الخوف الذي زرعوه فينا : بقلم ( كامل سلمان )
الخوف حالة طبيعية عند مختلف الكائنات الحية نباتية كانت ام حيوانية ام انسانية ، وتختلف نسب الخوف مع نسب المخاطر واحجامها ، فهو سر من اسرار البقاء والحفاظ على النوع ، لذلك تعودت الكائنات على ايجاد السبل التي تقيها من مصادر الخوف سوا أكان هذا الخوف من الظواهر الطبيعية والكوارث او من الكائنات الاخرى ، فنرى كل نوع من الكائنات يستخدم قدراته التكوينية من قوة عضلية او السرعة او الطيران او العوم في الماء للدفاع عن نفسه او للهجوم على غيره . اما الانسان فقد اختلف كثيرا عن باقي الكائنات على اعتبار انه استخدم عقله وتجاربه لبناء منظومته الدفاعية امام الخوف لكن بنفس الوقت كان عليه ان يواجه انواع اخرى من الخوف لم تعرفها بقية الكائنات الحية مثل الخوف من المجهول والخوف من الأمراض والخوف من الغدر والخيانة وكذلك الخوف من اخيه الشبيه له بالخلقة ، غير ان الخوف توسع عند الإنسان وخاصة عند بعض المجتمعات فأصبح هنالك الخوف من الفضيحة والخوف من تثلم السمعة بين الناس وهذا النوع من الخوف لم تصنعه الطبيعة بل صنعته تقاليد المجتمعات وجعلت من الأنسان رهينة لهذه التقاليد ، والحقيقة ان مثل هذا النوع من الخوف فيها ضرورة اجتماعية مهمة للحفاظ على التماسك الاجتماعي وعدم الانحلال وبقاء السلوك الأخلاقي على درجة عالية من التأثير على ذات الفرد ، لذلك نرى الأفراد المنحرفون اخلاقيا او من هم سيئوا الصيت في المجتمع يعيشون حالة من الاحتقار والدونية والمجتمع ينظر اليهم بأستصغار ويتعرضون للذلة والمهانة وخاصة في المجتمعات الشرقية التي تعطي للسمعة مكانة مقدسة واحيانا تزيد قدسيتها عن قدسية ذات الدين ، فلا مكانة ولا احترام ولا تصاهر ولا قيمة لأصحاب السمعة السيئة .
الشيء الغريب الذي استجد في العقود الأخيرة وتحديدا في مجتمعاتنا الشرقية هو ظهور حالة من التباهي عند الذين يتحررون من الخوف على السمعة في تحدي واضح للمجتمع بكل عاداته وتقاليده ويسلك هذا النفر الشاذ الطرق المنبوذة اخلاقيا من سرقة وفساد واعتداء واجرام ويتحول بقدرة قادر الى انسان محترم ومبجل تتقرب اليه الناس زلفى بل ويصبح هو السيد المتسيد في الوقت الذي يصير فيه الإنسان الطيب صاحب الصيت والسمعة الحسنة هو العبد المسحوق الذي ينتظر العطية من هذا السيء السمعة بل وان مصير الأخيار يصبح كله تحت وصاية هؤلاء الأشرار في انعكاس يخالف المجرى الطبيعي لسير الحياة . قد يكون هذا التحول صدمة لكل من يسمع به ولكن للمتتبع والعارف لأوليات المجتمع سيرى هذه نتائج طبيعية وليست مفاجأة او صدمة .
