ضرورة التواصل واعادة الاعتبار للمؤلفة قلوبهم

ضرورة التواصل واعادة الاعتبار للمؤلفة قلوبهم

لقد اجتهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه انذاك عندما قرر تعطيل سهم المؤلفة قلوبهم. لقد راى ان الاسلام في قوة ومنعة ولا يحتاج الى تاليف قلوب احد من المسلمين او من غير المسلمين. لقد سبق ان عطل مؤقتا حد السرقة في عام المجاعة. ان الامير او الحاكم او الخليفة المسلم له الحق في تعطيل مؤقت لبعض الحدود او الحقوق او الصدقات الشرعية. للحفاظ على مصالح المسلمين وفق ما تقتضيه المصلحة العليا.
فمن المعروف من جهة اخرى ان سهم المؤلفة قلوبهم حق شرعي اقره الله تعالى في كتابه الكريم مع الاصناف الستة الاخرى وفق نص الاية 60 من سورة التوبة. “انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم”.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي اموالا وغنائم يؤلف قلوب بعض المسلمين من ضعيفي الايمان او غير المسلمين. حرصا على تحبيب الاسلام الى قلوبهم او اتقاء شر السنتهم وباسهم كبعض الشعراء والوجهاء والاعراب من حديثي عهد بالاسلام.
فاعطي على سبيل المثال الكثير من الغنائم الى اقوام من قريش وبعض القبائل العربية في مكة وما حولها بعد انتصار المسلمين في حنين كي يقربهم من حب الاسلام. لكن بعض المؤمنين خصوصا شباب الانصار لم يفهموا علة هذا الصنيع فاعترضوا على عطاء رسول الله وسكت قادتهم كسعد بن عبادة.
كانت حكمة وقيادة رسول الله للمسلمين شفافة تعتمد على الصراحة والوضوح واعطاء كل ذي حق حقه وفهم حب النفس البشرية لحيازة المال والعطايا. فطلب من الانصار ان يجتمع بهم لوحدهم. ثم بدأ رسول الله بالحوار معهم فذكرهم بفضل الله ورسوله عليهم. واقر ايضا بفضلهم واخلاصهم له وكانوا النواة الاولى للاسلام. ثم شرح لهم علة توزيع الغنائم لغيرهم والتي كانت لتاليف قلوب اقوام حديثي عهد بالاسلام. قال لهم اخيرا الا ترضون ان يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودون ورسول الله في رحلكم. واردف قائلا لولى الهجرة لكنت امرء من الانصار. ثم قال ليطمئنهم بانه سيبقى معهم بالمدينة حتى الموت رغم فتح مكة المكرمة. اعلموا ان المحيا محياكم والممات مماتكم. فقالوا رضينا بالله ورسوله قسما.
على الرغم من ان رسول الله “لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى” وانه “لعلى خلق عظيم”. لكنه كان رحيما على قومه رؤوفا بهم يشاورهم في الحرب والسلام وكل عظائم الامور. كان نموذجا في الصدق والزهد والعبادة والوفاء والامانة والاخلاص والتسامح والشجاعة. لذلك كان المسلمون الاوائل يفدوه بارواحهم واولادهم واموالهم لانهم علموا بانه يهديهم الى صراط مستقيم.
اليوم بغياب دولة اسلامية موحدة وتشتت الامة الى دول متعددة نتيجة الغزو الاستعماري. اضحت تلك الدول تنخر في جسدها امراض القومية والتعصب والطائفية والمناطقية والعشائرية. فيمسي المؤمن مسلما ليصبح كافرا والعكس بالعكس. كما ان اغلب الحكام المسلمين هم وكلاء للمستعمر الذي وضعهم دون استحقاق في اماكن قيادية ومن دون موافقة الشعب. ليس للمسلمين من بد سوى الاعتماد بعد الله على انفسهم والعمل على تجميع المخلصين والحلفاء والمحايدين لنصرة المسلمين.
لذلك فان هناك ضرورة قصوى لاعادة تفعيل سهم المؤلفة قلوبهم. للعمل مع المسلمين غير الملتزمين من العلمانيين بكل اتجاهاتهم السياسية والاقتصادية. ومع غير المسلمين الذين لا يكنون عداءا لهذا الدين. فمن الضرورة التواصل مع المسلمين غير الملتزمين بالعبادات واحترام اختياراتهم وترك تاديتهم العبادات لله. اما غير المسلمين فينبغى منح الهدايا والعطايا الرمزية او العينية نظير خدماتهم للاسلام سواء كانوا صحفيين أو اقتصاديين او سياسيين او رجال اعمال.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here