رغم أن اسمها هو – المحكمة العسكرية العليا الخاصة- والتي اعتبرها الطيبون من الناس، في داخل وخارجه مكسباً عظيماً من مكاسب ثورة 14 تموز الخالدة، وصوت الشعب الهادر ولسانه المعبر عن ارادته التي هي فوق كل ارادة،أعلن بعض هذه الأسرار في محاكمة عبد السلام عارف، على لسان الشهود الذين ساهم بعضهم في تنفيذ توجيهات الزعيم لتهيئة الثورة.
 لابد أن الزعیم سیکتب مذكراته إذا اتيحت له الفرصة اللازمة، ولكن.. ترى هل تتاح للزعيم مثل هذه الفرصة؟ وهو الذي يعمل ليل نهار بلا كلل او ملل حتى انه ينسى تناول طعامه أحيانا، فيكتفي بتناول قدح من عصير البرتقال فقط. واذكر انني ذكرته مرة بضرورة تناول الطعام، فما كان من سيادته الا ان ابتسم برفق وقال: فلنفرض انني صائم.. فالزعيم اعتاد الصيام في شهر رمضان المبارك منذ طفولته حتى الان ولكني قلت له: ولكن الصيام يا سيدي الي خمس عشرة ساعة.. فضحك وقال: – ما يهم !
منتصر ابدا …
خاض الزعيم حرب فلسطين وخرج منها منتصرا عندما انهار الاخرون الذين لم تشدهم الى المعركة عقيدة خالصة، فهل أعد الزعيم مذكراته عن المعركة؟ وهل سيتاح للأمة العربية قريبا قراءة هذه المذكرات؟
تعلمون، كما يعلم الجميع، ان الزعيم كتوم للغاية، قبل الثورة وبعدها فان الكتمان صفة عسكرية تؤمن بمبدأ (بكتمان السر تنال الظفر)، انه يكتم السر بحرص لينتزع النصر انتزاعا، ولقد انتصر في معركة تحرير العراق، وسينتصر حتما في معركة العرب الكبرى معركة تحرير فلسطين.. وهو القائل (انا عائدون) قالها هناك.. ويقولها اليوم هنا وسيقولها غدا هناك ايضا، ولكن مع الفارق.. انه سيقول (ها نحن عائدون).. ولقد تألق تنجم الزعيم فی معركة فلسطين 1948 – 1949 من اولها الى اخرها، فكان الفتى العربي الشجاع الذكي الذي خاض المعركة بكل بسالة وايمان، رغم التآمر الذي أحاط بالمعركة وقيد ایدی المخلصين من الضباط الأمرين هذا الامر الذي أفلح في عزل الطارئين على العروبة الحقة ومعركتها.. ولكنه لم يفلح في ايقاف اندفاع الزعيم الذي ظل يحارب في قلب في المعركة إلى النهاية..
كان الزعيم محيطاً احاطة تامة بطبيعة الظروف والملابسات التي اكتشفت هذه الحرب التي فرضها الاستعمار على العرب بعد ان خلق دويلة اسرائيلي من شذاذ الأفاق المجرمين المتعصبين واقامها قسرا في بقعة مقدسة من اراضينا المهيضة، لكي تكون للاستعمار الانكلو – امیرکی ۔ الفرنسي وربيبته الراسمالية اليهودية العالمية راعية الصهيونية ، جسراً استعمارياً موجهاً ضد امن وسلامة أقطار الشرق العربی.
وفي الواقع ان دويلة اسرائيل اللقيطة كانت جنيناً في بطن الامبراطورية الهرمة أنجبه مسوخا مشوها وعد بلفور المشؤوم سنة 1917، وعززته بالرعاية والعناية الاحتكارات الامريكية التي يملك اليهود في امريكا معظمها، والتي ترسم هي في الحقيقة سياسة الاستعمار الامريكي من جهة، وتقبض بيد من جهة اخرى بورق الدولار على مقدرات امريكا وبذهب الباون على مقدرات دول اخرى، مساندة في هذا المخطط الاستعمار.
ان الزعيم عبد الكريم قاسم العراقي العربي المسلم، يعلم ماهو الاستعمار، وماهو الاقطاع وماهي الرجعية، وماهي العروبة، وطبيعة الصهيونية الفاشية اللئيمة..  والزعيم يعلم اسرار الحرب الفلسطينية واسبابها وعواملها ونتائجها ولأيمانه العميق بكل ضرورات البذل من اجل انقاذ فلسطين فقد ظل يحارب الى النهاية.. وحارب حربا حقيقية لا هوادة فيها مع العدو وخرج منتصراً.. ولم ينخذل أبدا.. وأن تداعی وتهشم الأخرون في أكثر من جيش عربي.
