الحكومات لا تبني المجتمعات

الحكومات لا تبني المجتمعات : بقلم ( كامل سلمان )

الحكومات لا تبني المجتمعات ولكنها تبني مؤسسات خدمية وعلمية وصحية ورياضية وفنية وغيرها من المؤسسات التي تعمل على تطوير المجتمع ، والمجتمعات لا تبني هذه المؤسسات بل ان المجتمعات هي التي تبني الحكومات ، إذا لماذا فشلت مجتمعاتنا في بناء حكومات صحيحة تأخذ على عاتقها بناء مؤسسات صحيحة .
هل هناك عيب في مجتمعاتنا لا نستطيع إدراكه ام هناك اسرار خفية ، خاصة ونحن نتحدث عن مجتمعات عريقة لها جذور تأريخية سبقت جميع المجتمعات المتطورة . هناك حقيقية يجب ان نتوقف عندها وهي ان مجتمعاتنا هي الوحيدة على سطح الكرة الأرضية تعادي حكوماتها ولا تثق بأدائها رغم ان هذه الحكومات هي من افرازات المجتمع وهذا ما نتج عنه تباعد الحكومات عن تطلعات المجتمع لإن الحكومات تعي بإن وجودها مؤقت مع وجود هذا التنافر مع شعوبها وان سقوطها يعني قتل وتدمير افرادها وعوائلهم ، لذا تلجأ الحكومات الى تحصين نفسها وكيانها من السقوط وتعمل ما بوسعها الى حماية نفسها دون النظر بأهمية الى المؤسسات التي وجب عليها بناءها وديمومتها وتطويرها لإن القضية برمتها مصيرية بالنسبة لها .
اما لماذا تتصرف المجتمعات بهذه الكيفية ، اي انها تولد الحكومات من رحمها ثم تتمرد عليها و تعاديها ثم تعلن الجهاد ضدها و تكنيها بالحكومات الظالمة وفي النهاية تسقطها او تخضع لسلطتها بالقوة دون ارادتها .
فلننظر الى الواقع بتعمق سنجد ان اي حكومة لم تكن بالحقيقة وليدة المجتمع بكل أطيافه بل وليدة فئة مجتمعية محددة اي بمعنى أخر في مجتمع متعدد الاتجاهات الفكرية والعرقية هناك اتجاه واحد يفلح في تأسيس وبناء الحكومة وبما ان مفهوم الحكومة عندنا هي السلطة والقوة والهيمنة فسرعان ما تصبح هذه السلطة والقوة بيد تلك الفئة المجتمعية التي تفشل في كسب ود باقي الفئات تحت سلطتها بإعطائها دور هامشي طالما ان مفهوم الحكومة هو مفهوم تعسفي سلطوي فيتحول الهدوء النسبي الذي يعم المجتمع بالقوة والإكراه الى نار تحت الرماد وهذا حال جميع الحكومات التي حكمت بلداننا طوال التأريخ .
وعندما اصبحت الحكومات الديمقراطية هي البديل المعاصر عن الحكومات الفئوية فقد عملت تلك الفئات القوية استثمار مبدأ الأغلبية لفرض هذا الواقع من جديد دون اللجوء الى تغيير مفهوم الحكومة وهذا ما جعل الواقع مع النظام الديمقراطي لم يتغير كثيرا ، صحيح إنها جاءت بأسلوب ديمقراطي ولكن مفهوم الحكومة بقي على حاله لذلك صاح الجميع ان الديمقراطية لا تناسب مجتمعاتنا او اننا غير مؤهلين للديمقراطية .
إذا مشكلتنا الحقيقية هي مفهوم الحكومة ، هذا المفهوم الذي تطور كثيرا عند المجتمعات البشرية الأخرى وأصبحت لا تمثل مصدر خوف وقلق لباقي فئات ومكونات المجتمع بمختلف اتجاهاتها . الديمقراطية الحقيقية التي مازلنا لا نستوعبها هو وجود حكومة قوية متماسكة وعملها الأساس هو خدمة المجتمع وليس التسلط على المجتمع وهذه الحكومة تكون خاضعة كليا للدستور والدستور يجب ان يكون هو السلطة العليا ولا يميز الأسماء والعناوين والأعراق والأنساب ولا يستطيع كائن من كان القفز على الدستور ، هذه المشكلة تبقى قائمة طالما هناك تدخل من قبل الدين والقومية والعرق والعرف الاجتماعي في شأن الدستور .
اذا كان للدستور السلطة العليا ويراعي الجميع بلا استثناء ففي هذه الحالة لم يعد هناك اي صراع وتباعد بين الحكومة والمجتمع ، عندها ستتفرغ الحكومة لإدارة عملها في بناء المؤسسات التي تواكب تطور المجتمعات الاخرى وتطور الحياة لإن افراد الحكومة سيكون شعورهم كموظفين تحت رقابة الدستور ولا نحتاج رقابة الضمير او رقابة المجتمع وهذا هو السر الذي جعل المجتمعات المتقدمة تتطور بلا توقف . اذهب الى تلك المجتمعات المتطورة ستجد افرادها لا يعرفون اسماء المسؤولين في الدولة لإن ذلك لا يهمهم بقدر ما يعرفون قوانين الدوائر التي تدار من قبل المسؤولين وهذا ما يهمهم ، فالقوانين هي الباقية اما المسؤولين فيتغيرون باستمرار وليس لهم اي أثر سلبي عند تغييرهم والمجيء بالبديل المناسب ، فكل ما يفعله المسؤول خلال فترة عمله وخلال تواجده على رأس هرم المسؤولية هو تطوير أداء دائرته او وزارته وليس الاستحواذ على مناصبها واموالها فالدستور لا يرحمه ولا يعفيه من التقصير .
إذا نحن بحاجة الى نظام ديمقراطي حقيقي فيه مفهوم الحكومة والمسؤولية واضحة المعايير عندها سنجد بلداننا تنعم بما تنعم به الاخرون دون اللجوء الى العنف والمليشيات ، فلنتعلم من الاخرين ولنوقف التراجع الذي حل ببلداننا ، وان لن نفعلها سيستمر مسلسل السيء الى الاسوأ الذين صاحبنا لعقود طويلة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here