العراق يتجه الى مزيد من التمزق الاجتماعي والجغرافي

لقد وقعت الواقعة في العراق عام 2003 بفعل الغزو البربري الامريكي الذي يترنح اليوم في افغانستان بفعل المقاومة الوطنية. لكن المقاومة لها مفهوم اخر في عراق المليشيات اللا وطنية. فمقاومة المحتل اليوم لا تهدف تحرير العراق انما تدافع بالدرجة الاولى عن ايران. هذه المقاومة الصبيانية للمليشيات ذات التوجه العقائدي الايراني تزيد المشهد العراقي ضبابية وارتباكا. خصوصا فيما يتعلق بوحدة النسيج الاجتماعي الذي مزقه اذناب واعوان الاحتلال. ان مدعي المقاومة هم انفسهم الذين دخلوا العراق لاهثين وراء الغزاة لاستجداء فتات المائدة منهم.
اليوم يتحدث الطائفيي الاستئصالي نوري المالكي وكتلته عن المقاومة وهو ربيب المحتل نفسه. والذي نفذ كل رغباته في تمزيق مكونات الشعب العراقي. واستئصال المقاومة الوطنية العراقية. وجريمة التطهير الطائفي في كثير من المحافظات خصوصا الموصل وديالى وبغداد والبصرة وجرف الصخر والقائمة طويلة لم تنته بعد. نفس المنطق المنافق يسير عليه في مسالة تبني مقاومة المحتل مليشيات مقتدى الصدر والعامري والخزعلي وحزب الله وغيرهم.
ان غدر تلك المليشيات التكفيرية الطائفية الاستئصالية لولي نعمتها امريكا. لامر ملفت للنظر ويثير الكثير من علامات الاستفهام. فامريكا هي التي سلحتها وزرعها في العراق لتمزيق نسيجه الاجتماعي المتآلف. فهل هي مقاومة شكلية منسقة مسبقا مع المحتل الامريكي. ام ان هناك ضغط ايراني يدفع مليشياته الولائية في العراق. للضغط على امريكا لتسريع توقيع الاتفاق النووي مع ايران دولة الولي الفقيه. علما بان اغلب تلك مليشيات الحشد الحكومية تؤمن بمبدا ولاية الفقيه وهو الخامنئي. الذي يمتلك السلطة الدينية والعقائدية والسياسية والاقتصادية على اتباعه بغض النظر عن الوطن والقومية والعرق.
هذه المسرحيات العسكرية التي تقوم بها تلك المليشيات ما هي الا محاولة لارضاء ايران. لتفجر مفرقعات غير ذات تاثير قرب هذه القاعدة الامريكية او تلك. انها في واقع الحال لا تغيّر شيئا على الارض سوى زيادة التوتر في انحاء العراق. فيدفع الشعب العراقي البسيط اليوم الفاتورة الاقتصادية الباهظة الثمن. لقد سبق ان انخفضت العملة الوطنية العراقية الدينار. ثم ارتفعت اسعار السلع الغذائية، جنبا الى جنب محاربة المنتوج الزراعي الوطني. عن طريق اشعال الحرائق المتعمدة في المزارع العراقية. كي تبقى السوق مفتوحة وسالكة للبضائع الايرانية والتركية والمصرية والاردنية دون ان تنافسها البضاعة الوطنية.
اما الامر الاكثر قلقا وخطورة هو ان النسيج الاجتماعي العراقي فهو مرشح الى مزيد من التمزق والتشرذم. ليس فقط في تصعيد التطهير الطائفي في جرف الصخر والطارمية والموصل وبابل والبصرة وكركوك وضواحي بغداد. انما هناك طباشير ومؤشرات لمزيد من الصراع بين اهل السنة والجماعة انفسهم. اولئك الذين اشتراهم الاحتلال الامريكي او الايراني كالاخوان المسلمين وابناء الصحوة التي اسسها الطائفيين الولائيين. لقد سبق ان لوث هؤلاء  ايديهم بسفك دماء اخوانهم من المقاومة الوطنية.
نرى اليوم ايضا صراع سياسي اهل السنة المدمر بين بعضهم لاهداف انانية شخصية. تلك الشخصيات التي اختارها الامريكان والسلطة الطائفية. ففرضوا انفسهم بالمال الحرام ومساعدة القوى الاجنبية. هدفهم الاساسي العمل على ارضاء قوى دولية واقليمية فعالة. فمنهم من يريد ارضاء الغزاة الامريكان. ومنهم من يريد ارضاء تركيا وقادة كردستان. واخرين يريدون ارضاء السعودية او الامارات. ان كل شخصية منهم مستعدة لحرق مناطق نفوذها لتعبث بها مليشيات الحشد الولائية. كل ذلك تحضيرا لشخوصهم ومصالحهم ليكونوا قادة محتملين عندما يحين وقت تقسيم العراق وخلق فيدرالية سنية.
المؤامرات بين خونة الوطن الشيعة والسنة تحاك امام الملىء ومستمرة على قدم وساق. لكن ما يحاك وراء الكواليس اخطر تدميرا على مجتمعنا ولا يخدم على المدى المتوسط والبعيد سوى مصالح إسرائيل وامريكا. يبدو ان شرائح المجتمع العراقي اليوم مضطربة ولا هدف لها. وهي تشعر باللا مبالاة لما يجري. انها مشغولة في توفير لقمة عيشها والبقاء على قيد الحياة.
ان اكثر القوى الوطنية العراقية سبق ان رفعت الراية البيضاء بعد ان استسلمت للقوى الدولية والاقليمية. لقد رات بان العالم والامم المتحدة وامريكا وروسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الاوروبي وايران والسعودية والامارات وتركيا مع ظلم حكومة بغداد. اما الحكومة فهي الاخرى تخلت عن مسؤلياتها الاخلاقية. وتركت الشعب العراقي يتلاعب به الخونة والظلمة والمارقين.

د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here