* جوانب متالقة جديدة …
انكم على صلة وثقى بالزعيم ، وهذا يمنحكم شرف التحدث الي ابناء الشعب عن جوانب متالقة لم تنشر عن حياة ابن الشعب البار، أكثر من غيركم.. فهل لنا أن نسمع حكايات ذهبية من حياة سيادته ؟
كان الزعيم يناضل خیانات العهد المباد على القطاعين العسكري والشعبي على حد سواء ، ففى انتفاضة 1952 المجيدة ، أنزلت حكومة نورى الدین محمود الجيش الى الشوارع لضرب ابناء الشعب في مظاهراتهم الصاخبة و كان الزعيم آنذاك في زمر التدريب بوزارة الدفاع فقد ترك وحدته احتجاجاً على تعيين أمر لا ينسجم معه – فاسرع ابن الشعب البار الى الاتصال بضباط ومراتب اللواء الذي أنزل إلى الشوارع والذي سبق له الاشغال فيه – واخذ بأمرهم بعدم رمي ابناء الشعب بالرصاص مهما كلفهم الأمر ، وامرهم بالرمي في الفضاء فقط اذا ما ضغطت الحكومة عليهم ، مما حدا ببعض الجواسيس والمتزلفين يبلغوا الاستخبارات عنه و كذلك نور الدين محمود نفسه ! ولكنه ، وهو اللبق اللماح السريع الخاطرة ، تمكن من اقناع نور الدين من أن هذه وشايات مغلوطة .
اما قصة الزعيم مع نوري السعيد فهي معلومة. واذكر لك جانباً منها، ذلك أن نوري كان يبث العيون حول الزعيم.. وكانت التقارير ترده عن اتصال الزعيم بهذا أو ذاك او بفلان وفلان عن طريق رئيس الأركان السابق رفیق عارف ولكن الزعيم استطاع بثاقب فكره ودهائه أن يتخلص منهم جميعا حتى ان نوري استدعى يوماً رفیق عارف وقال له:
– الم اقل لك إن الزعيم کریم عسكر. وان الاخبار المتناثرة حوله لا أساس لها من الصحة على ما يظهر!!!
 وبعد هذه الحادثة مباشرة، زار نوري السعيد معسكر المنصور.. المعسكر الذي كان مهداً اميناً للثورة والذي انطلقت منه قوات الشعب بقيادة الزعيم العظيم لتحرر الشعب ولتبدع شعبا جديدا في 14 تموز الخالد.
* ذكريات من القلب..
بمناسبة الذكرى الأولى الثورة 14 تموز الخالدة لابد انها تثير لدى سيادتكم انطباعات جهة، كضابط خاض هذه الثورة بكل بسالة وکرئیس لمحكمة الشعب التي يرى فيها العالم المتحرر قيمة اساسية رائعة من قيم ومكاسب الثورة فهل يمكننا نقل هذه الانطباعات الى قرائنا الاعزاء في هذا اليوم الأغر؟
تثير في هذه الذكرى التي هي العمر كله، اهتزازات وجدانية تلهب الحواس فيتقد الفكر يجذوة شرارة 14 تموز التي أوقدناها نحن الضباط الأحرار الذين ساهمنا في احباط محاولة تمرد اللواء الأول (لواء الحكومة آنذاك) الذي كان بأمرة شقيق رئيس الأركان وفیق عارف.. لقد وضع الضباط في المسيب ثقتهم في، فانتخبوني رئيسا لناديهم في المسيب بضع سنين، وبعد مضي ست سنوات علي في السبب حاولت ان انقل الى بغداد، او غير بغداد، الا ان الزعيم كان يلح على بضرورة البقاء في سرية الحراسة بالمسيب بالذات من غير ان يذكر الاسباب.. الا انني كنت استشف افكار الزعيم ، واعلم في قرارة نفسي انه هو الامل المرجی الذي سيقدم على الثورة بصبر وجلد واناة وكتمان ومباغته، وعندما أزفت ساعة الخلاص، شرفنی الزعيم باحدى واجبات الثورة الخطيرة، وهي عرقلة تقدم اللواء الاول الى بغداد القاء القبض على امر اللواء. ولقد أخبرني الزعيم في الساعة الثامنة والنصف ۱۳ تموز بساعة الصفر بواسطة العقيد احمد حسن البكر والرئيس الأول محمد فرج، والمحامي عيد الرحيم الراوي، واذكر اني قبل الثورة بعشرة ايام التقيت بالزعيم في داره وكان مجتمعاً بالضباط الأحرار وامرني بملازمة داري لانتظار الامر بساعة الصفر. وقبل هذا رجاني صديق الزعيم العقيد عبدالكريم الجدة أن اخبر الزعيم بأن اسمه يتردد على السن الجهات العليا في وزارة الدفاع آنذاك الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد عليها ، وحبذ حرق خطة الثورة التي يحملها الزعيم في جيبه والتي اطلعت عليها انا والعقيد الجدة في دار الزعيم ايضا ، فكان ماكان في المسيب .. وهذه الذكرى الخالدة تذكرني بالساعات الحرجة التي تمكنا منها بفضل وطنية منتسبي اللواء ، من الضباط والمراتب من أداء واجبنا في تأسيس جمهورية الرابع عشر من تموز المجيدة.
وقبل أن أنهي کلمتی احيي جريدة الزمان الغراء التي لي فيها ذكريات طيبة الثورة تمتد الى اكثر من عشرين عاما ، حيث تربطني بصاحبها الأستاذ توفيق السمعاني روابط الصداقة والمعرفة ، وبمحررها الاستاذ ابراهيم علي روابط الدراسة والصداقة ، وتربطني ببعض محرريها الافاضل وموظفيها روابط التقدير والاعجاب ، كما احيي بقية الصحف العراقية الشريفة التي تعمل لخير الشعب بمبادئ ثورة تموز الشعبية.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here