فلسفة وضوابط الصلاة خلف الامام تمثل زبدة العلاقة بين الشعوب والحكام !

فلسفة وضوابط الصلاة خلف الامام تمثل زبدة العلاقة بين الشعوب والحكام !

احمد الحاج

الى وقت قريب كانت الجموع الغفيرة ، و شرائح واسعة من الجماهير العريضة ونتيجة لتداعيات سياسية واخفاقات اقتصادية متسارعة بإطراد ، ومن جراء خلفيات ثقافية ، نفايات اجتماعية ، ملوثات ايدولوجية ، تراكمات معرفية، محرضات اقليمية ودولية ، خلفيات طائفية ، اشكالات قومية ، مفاهيم عشائرية وقبيلة ، ومن جراء الاقتصار على قراءة كتب ومطالعة مصادر او متابعة مراجع وادبيات تنتمي لمدارس فكرية محددة من دون سواها من المدارس الاخرى قد ساقها لهم محيطهم ، ووضعتها في طريقهم ظروفهم ، وغذتها افهامهم بيئاتهم ، والقمتها اثداء حاضناتهم ومرضعاتهم افواههم رغما عن انوفهم حتى شبوا على هذا الارضاع وشابوا عليه ، يعتقد واهما بأن كل معارضة سياسية أو فكرية أو اجتماعية او ثقافية هي بالاصل ” اصيلة ونزيهة وشريفة وعفيفة ” تريد الخير ، كل الخير بالبلاد والعباد وانها بظنهم القاصر هي أمل الأمة وملاذها وخلاصها وأيقونتها لتحقيق الاصلاح والتغيير المطلوب وترسيخ مبادئ ومفاهيم العدالة الاجتماعة المأمولة والمنتظرة منذ امد بعيد بظل حاكم مستبد قاس عنيف ، او بظل حاكم عادل الا انه متردد جبان غير حازم وضعيف،معارضات من وجهة نظره القاصرة تبذل في سبيل تغيير الانظمة والحكام – اية انظمة واي حكام – الغالي والنفيس من أجل الغاية الاسمى بإتباع الوسائل الارقى ” واذا بالايام تمضي سراعا فتكتشف الجماهير بأن بعض تلكم المعارضات وفي حقيقتها هي اسوأ من البيروقراطيات والاتوقراطيات والتيوقراطيات والديكتاتوريات والشوفينيات والبلوتوقراطيات والارستقراطيات والكليبتوقراطيات نفسها والتي تزعم المعارضات مقارعتها ، معارضات هجينة،معقدة نفسيا، معبأة ايدولوجيا، مشحونة طائفيا ، غائبة عن الوعي وطنيا ،طوباوية حالمة لاتمت للواقع المعاش بصلة ، منفصلة عن محيطها ، أمية بتداعيات مجتمعاتها وتناقضاتها وتقاطعاتها والآمها واحزانها ومطالبها واحتياجاتها ، ربما لعيش الكثير من تلكم المعارضات في الخارج ردحا طويلا من الزمن بما جعلها لا تفقه شيئا من متطلبات الاصلاح الداخلي الذي عاشت بمنأى عنه ولعقود، معارضات مغتربة ومُغربة وبعضها غريبة ، تحمل من الأجندات والهويات والجوازات والانتماءات والولاءات والاحقاد الدفينة على البلد والشعب ماضيا وحاضرا ومستقبلا ما يجعل التثقيف بالحيلولة من دون صعود قسم منها في بعض الازمنة والامكنة واجب عرفي واخلاقي ووطني وشعبوي وشرعي لأن نتائج صعودهم ستكون كارثية بكل ما تعني الكلمة من معنى وعلى مختلف الصعد ، تماما كما يظن غيرهم بأن كل حاكم – ملك ، امير ، سلطان ، رئيس – هو ظل الله في الارض ، وان كرسي الحكم حكر عليهم وعلى أبنائهم من بعدهم ، وانه حق سماوي لهم من دون سواهم لايحق لأحد مهما كان نزعهم اياه أو منازعتهم عليه ، ولولا ان الله تعالى يحب أحدهم لما اكرمه ولما جعله سيدا على شعبه وعلى بلده وقومه، ولما ملكه مفاتيح مقدراتهما وخيراتهما ، ولما اختاره من بين ملايين البشر ليكون سيدا وحاكما عليهم بزعمهم وبحسب ادعائهم ” ولاشك ان كلا الرأيين القاصرين الأول والثاني يجانب للصواب ويتقاطع مع الحق ويتنافر مع الحقيقة بشكل أو بآخر ولايعدوان أن يكونا مجرد – عفطة عنز – في أرض فلاة ، ولقطة لا صاحب لها في تيه أصم كل من يمر بها يلتقطها ويدعي حيازتها وملكيتها ، بما لايتناطح عليه كبشان ، ولا يختلف عليه اثنان !
