ما هي حقيقة حديث الثقلين؟ وهل يدل على الامامة الإلهية لأهل البيت؟

ما هي حقيقة حديث الثقلين؟ وهل يدل على الامامة الإلهية لأهل البيت؟

احمد الكاتب

هناك حديث يتضمن الوصية بالعترة وأهل البيت، اتخذ منه بعض الامامية دليلا على النص على أئمة أهل البيت بالإمامة، وهو حديث تطور عبر التاريخ، واستغله أكثر من طرف من أقرباء الرسول.

وقد روى المفيد في (الامالي) نسخته الأولى، فقال:

“أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي، قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسيني، قال حدثنا عيسى بن مهران،، قال أخبرنا يونس بن محمد، قال حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل، قال اخبرني عبد الرحمن بن خلاد الانصاري، عن عكرمة عن عبد الله بن عباس قال : إن علي بن ابي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله (ص) في مرضه الذي قبض فيه… فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر ثم قال: “… ألا اني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله تعالى بين أظهركم، تقرؤونه صباحا ومساء فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا اخوانا كما أمركم الله. وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي، وأنا أوصيكم بهم ثم أوصيكم بهذا الحي من الأنصار، فقد عرفتم بلاهم عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار ويؤثروا وبهم الخصاصة، فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار وليتجاوز عن مسيئهم”.

وكان هذا آخر مجلس جلسه حتى لقى الله عزوجل. المفيد، الأمالي، ص ٤٦ -٤٧

وكما يلاحظ فان هذه (الوصية) لا تتضمن حديثا عن الامامة والخلافة، وإنما تتوجه الى عامة المسلمين بالاهتمام بالعترة وأهل بيت النبي، والأنصار.

وهذه الرواية تشابه ما أورده مسلم:” أما بعد ، ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثم قال : وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي”.

وهناك وصية أخرى مشابهة تخلو تماما من الحديث عن العترة وأهل البيت، يرويها المفيد … عن ابي بصير عن ابي جعفر الباقر: قال: لما حضر النبي الوفاة… قال للمسلمين وهم مجتمعين حوله: أيها الناس انه لا نبي بعدي، ولا سنة بعد سنتي، فمن ادعى ذلك فدعواه وبدعته في النار، ومن ادعى ذلك فاقتلوه، ومن اتبعه، فانهم في النار. أيها الناس أحيوا القصاص واحيوا الحق، ولا تفرقوا، واسلموا وسلموا تسلموا، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، ان الله قوي عزيز. الأمالي، ص ٥٣

ويبدو أن تلك الوصية تطورت بعد حين الى الرواية المشهورة “إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي”. ولئن كانت هذه الرواية قد اشتهرت في القرن الثاني الهجري، واعتمد عليها الهاشميون في بناء شرعيتهم السياسية الدينية، فانها لم تصبح متواترة، وظلت كما هي (خبر آحاد) لا يحتوي على معنى سياسي، وانما يقتصر على الحب والمودة.

والرواية كما ينقلها الشيخ المفيد هكذا: “… عن معروف بن خربوذ قال سمعت أبا عبيد الله مولى العباس يحدث أبا جعفر، قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول:

ان آخر خطبة خطبنا بها رسول الله (ص) في مرضه الذي توفي فيه، خرج متوكأ على علي بن ابي طالب وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثم قال: يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين، وسكت فقام رجل فقال: ما هذان الثقلان؟

فغضب حتى أحمر وجهه ثم سكن، وقال: ما ذكرتهما الا وأنا اريد أن أخبركم بهما، ولكن ربوت فلم استطع، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم تعملون فيه كذا وكذا، ألا وهو القرآن، والثقل الأصغر أهل بيتي، ثم قال: والله لا يحبهم عبد الا أعطاه الله نورا يوم القيامة حتى يرد علي الحوض، ولا يبغضهم عبد الا احتجب الله عنه يوم القيامة.

