مع الأسف : التصحيح التونسي لن يحدث في العراق !..

بقلم مهدي قاسم
أثارت عملية ” التصحيح ” ضد الفساد والفشل الإداري والتسيَّب ” الإخوانجي ” في تونس ، حسرة كثير من العراقيين ورغبتهم في التغيير ، متمنين حدوث خطوة تصحيحية مماثلة في العراق ..
غير أن احتمال حدوث خطوة مماثلة من هذا القبيل في العراق الآن ضعيف جدا ، و ذلك لأسباب عديدة ..
لعل أكثرها عقبة هي سيطرة الشعور الديني ، و المذهبي ، و الأقلوي ، والعشائري ، بشكل طاغ ، على حساب غياب الشعور القوي والعميق للانتماء، الوطني الأصيل ..
فالعراقي ــ طبعا هنا لا نقصد التعميم المطلق على الجميع ــ عنده أوليات في الإصرار على التشبث بالانتماء وعلى النحو التالي : الانتماء العشائري أولا ، ثم المذهبي ثانيا ،والديني ثالثا ، وأخيرا الانتماء الوطني بمفهومه المضبب والمهلهل الغامض رابعا ..
وأظن إن هذا كان أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الأغلبية العراقية تبقى صامتة ، وهي تتفرج ، بشكل سلبي على ” الأقلية “المتظاهرة من أجل الإصلاح والتغيير نحو الأفضل والحسن ، وهي تقدم مئات الضحايا وآلاف المصابين و المعوقين ، ولشهور طويلة ، دون أن تهب هذه الأغلبية المليونية لدعمها ، بهدف كنس الزبالات السياسية من المنطقة الخضراء ورميها في قمامة التاريخ ..
لربما لهذا السبب بات الوضع العراقي الآن مدمجا ، و مجمّدا و مقفلا بالكامل ، على كل صعيد و ناحية ــ و فوق ذلك ــ ليصبح مركبا تركيبا هاجينا و متنافرا عجيبا بكثرة طوائفه و قومياته و أقلياته المتعددة ..
بينما يُفترض ــ وهذا هو الصحيح والمنطقي حسب اعتقادي ــ أن تكون هذه الكثرة والتعدد ” الفسيفسائي ” مصدر تنوّع ثري مفيد ، وأسباب خير و وفرة ، مع تنوع إبداعي وتجديد دائم ومتواصل ،بدلا من أن تكون دوافع تقوقع و انكماش ، و مصدر نفور بعض ضد بعض آخر لأسباب حساسيات طائفية أو قومية ..
لذا … …
فلا تتوقعوا ــ في الوقت الراهن ،ــ من رئيس الجمهورية العراقية ” برهم صالح ” أن يغامر و ُيقدم على عملية ضبط الأوضاع في العراق على طريقة الرئيس التونسي قيس السعيد ، لكونه ــ أي برهم صالح ــ يمثل في النهاية مصالح الكورد في بغداد ، بالطبع ضمن إطار المحاصصة لتوزيع المناصب السيادية ، فضلا عن أنه كان من ضمن الذين صوّتوا على عملية استفتاء انفصال واستقلال الإقليم الكوردي عن العراق ، ولكن دون أن يمنعه ذلك أن يكون ــ فيما بعد ــ رئيسا للجمهورية العراقية ضمن اللعبة المحاصصتية السائدة بين أحزاب الفساد واللصوصية في المنطقة الغبراء ..
أما مصطفى الكاظمي الذي تهمه في الدرجة الأولى و الأخيرة عملية مسك حبل التوازنات( للمحاصصة الطائفية والقومية ) من الوسط ، لكي يحتفظ بمنصبه أولا ، فهو لا يمتلك تلك الشجاعة الكافية للإقدام على خطوة وطنية تصحيحية مماثلة ــ لنقَل بمساعدة ضباط وطنيين من طراز الجنرال عبد الوهاب الساعدي مثلا ــ فلن يفعل ، لأنه ، وبكل بساطة ، يفتقر إلى هاجس وشجاعة رجال أقوياء من مؤسسي وبنّائي دولة حديثة و عصرية متحضرة توفر لمواطنيها أسباب راحة ورفاه و كرامة إنسانية حقة ..
ففي النهاية ، هؤلاء ليسوا برجال دولة ، بقدر ما هم عبارة عن دمى تجري عملية تحريكها من خلف كواليس دولية ذات أيدِ خفية وطليقة ، وأن كانت معروفة من قبل الشارع العراقي ..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here