بالامس نشر احد المشايخ الافاضل على صفحته الشخصية موضوعا لاعلاقة له بموضوعنا هذا البتة الا انك لو تأملته مليا واطلعت عليه بإمعان وقلبت طرفك فيه ، وامعنت بصرك واطلقت العنان لبصيرتك في سطوره ، و اعملت ذهنك في احكامه لتوصلت الى،ان “فلسفة وضوابط صلاة الجماعة خلف الامام انما تمثل زبدة العلاقة بين الشعوب والحكام “، ولعل احكام ما يتوجب على المأموم فعله في حال اخطأ الامام – يشترط في الاخير ان يكون عاقلا بالغا عدلا حافظا ومتقنا – في القراءة اثناء الصلاة بما يعرف فقهيا بـ” الفتح على الامام ” كما اوردها شيخنا الفاضل وخلاصتها بإختصار الاتي :
– ان يصحح المأموم للامام بنية التصحيح ، لا بنية التباهي بأنه الاحفظ ، الاعلم ، الافقه ، الاذكى ، الاورع …الخ .
– ان يفتح المأموم على الامام ويصحح له قراءته بأسلوب المشفق الرحيم المتواضع ، لا بأسلوب المتشفي المتهكم المتكبر .
– لاينبري المأموم للتصحيح الا اذا تأكد من خطأ الامام في القراءة .
– لابد للمأموم من اعطاء فرصة وفسحة للامام للاستدراك ، وعدم التدخل الفوري للتصحيح فور وقوع الخطأ وكأنه يتربص به الدوائر ويتمنى خطأه مسبقا ليخرج على المصلين بهيئة المصلح الاجتماعي المستقيم الحريص على الاصلاح والتقويم .
– لايصحح المأموم للامام اذا كان بين من يصلي خلف الامام من هم احفظ لكتاب الله تعالى منه واعلم بأحكامه .
– يتوجب بالمصحح اثناء التصحيح ان لايكون صاخبا ، ولا مزعجا ، وان لايكون تصحيحه عاليا ولا خافتا ، وخير الامور اوسطها .
– صوت التصحيح يجب ان يكون مسموعا للامام وان لايكون من آخر الصفوف بوجود الحفاظ في اولها واوسطها ، بخلاف ذلك فأن تداخل الاصوات والضجيج والضوضاء والهرج سيعم المسجد من دون ان يتحقق الغرض المنشود من هذا التصحيح الذي ضاع في زحمة التصويبات وتاه في صخب التصحيحات وربما تقاطع معها .
– اذا لم يكن المأموم متيقنا من صحة تصحيحه ” فتحه على الامام ” ، وخطأ امامه فعليه ان لايصحح له ابدا .
– كثرة المصححين والمستدركين على الامام تشوش عليه وعلى البقية صلاتهم وتضيع اصواتهم ما يدفع الامام الى الاستمرار في خطأه ، وربما ونتيجة التشويش والصخب الاصرار عليه .
ثق لو انك تأملت في هذه الفقرات مليا واسقطتها بالقياس على علاقة الحاكم بالمحكوم فستخرج منها بحصيلة اخلاقية ومحصلة اجتماعية وفكرية وثقافية جيدة جدا وخلاصتها :
– اذا اخطأ الحاكم – اي حاكم – ملكيا كان ام جمهوريا ، عادلا ام ظالما ، وفي اي مجال من المجالات ، فلا تحاول التشهير بهذا الخطأ فورا وتحاول التهكم عليه والسخرية منه على انك الاعلم بالسياسة ، الافهم بالاقتصاد ، الاكثر خبرة في الصناعة ، الاشد دراية في الزراعة ، الاكثر كفاءة في الطب ، في القانون ، في الدستور ، في الهندسة ، في المعمار ، في الاعلام ، في النقل ، في التعليم ، في التربية ، في الشريعة …وانت ” كلشي ما تفتهم وفي اي من هذه الفنون والتخصصات اساسا ” كل ذلك تحت يافطة معارضة ولكن حين تصدقك الجماهير بما يساعد على وصولك الى الحكم فستقلب عالي البلد واطيه وتلعن سلفه سلافين الشعب بما هو مجرب في لا اقول 70% من المعارضات ، وانما بـ 90 % منهما لاسيما اولئك الذين يحملون من الحقد الدفين وعقد الثأر والانتقام والشعور بالنقص والتبعية الشيء الكثير!