فقال أبو جعفر: ان أبا عبيد الله يأتينا بما يعرف”. الأمالي، ص ١٣٥ – ١٣٦

وبالرغم من أن هذا الحديث (الوصية) لا يحدد من هم “أهل البيت” ولا يجعلهم أئمة للمسلمين الى يوم القيامة، فان الشيخ المفيد ينقل رواية أخرى أوضح منها ، ولكنها بدون سند، ويدعي أنها “ما جاءت به الرواة على اتفاق واجتماع من قوله (ع) :

– أيها الناس، اني فرطكم وانتم واردون علي الحوض، ألا واني مسائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي فأعطانيه، ألا واني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم… ألا وان علي بن ابي طالب أخي ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله”. الارشاد، ج١ ص ١٨٠

وهناك روايات أخرى مشابهة يرويها الصفار عن الباقر عن جابر بن عبدالله الأنصاري أن رسول الله (ص) قال :” يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين.. إن تمسكتم بهما لا تضلوا ، ولا تبدلوا..الثقل الأكبر كتاب الله … والثقل الأصغر عترتي وأهل بيتي، ولا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا عليَّ الحوض “. بصائر الدرجات : 122 و 123

– “إني تارك فيكم الثقلين ، أما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض”. ( الصفار ، بصائر الدرجات : 123 ) من دون إضافة ” ولا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا عليَّ الحوض “.

وفي رواية أخرى عن الباقر تحتوي على إضافة مختلفة هي “الكعبة البيت الحرام” ليصبح الحديث هكذا: ” أيها الناس إني تارك فيكم حرمات الله : كتاب الله ، وعترتي، والكعبة البيت الحرام”. وفي هذه الرواية تتمة تدعي أن كتاب الله قد تعرض للتحريف. وهو أمر مخالف لصريح القرآن الكريم، مما يضعف الرواية من أساسها. الصفار ، بصائر الدرجات : 123

ولكن رواية الباقر عن جابر كانت موضع شك، وحسبما ينقل العالم الرجالي الشيعي في القرن الرابع المعروف بالكشي، عن الإمام جعفر الصادق ” فإن أهل المدينة كانوا ينكرون على الباقر روايته عن رسول الله (ص)، ويقولون: ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا يحدث عمن لم يره. فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه، وكان جابر والله يأتيه يتعلم منه”. الكشي في ترجمة جابر بن عبد الله الأنصاري. وروى الكشي عن محمد بن مسلم، وزرارة، قالا: سألنا أبا جعفر عن أحاديث فرواها عن جابر، فقلنا مالنا ولجابر ! المصدر.

وإذا صح هذا الحديث فانه لا يتضمن معنى الإمامة والخلافة، وإنما الوصية بالعترة أو أهل البيت. ولا دلالة في الكلمتين على حصر الإمامة في ذرية علي والحسين، كما قال الإمامية، الذين رووا عن الباقر تفسير كلمة “أهل البيت” بالأئمة من نسل الرسول. كما لا دلالة في الحديث على كون أحد من “العترة” بالخصوص دليلا على القرآن أو مختصا بتفسيره وترجمته وتأويله.الكليني، الكافي، الروضة، ح رقم 5494 – 6 و ح رقم، 597

وقد رفض الشيخ المفيد الاعتماد على حديث “الثقلين” أو “العترة” في تأسيس نظرية الامامة، وقال في حواره مع الزيدية الجارودية:” قالت الامامية:

هذا الخبر بأن يكون حجة لمن جعل الامامة في جميع بني هاشم أولى من أن يكون حجة لمن جعلها في ولد فاطمة، لأن جميع بني هاشم عترة النبي وأهل بيته بلا اختلاف”. الجارودية، ص ٤٠ وأضاف: ” لكنا لا نعتمد على ذلك ولا نجعله أصلا لنا في الحجة”. الجارودية، ص ٤١