هؤلاء الأشرار المنحرفون المتحررون من السمعة الطيبة كانوا وعلى مدار مئات السنين هم اصحاب مكانة مقدسة عند عموم الناس نظرا لارتباطهم بالجذور الدينية وعلميتهم ونظرا للسمعة المهمة التي كسبوها من اصول النسب وارتباط نسلهم برموز مقدسة ، إذا هم قوة مقدسة وقوة علمية وقوة تأريخية أحكمت قبضتها على عقول الناس بحيث لو فعلوا الأسوأ لن يتجرأ احد على توجيه الاصابع ضدهم حتى ولو سكنوا القصور وامتلكوا كل مايزيد حياتهم بذخا و ترافة وحياتهم تكون كحياة السلاطين فلن يجرأ احد على ذكر ذلك وان رأى بأم عينه كل ذلك سيسكت خوفا قبل كل شيء ، خوفا من ان الله سيدمر حياة الناس بمجرد ان يسيئوا الظن بهؤلاء المقدسون وهذه حقيقة ينطقها الواقع ، ولكني اقول هذا ليس ذكاء وفطنة من هؤلاء الشذوذ بل غباء وسذاجة من المجتمع وغفلة ما بعدها غفلة وأن استمرارية هذه الحالة يعني الخروج عن الطبيعة البشرية بكل المقاييس ، وان النهاية المأساوية ستصيب المجتمع قاطبة عاجلا ام آجلا وإلا ماذا يتأمل الناس من مجاميع منحرفة استغلت عواطف وسذاجة الطيبين لتتسلق فوق رؤوسهم ثم تهينهم ثم تستعبدهم وهم ينظرون .العقلاء يدركون اولها واخرها ولكن الجهلاء لا يدركون اولها ولا يدركون اخرها .
المجتمع اصبح مغلوب على امره غير قادر على تحريك هذا الثقل الذي يجثم على صدره ، فيلجأ الى الله صارخا متوسلا ان يرفع عنه هذه الغمة التي صنعته ايادي المجتمع ثم اضحت هذه الأيادي مشلولة امام ماصنعت
…… أعلموا ايها الناس لا دعاء مستجاب ، فهؤلاء صنعته ايادينا ، نعم نحن المجتمع الضال ، صنعناهم بجهالتنا وافسدناهم بسذاجتنا وخشيناهم لضعفنا ، فنحن شعب تربى على الخوف ، نخافهم لإن الدنيا والأخرة بأيديهم كما أقنعونا وحتى الموت وعذاب الموت وما بعد الموت كله تحت اشرافهم ، ولن يتجرأ رب العالمين ان يتخذ من قرار بحق احدنا الا ولهم القول الفصل ، هكذا ختموا على افواهنا وعقولنا ، ونحن كنا نصدقهم بل وما زلنا نصدقهم ونجبر نساؤنا واولادنا ان يصدقوهم فإن اتباعهم وقبول هيمنتهم وسيادتهم فيه رضا الله وعدم طاعتهم فيه سخط الله ، فلو تحررنا منهم بالصدفة او بمعجزة من الله او من قوة عظمى سنجد انفسنا نعيد الكرة وستبدع ايادينا في صناعة الأسوأ منهم والسبب لإن العقول تبقى تحت إمرتهم او تحت إمرة ما زرعوه في عقولنا ، وبشكل مختصر نحن أسارى خزعبلاتهم وكل خزعبلاتهم تنتهي بالتخويف والخوف المريع ، بمجرد ان أسيء الظن بهم فأن الله سيتحول الى مدمر لحياتي ولعائلتي، هذا المقياس من الخوف تشعب في كل جزئيات حياتنا والتحدي لهذا الخوف جنون لإنهم قادرون على ان يحركوا الرب في اي اتجاه يشاءون خاصة ونحن مجتمع لم يفارق المصائب والخوف من المصائب فكيف سنتجرأ في خوض مواجهة مع قوة ظلامية تظلمك وتسرقك وتستعبدك وانت تتجنب حتى في قرارة نفسك ان تقول هؤلاء من دمر حياتي وحياة عائلتي وحياة مجتمعي ، فإن استطعت ان تقول ذلك فقد انتهت المواجهة وقضي الأمر وعادت لنا الحياة كباقي البشر احرار مكرمون ، فهل نستطيع ان نفعلها ولو مرة .
Read our Privacy Policy by clicking here