– كثرة المعارضات وتنافرها وتقاطعها مع بعضها = هرج ومرج
– خفوت صوت المصلح الاجتماعي اسوة بصخبه كلاهما سيان = هرج ومرج
– خطأ المصلح فضلا عن عدم ثقته بنفسه ولا بطروحاته ولا بحلوله ولابمقترحاته ولابتوصياته وعدم تيقنه من افكاره وتصويباته وادبياته = هرج ومرج
– تصيد الاخطاء والخطايا وترقب العثرات ورصد الزلات والصيد بالماء العكر ومحاولة المجاهرة بها وفضحها وتعميمها واذاعتها واشاعتها بين الناس لتحريضهم ، ولغرض تسقيط المقابل من جهة ، والتباهي بما عنده من – شرف ونزاهة ووطنية – بزعمه من جهة اخرى = هرج ومرج
– محاولة التصويب في كل وقت وحين من امكنة وفي ازمنة غير ملائمة،بوجود الاعلم والافقه والانزه والاصوب في ازمنة وامكنة اكثر ملاءمة = هرج ومرج
– المراهنة على الاعلمية ، ومحاولة التباهي بالنفس ونوازعها الدنية ، والحرص على البروز تحت يافظة ” ها انذا وكل ما عداي كذا وكذا ” لغرض كسب ود الجماهير ” المأمومين ” مقابل الحط من قدر الامام ” الحاكم ” = هرج ومرج
بالمقابل فإن فلسفة الصفوف المتراصة خلف امام واحد ” قائد واحد ” والتي لاتصح بوجود امامين ، ولاتترك بين الصفوف مجالا للثغرات ولا للفرجات خشية ان تتسلل من خلالها شياطين الجن ” يقابلهم شياطين الانس ، واصحاب الاهواء الهزيلة، وعباد الدنيا المؤثرة ، والافكار الدخيلة ، في الواقع المعاش خارج المسجد ” ،حيث الكتف على الكتف ، والقدم بمحاذاة القدم ، لافرق بين صغير ولا كبير ،بين غني ولافقير، بين امي ومتعلم ،بين اسود ولا ابيض،بين عربي وكردي وتركماني ” اذابة الفوارق الطبقية والقومية والعنصرية والعمرية بين المصلين ” وحيث لايجوز الركوع ولا السجود قبل الامام،ولا الاتيان بأية حركة ولا سكنة قبل ايعاز من الامام للاتيان بها، وبخلاف ذلك فإن صلاتك باطلة ..!
الخلاصة : ليس كل ما يلمع ذهبا ، وعلى قول البغادة ” مو كل مدعبل ..جوز ” وبناء عليه فليس كل من يدعي المعارضة السياسية والمجتمعية والفكرية والثقافية نيته مخلصة ، ورؤيته صحيحة ، ورسالته صادقة ، وهدفه نقي ولا شائبة عليه غايته الاصلاح والتغيير نحو الافضل ، بالمقابل ليس كل حاكم هو المنقذ والمخلص والمختار الذي فرضته المرحلة وجاءت به الظروف والاقدار وباركته السماء بما لايجوز معه انتقاده ولا نقده ولا تقويمه ولا نصحه ..كلا الرأيين هراء ، ولابد من أن تكون العلاقة بين الطرفين – الحاكم والمحكوم – لننهي الجدل بشأنها مبنية على احقاق الحق وازهاق الباطل ، على توفير الامن والأمان ، على توفير السلم والسلام ، على ترسيخ مفاهيم واشاعة قواعد وتطبيق العدالة الاجتماعية ، تحقيق النهضة الصناعية والزراعية والتجارية والعمرانية والعلمية والصحية والتعليمية والخدمية والرياضية، وقائمة على اداء الحقوق والواجبات ، وان لايتغلب او يشوش احدها على الاخر ، اما ان تتداخل الاصوات، وتكثر الاعتراضات ، وتتقاطع الاهواء ، وان يعجب كل صاحب هوى بهواه ، وكل ذي رأي برأيه ، وكل ذي شح بشحه ، وأن يتعصب كل واحد لفهمه وقوميته وطائفته بينما يتنمر على بقية الافهام والطوائف والقوميات ، لتتنافر بذلك الوجهات ، وتشتد الانفعالات ، وتتعالى الاصوات ، وتختلف التوجهات، وتصطدم الثقافات والافكار والايدولوجيات، وحين يكثر ملاحو السفينة الواحدة وسط بحر لجي ماله من قرار في يوم عاصف متلاطم الامواج فهذه ملهكة للجميع بما لايمت للاصلاح والصلاح وبأي حال من الاحوال بصلة . اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here