والسبب في ذلك إن مفهوم “العترة” في جميع الروايات غير محدد، وكما قلنا فان العترة تعني القرابة، وهي تشمل جميع أقرباء الرسول (ص) من الهاشميين: كالعباسيين والطالبيين (آل جعفر وآل عقيل وآل علي)، وحتى أولاد ابي لهب، وأما “أهل البيت” فهي تشمل نساء النبي أيضا. ولا يمكن تحديدها بسلالة علي بن أبي طالب فقط، أو بالأئمة الخاصين أو بالإمام الباقر. وقد وردت كلمة “أهل البيت” في القرآن الكريم مرتين، مرة في سورة هود في خطاب زوجة النبي إبراهيم (ع) :” وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا؟! إن هذا لشيء عجيب. قالوا: أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد” 71- 73 ومرة أخرى في سورة الأحزاب في مخاطبة نساء النبي:”وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا”. الآية 33

لا امام منصوص عليه من الله

فقد روى الكليني عن سعيد السمان أنه كان عند أبي عبدالله (الصادق) إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له: أ فيكم إمام مفترض الطاعة؟ فقال: لا، فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات أنك تفتي وتقر وتقول به ونسميهم لك، فلان وفلان، وهم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممن لا يكذب. فغضب أبو عبدالله فقال: هم أعلم وما قالوا .. ما أمرتهم بهذا. فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا. الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله ، ح رقم 1 والكشي عن سعيد الأعرج عن الإمام الصادق. الخوئي، معجم الرجال، رقم 5109 والصفار، بصائر الدرجات، ج 4، باب (4) ما عند الأئمة عليهم السلام من سلاح رسول الله ص وآيات الأنبياء، ح رقم (4)

ولكن “الإمامية”يضيفون إلى هذه الرواية: أن الإمام الصادق لعن السائلَين (الزيديين) بعدما خرجا، وأكد نظرية الإمامة، وادعى: “أن لديه سيف رسول الله (ص) ودرعه ولامته ومغفره، وأن عنده خاتم سليمان والطست الذي كان يقرب بها موسى القربان، وأن عنده التابوت التي جاءت بها الملائكة تحمله، والسلاح الذي من صار إليه أوتي الإمامة”. الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب الاضطرار إلى الحجة، ح رقم 5

موقف الصادق الإيجابي من الشيخين
وبناء على عدم إيمان الصادق بنظرية “الإمامة الإلهية” اتخذ موقفا إيجابيا من الشيخين أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) خلافا للإمامية الذين كانوا يتهمونهما باغتصاب الخلافة من علي ويتبرءون منهما، والذين كانوا ينسبون إلى الصادق سرا أنه كان يلعنهما. فكان الإمام الصادق يتولى أبا بكر وعمر علناً ويطالب الشيعة بتوليهما، كما يقول سالم بن أبي حفصة: أنه سأل أبا جعفر وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده ؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعةمحمد (ص) يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما”. الذهبي، سير أعلام النبلاء ج 6 ص 258 وذكر الخوئي نقلا عن السيد المهنا في عمدة الطالب: أن أم الصادق: أم فروة بنت القاسم الفقيه ابن محمد ابن أبي بكر، وأمها أسماء بنت عبد الرحمان بن أبي بكر، ولهذا كان الصادق يقول:” ولدني أبو بكر مرتين”. الخوئي، معجم رجال الحديث، رقم 9558
وهذا ما أكده أبو بصير (وهو من الإمامية المعادين للشيخين) في رواية يقول فيها: كنت جالسا عند أبي عبدالله إذ دخلت عليه “أم خالد” تستأذن عليه فقال أبوعبدالله: أَيسُرُّك أن تسمع كلامها؟ فقلت: نعم، فقال: أما الآن فأذن لها. قال: وأجلسني معه على الطنفسة ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألَتْه عنهما (عن الشيخين) فقال لها: توليهما؟ قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم، قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة (أبا بصير) يأمرني بالبراء‌ة منهما، وكثير النوا (صاحب سالم بن أبي حفصة) يأمرني بولايتهما. الكليني، الكافي، كتاب الروضة، ح رقم 319

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here