النفط العراقي إلى لبنان.. مقابل ماذا؟

في ظلّ أزمة الوقود والطاقة الكهربائية التي تعصف بلبنان، وقع الطرفان العراقي واللبناني اتفاقاً جديداً لبيع لبنان مليون طن نفط سنوياً. يرى اقتصاديون عراقيون أن الاتفاق هو “واجب أخلاقي” من العراق تجاه لبنان فيما يحاذر آخرون من استخدام لغة الخطابات العامة ليعلنوا عن ارتيابهم مما وراء هذا الاتفاق كونه بحسب متابعين للملف، “اتفاق غامض يخدم أطرافًا على حساب أطراف أخرى تعاني من سوء الإدارة في لبنان وسيضع الأخير في دوامة الديون التي لا يمكن سدادها”.

المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين بارق شبر يبسط هذا الاتفاق بأن “له طابعا تجاريا يضمن المصالح الاقتصادية للبلدين حيث تتم مقايضة نفط أسود مقابل سلع وخدمات”. فالاقتصاد اللبناني، بحسب شبر، “يمتلك موارد بشرية عالية التأهيل وطاقات إنتاجية وخدمية في مختلف القطاعات يمكن تحفيزها من خلال تعزيز التجارة الخارجية مع العراق مما سيعود بالمنفعة على اقتصاد البلدين”. ويضيف: “على المدى البعيد كان لبنان ولا يزال يمتلك أهمية اقتصادية وجيو-سياسية بالنسبة إلى العراق، تكاد تضاهي أهمية دول التحالف الاقتصادي الجديد بين العراق والأردن ومصر بغض النظر عن الظروف السياسية الحالية”.

تفاصيل الاتفاق

يتضمن الاتفاق بيع مليون طن من زيت الوقود الثقيل للبنان سنوياً، وفق السعر الذي تعتمده شركة تسويق النفط العراقية SOMO في شهر تحميل الشحنة. لكن هناك نقاشا حول كيفية استفادة لبنان من هذا النوع من النفط، خصوصاً أنه لا يلائم محطات توليد الكهرباء في لبنان، ما يستدعي تكريره أو استبداله مع طرف ثالث بهدف تغيير المواصفات لتصبح ملائمة للاستخدام اللبناني. وبموجب الاتفاق تخول وزارة المالية العراقية البنك المركزي العراقي فتح حساب مصرفي وإدارته لدى مصرف لبنان بالدولار الأمريكي لأغراض الاتفاق حصرا.

وسيتم أيضاً توريد مادة زيت الوقود الثقيل بعد فتح اعتماد مستندي، باسم إحدى الجهات الحكومية اللبنانية أو شركة كهرباء لبنان من خلال مصرف لبنان لصالح البنك المركزي العراقي نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية، لتوريد مليون طن من تلك المادة وفق آلية الدفع المؤجل بعد مرور سنة واحدة من تاريخ قبول مستندات الشحن بحيث يتم تسديد كامل قيمة المستندات في حساب البنك المركزي العراقي المفتوح لدى مصرف لبنان.

كما “سيتم تحويل رصيد البنك المركزي العراقي لدى مصرف لبنان إلى وديعة مصرفية لمدة سنة واحدة تُجدد تلقائيا باتفاق الطرفين، وتستحق الفائدة على الرصيد وفقا لما هو معمول به لدى مصرف لبنان”، كما تشير مصادر مطّلعة على الاتفاق الموقع.

الجانب العراقي سيستخدم حصراً رصيد الحساب كليا أو جزئياً وفقاً للآلية التي سيتم الاتفاق عليها مع الجانب اللبناني لغرض شراء السلع والخدمات لصالح الوزارات والمؤسسات العراقية، على ان يضمن مصرف لبنان استلام الجهات اللبنانية التي تقدم الخدمات للجانب العراقي مستحقاتهم باستخدام أوامر الدفع أو نقدا بالعملة المحلية (الليرة اللبنانية) عند الطلب، ومن الرصيد المتجمع في حساب البنك المركزي العراقي المفتوح لغرض تنفيذ هذا الاتفاق لدى مصرف لبنان، وحسب سعر منصة “صيرفة” او سعر السوق الموازي المعتمد لدى مصرف لبنان.

يحتاج العراق إلى خبرة الخبراء التجاريين والاقتصاديين اللبنانيين في بناء مناطق تجارية واقتصادية متطورة وتشجيع الشركات المشتركة بين البلدين مع الاهتمام بتعزيز الأمن الزراعي والغذائي للبلدين.

وتشير المصادر إلى نقطة أخرى وهي إعفاء حساب البنك المركزي العراقي من أية ضرائب مفروضة أو قد تفرض على الحسابات المصرفية في الجمهورية اللبنانية.

ويحدد الباحث في الشؤون المالية والتنموية عقيل المحمداوي بالأرقام الرسمية حجم التبادل التجاري بين العراق و لبنان و ازدهاره في بعض السنوات وانخفاضه في سنوات أخرى. اذ “ارتقى التبادل التجاري بين العراق و لبنان من المرتبة 11 على لائحة أهم أسواق الصادرات اللبنانية عام 1999 إلى المرتبة الأولى عام 2004 واستأثر بنحو 14.6 بالمئة من إجمالي الصادرات اللبنانية”، بحسب المحمداوي.

ويضيف الباحث إن ذلك التبادل التجاري “تراجع إلى المرتبة الخامسة عام 2019 واستأثر بنسبة 4 بالمئة من إجمالي الصادرات اللبنانية”.

ويكشف المحمداوي عن انخفاض قيمة الصادرات اللبنانية إلى العراق من مبلغ قياسي هو 272.3 مليون دولار تحقق عام 2013 إلى 146.2 مليون دولار عام 2019 ، بانخفاض نسبته 46.3 بالمئة؛ كما انخفضت قيمة المستوردات اللبنانية من العراق من مبلغ قياسي تحقق عام 2008 وهو 14.3 مليون دولار إلى 4.1 مليون دولار عام 2019 بانخفاض نسبته 71.3 بالمئة.

يحتاج العراق، بحسب المحمداوي، إلى خبرة الخبراء التجاريين والاقتصاديين اللبنانيين في بناء مناطق تجارية واقتصادية متطورة وتشجيع الشركات المشتركة بين البلدين مع الاهتمام بتعزيز الأمن الزراعي والغذائي للبلدين.

ما المقابل؟

الأكاديمي الاقتصادي في جامعة البصرة الدكتور نبيل المرسومي تساءل في منشور عبر حسابه على موقع فايسبوك، عن قدرة لبنان على سداد المبالغ الضخمة المترتبة على صفقة النفط. مستعرضاً الأسعار التي باعت بها شركة سومو زيت الوقود الثقيل (النفط الأسود) في شهر أيار 2021 حيث وصل سعر الطن الواحد من زيت الوقود الثقيل إلى 395 دولار تقريبا إي أن سعر مليون طن التي سيصدرها العراق سنويا يساوي 395 مليون دولار أميركي. فهل يستطيع لبنان تسديد هذه المبالغ الضخمة في ظل أزمته الاقتصادية؟

الباحث الاقتصادي إيفان شاكر الدوبرداني يقول في محاولة للإجابة عن تساؤل المرسومي، إن “لبنان لا يملك صناعة ومعادن وموارد أولية كالدول الأخرى في المنطقة ويعتمد فقط على حوالات المغتربين والسياحة لإدخال العملة الصعبة”؛ لهذا يجد الباحث الاقتصادي صعوبة كبيرة في تنفيذ هذا الاتفاق من قبل لبنان وأن كفة الفائدة تميل إلى لبنان أكثر من العراق.

ويرى الدوبرداني ان الاتفاق “يحمل طابعا سياسيا أكثر من طابعه الاقتصادي إذ أن الاتفاق يشبه إلى حد كبير اتفاق كندا مع دول أوروبية لتصدير النفط مقابل خدمات تكنولوجية، لكن كندا تتعامل مع دول منتجة و متقدمة والعراق يتعامل مع دولة منهارة من ناحية الاقتصاد والعملة ولا تملك أي شيء تصنعه وتصدره مقابل المليون طن سنوياً من النفط الأسود”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here